كيف تحولت عمليات التجميل من ضرورة إلى نمط سائد؟
ظهور الجراحة التجميلية المتخصصة
بدأت عمليات التجميل في الأصل، كعمليات ترميمية، تقتصر على إصلاح الأجزاء التالفة من جسم الإنسان وترقيعها كي تعود إلى حالتها الطبيعية، إلا أنها لم تكن منتشرة في مجتمعات العالم القديم بشكل جليّ، حتى تطوّر الطب نفسه بدءًا من تجارب الفراعنة ومرورًا بالهنود والعرب القدماء، إلى أن شهد تطورًا ملحوظًا في زمن الحروب والغزوات.
ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى التي اجتاحت العالم بين عامي (1914 -1918) تعرّض آلاف الجرحى ومتضرري الحرب لتشوّهات في ملامح الوجه، استلزمت تحسين المظهر إلى جانب ترميم الأعضاء المصابة، وأدى ذلك إلى ظهور الجراحة التجميلية كجراحة متخصصة في أوروبا وأميركا.
ومع نشوب الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) نضجت تقنيات الجراحة التجميلية بشكل أكبر حتى حققت تقدّمًا هائلًا في علاج الحروق الشديدة والتشوهات الجلدية.
ومن أولى العمليات الجراحية المتكاملة، تلك التي أُجريت عام 1917، للبحار الإنجليزي «وولتر إرنست يو»، بواسطة الجراح النيوزيلندي الأشهر «هارولد غيليز» الذي لُقّب بأبي طب التجميل.
إرنستيو تعرّض لإصابة خطيرة في الوجه خلال الحرب العالمية الأولى فقد إثرها الجزء العلوي والسفلي لجفنيه، فتدخل غيليز باستخدام تقنية تجميل تعتمد على نقل نسيج خلايا من موضع بجسد المريض، إلى الموضع المصاب، بطريقة تحسّن الشكل الخارجي، مع التعويض عن النسيج المفقود.
ومنذ ذلك الوقت، أخذت طرائق ووسائل التجميل في التطوّر لا سيّما بين عامَي (1960 ـ 1990)، ووصلت خلال الأربعين سنة الماضية إلى مستويات عالية من الدقة والمهارة، فاستُحدثت عمليات مثل شفط الدهون، والتخلّص من تداعيات الشيخوخة، وزراعة الشعر، وأسهم ظهور حقن السيليكون والبوتوكس في خلق جسم أو وجه جديد أحيانًا.
لماذا نُجري عمليات التجميل؟
مع مطلع الألفية الجديدة، أصبح بعض عمليات التجميل يُجرى لغرض التجميل فقط، وبسبب انتشارها الواسع صارت في متناول جميع الأفراد على اختلاف دوافعهم وأسبابهم، ولكن يكاد يكون أغرب سبب على الإطلاق، التشبّه بشخص معين.
وغالبًا ما يكون صاحب شهرة عريضة أو ذا جمال طاغٍ. ففي عصر الصورة اللافتة والتواصل السريع، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ازدادت الحاجة إلى الظهور بأفضل حذُلّة في أسرع وقت ممكن، ما استدعى تدخل مِشرَط الجرّاح.
ولا يمكننا أن نتناسى دور أيقونات الجمال في التأثير على الأفراد في كل مجتمع، فتجد أسماءهنّ تتردد على كل لسان كقدوة جمالية يُحتذى بها في المظهر والشكل المُحسّن في سعي لا متناهٍ إلى الكمال.
فما إن تجد إحداهن تتباهى مثلًا بآخر تقنيات حقن الوجنتين حتى يتضاعف الطلب عليها بشكل كبير في عيادات التجميل، وتغدو فكرة الحصول على وجنتين بارزتين تعادل قيمة الحصول على إكسسوار قيّم. إلا أن المثير للاهتمام أن نجمات ونجوم المجتمع أنفسهم يقعون تحت الضغط الاجتماعي نفسه الذي يقع على العامة إن لم يكن أكبر، فيجرون العمليات لتحسين الشكل من أجل الحفاظ على المكانة المنشودة بين المشاهير وأعيان المجتمع.
اقرأ أيضًا: هل يحدد ماكياج المرأة مدى قبولها اجتماعيًّا؟
الضغط وفقدان الثقة بالنفس
تحدّثت النجمة الأسترالية ناعومي واتس (47 عامًا) في مقابلة لصحيفة «ذا دايلي إكسبريس» البريطانية، عن الضغط النفسي الذي تتعرّض له من الوسط الفني، لإجراء عمليات جراحية تجعلها تبدو أصغر سنًا على الشاشة قائلة: «ما زلت أتلمّس طريقي في الوسط الفني رغم خبرتي الفنية المقاربة لـ 30 عامًا، إنها صناعة قائمة على الجمال الخارجي وانعدام الثقة بالنفس. هناك أيام تمرّ بي أشعر فيها بالثقة في ذاتي لاستمراري كل تلك الفترة بلا تدخل التجميل وأنني جذابة رغم تجاعيدي البسيطة، ولكن في بعض الأيام تختفي ثقتي بنفسي، وتحلّ محلّها الشكوك وأشعر أنه من الأفضل لي إجراء تلك العمليات كي أبدو أصغر سنًا».
ويرجع هذا الضغط الاجتماعي إلى أسباب عديدة، لكن لعلّ الحلّ الأمثل يكمن في قوة الفرد في اختيار الرضا عن النفس وقبول الشكل الخارجي المتوارث بكل علّاته البسيطة التي قد نختلف عليها بين حين وآخر، لكن يجب أن نتفق أن الجمال في مختلف الأزمنة والعصور، كان وما زال نسبيًا تمامًا، وأن المعايير التي نتلقاها بصورة ضمنية أو مباشرة من وسائل الإعلام ليست المقياس الحقيقي لجمال المظهر الخارجي، ما لم نوافق على جعله كذلك بأنفسنا.
سحر الهاشمي