الرهان على جمهور آيسلندا: بركان يعطِّل الكبار

إياد أبو بكر
نشر في 2018/06/22

التصميم: منشور

في هذه السلسلة يكتب لنا كُتَّاب «منشور» وأصدقاؤه رهاناتهم الشخصية في كأس العالم، كلٌّ حسب تفضيلاته. ليست رهانات أو تحليلات فنية، بل تفضيلات وأهواء شخصية منطلِقة من موقعهم كمتفرجين ومشجعين لا أكثر.


لم أكن أعرف آيسلندا قبل شهر إبريل 2010، ولا أعتقد أن عدم معرفتي بها كان سيكلفني الرسوب في امتحان الجغرافيا أو امتحان الحياة، إذ أحسب أن معظم أبناء القطر الجغرافي الحار الذي نسكنه لم يصادفوا في مقرراتهم الدراسية بلدًا اسمه مشتق من الثلج، ولم تحفل المنطقة التي لديها ما يكفيها من أخبار الصدامات والنزاعات والحروب بإضافة اسم جديد إلى لائحة الدول التي تحتل مساحة من نشراتها اليومية.

كان ينبغي أن يحدث انفجار تعلن به آيسلندا عن نفسها، وحدث الانفجار، وسُمِّي بركان «إيافيالايوكل» (Eyjafjallajökull). ولأن تهجئة الاسم صعبة كما يبدو، فقد تواطأ الناس على الاشارة إليه باسم عام: «بركان آيسلن».

*تمرين: قراءة اسم البركان خمس مرات متتالية دون توقف.

تبع ذلك في 2016 ثورة من نوع آخر، فكما غطى الرماد المتصاعد من البركان الغاضب السماء الأوروبية، وعطَّل حركة الملاحة الجوية في عدة دول، خصوصًا الجزر البريطانية، عطَّل المنتخب الآيسلندي لكرة القدم مسيرة واحدة من أقدم القوى الكروية في العالم، المنتخب الإنجليزي، وأخرجه من دور الستة عشر في بطولة اليورو، في مفاجأة تضاف إلى رصيده بالتأهل إلى البطولة أصلًا على حساب المنتخب الهولندي العريق.

ليس هذا الإنجاز الكروي ما أود التطرق إليه هنا، فكُرة القدم عوَّدتنا على قهر المستحيل، بل أتحدث عن الشغف والحماس الذي ميَّز الجمهور الآيسلندي المرافق للمنتخب إلى فرنسا مشجعًا ومؤازرًا. من لا يتذكر مشهد اللاعبين وهم يقفون في نهاية كل مباراة أمام المشجعين؟ من لا يذكر التصفيق في تناغم رائع على إيقاع الطبول مع بعض الصيحات؟ صارت سمة ميزت هذه البطولة كما ميزت أمواج الجماهير كأس العالم 1986 في المكسيك.


احتفالات لاعبي آيسلندا مع الجمهور

وصلنا إلى 2018، عام المونديال، وكرة القدم قررت أن تكافئنا من جديد بمشاهدة الجماهير الآيسلندية في مدرجات الملاعب الروسية.

رهاني هنا على تألق هذه الجماهير بحماسها وشغفها الرائعَيْن، رهاني على كل آيسلندي سيكون في المدرجات وينتهي اسمه باللاحقة «Son»، وتعني ابن، وكل آيسلندية ستكون في المدرجات وينتهي اسمها باللاحقة «Dóttir»، وتعني ابنة (عادة مواطني آيسلندا في تسمية أبنائهم)، وكذلك على الأشخاص الذين يشدهم هذا الشغف، فيندسون وسط الـ«Son» والـ«Dóttir» لخوض التجربة.

‏لا أدري كيف أخرج من هذه الورطة التي بدأت بانفجار بركان وانتهت بلاعب لا يشارك في المباراة. ربما ينقذني كاتب عزيز يشاركنا شغف هذه اللعبة. يقول «إدواردو غاليانو» في كتابه «كرة القدم بين الشمس والظل»: «نادرًا ما يقول المشجع: اليوم سيلعب النادي الذي أشجعه. بل يقول عادة: اليوم سنلعب. وهذا اللاعب رقم 12 يعرف جيدًا أنه مَن ينفخ رياح الحماسة التي تدفع الكرة حين تغفو، مثلما يعرف اللاعبون الـ11 جيدًا أن اللعب دون مشجع أشبه بالرقص دون موسيقى».

إياد أبو بكر