لا يُفسد للود قضيَّة: 3 خطوات لتجاوز الخلافات السياسية مع أصدقائك
مع تصاعد الأحداث في عدد من الدول العربية عقب موجة الثورات والانتفاضات العاصفة في المنطقة، وجد الكثير منَّا أنفسهم يخوضون خلافًا سياسيًّا ربما للمرة الأولى مع أقرب الأشخاص إليهم: الابن مع أبيه، والزوج مع زوجِه، وكذلك اختلف الأصدقاء بعضهم مع بعض.
منذ اندلعت ثورة تونس في 2010، صار من الصعب أن تخلو جلسة عادية من النقاشات السياسية، وتعلو الأصوات وتحمرُّ الوجوه وتنكشف المواقف.
بطبيعة الحال، انتقل الخلاف إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح كل شخص ينشر المواد التي تعزِّز موقفه السياسي في مواجهة من يُخالِفونه الرأي، حتى وصل الأمر إلى تجميد بعض الناس كلَّ صور التفاعل مع أصدقائهم المختلفين معهم سياسيًّا، أو إزالتهم من قائمة الأصدقاء.
حتى أولئك الذين وقفوا على الحياد ولم يميلوا إلى أي طرف لم يسلموا من التشكيك في نواياهم، واحتُسب سكوتهم موقفًا سلبيًّا يؤاخذون عليه.
أثارت هذه الأزمات أسئلة كثيرة عما إذا كنا نستطيع الاحتفاظ بأصدقاء نختلف معهم جذريًّا في وجهات النظر السياسية، وما إذا كان ذلك يمثل تحديًا لقيمنا وأولوياتنا، وهو ما تناقشه أستاذة علم نفس النمو «ديبرا ديفيس» في مقالها على موقع «Psychology Today»، وتقدم لنا بعض الأفكار التي قد تساعدنا على تجاوز الخلاف السياسي مع أصدقائنا.
1. اختر صداقاتك وما تريده منها
ليس بوسعك السيطرة على أفكار الآخرين، ولكنك تتحكم في أفكارك الخاصة، ويمكنك أن تحدد أي الصداقات توَدُّ الاحتفاظ بها، وأي دور ترغب في أن تلعبه في كل واحدة منها. حدِّد عمق علاقاتك وطبيعتها، ثم تعامل بحذر مع أولئك الذين يختلفون معك في وجهة النظر السياسية.
اسأل نفسك إن كنتَ ستقبل بهذه الفروق أم أنها ستزعجك طوال الوقت؟ وهل تنوي محاصرة من يخالفونك الرأي بأفكارك وتحمُّل ما قد ينشب من نزاع، أم ستسعى لإيجاد مساحة توافقية؟ حدِّد موقفك ثم استكمل الطريق.
تنصحنا ديفيس بأن نتذكر دائمًا أننا نحب أن يستقبل أصدقاؤنا ما نقوله بسِعَة صدر وعقل منفتح، وأننا نسعى لأن يرَونا كأشخاص يتمتعون بالكفاءة والذكاء الكافيين لاختيار المواقف السياسية المناسبة، وأنهم ينتظرون نفس المعاملة والاحترام مِنَّا.
قد يهمك أيضًا: أصدقاء أقل، سعادة أكثر
2. تفهَّم مواقف أصدقائك
افتح عقلك لترى الأمور من منظور أصدقائك فتفهم بواعث سلوكهم. ربما لا يعبأ كثيرون بالأوضاع السياسية مثلًا لأنهم ببساطة لا يهتمون بالسياسة، بينما قد يشعر آخرون ألَّا حيلة لهم فيفضلون متابعة ما يحدث عن بعد، إذ ليس بوسعهم التحوُّل إلى نشطاء ولا قيادة الاحتجاجات.
ربما تتفاءل بناءً على تصورك للمستقبل، أما صديقك فقد يتشاءم على أساس مخاوف لا تدركها.
قد لا يجد بعض الناس ما يلزم من الوقت أو الطاقة للانشغال بالسياسة أو ممارستها، كما أن آخرين يخشون على أنفسهم من التعرض لمخاطر معارضة النظام أو تبني مواقف سياسية صريحة، لأنهم ليسوا على استعداد لدفع الثمن، الذي قد يكون حياتهم أو حياة أشخاص مقرَّبين إليهم، خصوصًا في بلادنا العربية. وعلى العكس تمامًا، قد يرى بعضنا أن الوضع الأمثل هو بقاء الحال كما هو.
عندما تحاول أن تفهم لماذا يتصرف أصدقاؤك على هذا النحو أو ذاك، ستكون أكثر تحمُّلًا لاختلاف وجهات النظر، في رأي ديفيس.
بينما تتفاءل أنت بما قد يحمله المستقبل، هناك من يتشاءم ويخشى الغد، لكن مَن يدري أيُّكما على صواب؟ ربما تتفاءل بناءً على تصورك الخاص للمستقبل، ويتشاءم صديقك على أساس مخاوف قد لا تدركها، وليس أمامنا في الواقع سوى الانتظار لمعرفة ما يحمله المستقبل فعلًا.
