جميل جَمال: كيف تتأثر نظرة النساء إلى وسامة الرجال بظروف البيئة؟

إدريس أمجيش
نشر في 2017/04/10

جورج كلوني ومات ديمون وبراد بيت - الصورة: Tanaya M. Harms

يتردد تساؤل على ألسنة الرجال والنساء عندما يتعلق الأمر باختيار الزوج: ما الصفات التي يجب أن يتحلى بها الطرف الآخر كي يكون مناسبًا لي؟ ولأن هذا القرار يؤثر على جميع مناحي الحياة بعد الزواج، يصير تحديد العوامل التي ترفع قيمة بعض السِّمات دون غيرها مطلوبًا لفهم اختياراتنا على نحو أفضل.

تنتشر فكرة مفادها أن اختيارات النساء لشركاء حياتهن تكون عادةً متقلِّبة ومبهَمَة، لكن يبدو أنه لا يجوز إلقاء كامل اللوم على النساء حتى لو صحَّت هذه الفكرة، على الأقل في ما يتعلق باختيارات الشكل، وهذا بحسب مجموعة متنامية من البحوث العلمية الحديثة التي أورد نتائجها مقال على جريدة الإيكونوميست.

حملت هذه الأبحاث نتائج مفاجئة، إذ أشارت إلى أن تفضيل المرأة نوعًا معينًا من ملامح الوجه الذكورية لا علاقة له باختيارها الإرادي والواعي، بل تتأثر هذه التفضيلات بعوامل موضوعية أخرى يمكن قياسها، مثل درجة انتشار الأمراض ومعدلات الجريمة في بلد ما.

سُلطة البيئة على الطبيعة البشرية

لماذا ننجذب إلى الجنس الآخر؟

تميل المرأة إلى تفضيل الرجال أصحاب السمات الذكورية في البلاد ذات الرعاية الصحية السيئة.

خلصت مجموعة سابقة من دراسات علم النفس التطوري إلى أن صفات الوسامة الذكورية النمطية (كالفك الكبير والجبين البارز) تدل على سمات جسدية وسلوكية بعينها، مثل القوة والعدوانية، كما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنشاط الجنسي وقوة جهاز المناعة، بينما تعتبر السمات المقابلة منفرة أو أقل جاذبية لأنها ترتبط، حسب النظرية، بجهاز مناعة أضعف أو خصوبة جنسية أقل.

اقرأ أيضًا: علم النفس التطوري والسلوك الجنسي للبشر

تكتسب الوجوه الذكورية المشهورة بالوسامة، مثل وجه الممثل الأمريكي براد بيت مثلًا، جاذبيتها عند النساء بسبب نزعة طبيعية للبحث عن شريك حياة أفضل صحةً وأكثر خصوبة، وتكون هذه السمات مرغوبة لأنها تضمن كثرة النسل وقدرته على البقاء. ووجدت بعض الأبحاث أن هذه التفضيلات قد تختلف من مجتمع إلى آخر بحسب درجات الرفاهة الاجتماعية والظروف الصحية للمجتمع المعني.

ما علاقة الوسامة بالعدالة الاجتماعية؟

سيلفستر ستالون في فيلم «Rocky» - الصورة: Chartoff-Winkler Productions

يشير المقال إلى ورقة بحثية نشرتها باحثة علم النفس «ليزا دي بروين» عام 2010، تناولت فيها العوامل المؤثرة في هذه التفضيلات، فوجدت أن المرأة تميل إلى اختيار الرجال المتمتعين بالسمات الذكورية في البلدان التي تكون فيها الرعاية الصحية سيئة، عكس ما يحدث في المجتمعات التي توفر رعاية صحية جيدة.

يعني هذا أنه في بيئة تنتشر فيها الأمراض بكثرة، ستكون الأفضلية دائمًا للحصول على ذرية سليمة، ولذا يزداد التشديد على السمات الذكورية التقليدية من قِبَل نساء تلك المجتمعات.