قد يعجبك أيضًا: عِش اللحظة: انشغالك بالماضي أو المستقبل قد يدل على حزنك
بينما يرى بعضنا مثلًا أن ثورة يناير في مصر لم تجلب سوى مزيدًا من الاضطرابات الاقتصادية، ولم تأتِ ببديل سياسي يستحق ما سُكب من دماء، يتهم آخرون النظام الذي سقط بالفساد، ويرون أن البلاد في طريقها إلى التعافي.
لا يختلف الوضع في تونس كثيرًا بعد ثورة الياسمين، فهناك المتفائلون الذين يرون أن الثورة حققت دستورًا جديدًا ونجحت في بناء مؤسسات الدولة، بينما يؤكد آخرون أنها لم تأتِ بثمار اقتصادية ولم تُحسِّن أوضاع الفئات المهمشة، ويخافون بالتالي ممَّا قد يحمله المستقبل.
أرِحْ نفسك، فأصدقاؤك يبذلون أقصى ما في وسعهم لتشكيل وجهات نظرهم، ويستعينون بمخزون معلومات وخبرات مختلف عمَّا لديك، إذ تحكمهم تجاربهم السابقة وأولوياتهم ومستويات تعليمهم ونقاط قوتهم وضعفهم ومزاجهم العام، وحتى الجرائد والمواقع الإخبارية والمحطات التليفزيونية التي يتابعونها، والتي قد تهتم بأمور دون غيرها.
3. تعاطف مع الآخرين وكُن ديمقراطيًّا
ربما تظن أن أحد أصدقائك لا يأبه بالسياسة، ولكن ما يدريك؟ لعله ما زال يرتب أفكاره، إذ تكون الرؤية ضبابية بالنسبة للبعض أحيانًا، فإذا وجدتَ لديه استعدادًا للحديث، حاول الإصغاء إليه دون أن تنقضَّ عليه مصححًا أو معترضًا على أي نقطة خلافية.
إذا وجدت صديقك يعبِّر عن اعتقادات جامدة ويتجاهل الحقائق، فاعلم أنه يتبنى أيديولوجيا (عقيدة سياسية) مُحدَّدة، ولن يُجدي الاستمرار في مُناقشتِه نفعًا، فحوِّل دفة الحديث. وربما اكتشفت أنه يكون منفتحًا للأفكار الجديدة إذا لم تُناقش معه السياسة مباشرةً، فتستطيع عندها أن تدخل معه في حوار دون قيود.
يجب تحمُّل اختلاف وجهات النظر والتعلم منها للحفاظ على صداقة صحية ومجتمع ديمقراطي.
تجنَّب تلك النزعة المُلحَّة لتقسيم الأصدقاء إلى معسكرين بناءً على السياسة، أحدهما معك والآخر ضدك، فهذا التقسيم يستهلك طاقة الكثيرين. تنصحنا ديفيس عِوضًا عن ذلك أن نُحاول إدراك أن الجميع يبحثون عن الأفضل، ويرغبون دائمًا أن يعمَّ الخير والسلام.
إنَّ تعاطفنا مع الآخرين يعزز الوِد، لذا أطِل صبرك وحاول رؤية الأمور من منظور غيرك، فعندما نغذي هذه المشاعر الإيجابية نستطيع الإسهام في إحداث التغيير الإيجابي.
اقرأ أيضًا: هل أنت غاضب؟ جيد.. يمكنك تغيير العالم
تنصح ديفيس بالاستماع إلى الآخرين بعقل مفتوح، والتفكير مليًّا في مزايا وجهات النظر المخالفة، لأن القدرة على تحمُّل اختلاف وجهات النظر والتعلم منها أمر أساسي للحفاظ على صداقة صحية ومُجتمع ديمقراطي. فإذا انتهيت من نقاش سياسي مع أحد أصدقائك ثم شعرت أن لكلٍّ منكما وجهة نظر معقولة، فاعلم أنك انتصرت لواحدة من أهم قيم الديمقراطية: حرية الفكر.
اقرأ أيضًا: 14 علامة تخبرك أنك تعيش في «مجتمع فاشي»
لقد أصبح الخلاف السياسي واقعًا لا يمكن غَضُّ البصر عنه، حتى بات واحدًا من أسباب الطلاق أحيانًا، فضلًا عن فضِّ الصداقات، لذا علينا أن نتعلم كيف نَعبُر بعلاقاتنا هذه الأجواء المتوترة، فالبشر يختلفون في كل شيء، ولذا علينا أن نرى الاختلاف في وجهات النظر السياسية على أنه سبب لإثراء حياتنا وليس العكس.
علينا أن نتذكر كذلك أن تسارع وتيرة الأحداث وانكشاف نواحٍ جديدة من الصورة السياسية كفيل، في بعض الأحيان، بأن يجعلنا نغير وجهة نظرنا التي طالما تمسكنا بها ودافعنا عنها، وهنا عليك أن تسأل نفسك: هل يستحق الأمر خسارة أصدقائك فعلًا؟
دينا ظافر