ومع ذلك لا يوجد إجماع على هذا الرأي، فقد توصل فريق آخر من الباحثين بقيادة عالم النفس «روبرت بروكس» إلى استنتاجات مغايرة، إذ يرى أن مَيْلَ المرأة نحو السمات الذكورية لا صلة له بالعوامل الصحية، وإنما يرتبط بشدة المنافسة والعنف القائم بين الرجال في هذه المجتمعات، فكلما كانت البيئة مضطربة وغير آمنة يزداد مَيْلُ النساء إلى الرجال ذوي الصفات الذكورية، لأنهم سيكونون أفضل من غيرهم في توفير وسائل العيش للأمهات وأطفالهن.

وجد بروكس علاقة بين مؤشر «جيني»، الذي يقيس المساواة في توزيع الدخل بين الأفراد، وبين تفضيل النساء رجالًا ذوي سمات ذكورية تقليدية، فكلما غاب تكافؤ الفرص عن المجتمع كانت النساء أكثر تقديرًا لسمات الرجولة النمطية في اختياراتهن.

قد يهمك أيضًا: هل اختلاف سلوك الرجال والنساء بيولوجي أم ثقافي فحسب؟

اعترضت دي بروين على هذه النتائج ودافعت عن طرحها. ويؤكد هذا التضارب في الآراء صعوبة استخلاص استنتاجات دقيقة من هذه المؤشرات، وهو ما يعترف به كلا الباحثين، إذ صرَّحا أن هذا النزاع لن يُسوَّى حتى يتم اختبار العوامل التي تؤثر على تفضيلات التزاوج بشكل أكثر مباشرة ودقة.

بعض الرجال يكونون أكثر وسامة في البيئات غير النظيفة

الصورة: Leroy_Skalstad

صور الوسامة التقليدية تلقى رواجًا أكبر في البيئات المفتقرة إلى النظافة.

حاولت الدكتورة دي بروين في دراسة بحثية أخرى أن تجمع بين الأبحاث السابقة، وأضافت النتائج التي توصلت إليها مزيدًا من المصداقية على الفرضية التي تقول بمركزية المؤشرات الصحية في تحديد تفضيلات النساء.

في هذه الدراسة، طلب الباحثون من 124 امرأة و117 رجلًا أن يقيِّموا مستوى جاذبية 15 زوجًا من  وجوه الذكور و15 زوجًا من وجوه الإناث. وبعد ذلك، عُرضت على المشاركين مجموعة أخرى من الصور لحالات يُتوقَّع أن تثير الاشمئزاز، مثل صور لقطعة قماش أبيض ملطخة بسوائل جسدية أو أصباغ منفرة.

يمثل الاشمئزاز وسيلة بشرية للتكيُّف مع البيئة، لأنه يدفع البشر إلى البقاء بعيدًا عن الأماكن التي يُحتمل أن تكون عامرة بالجراثيم ومسببات الأمراض. ولذلك، وفقًا لفرضية الدكتورة دي بروين، ينبغي أن يُظهر الأشخاص الذين عُرضت عليهم الصور المثيرة للاشمئزاز ميلًا أكبر إلى تفضيل الرجال ذوي السمات الذكورية.

جاءت النتائج مؤكدة للتوقعات، إذ مالت النساء اللاتي شاهدن لتوهن صورًا مقززة إلى تفضيل الرجال ذوي السمات الذكورية النمطية أكثر من النساء اللاتي لم يشاهدن مثل هذه الصور، ولذلك تؤكد التجربة أن صور الوسامة التقليدية تلقى رواجًا أكبر في البيئات المفتقرة إلى النظافة.

رغم ذلك، تبقى هذه الملاحظات بحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيدها، كي لا نستثني الدور الذي تلعبه عوامل أخرى (مثل المرور بتجارب عنيفة) في التأثير على مَيْلِ البشر نحو سمات دون أخرى.

حتى الآن على الأقل، كل من لا يشبه أحدًا من الممثلين المشهورين له أن يرتاح من عناء التفكير في كيفية جذب الجنس اللطيف ما دامت البيئة المحيطة به نظيفة. لكن بحسب علماء النفس التطوريين، فإن أي تغير في تلك الظروف يعني أن فرصته في التزاوج قد تقل بشكل درامي، أو أن حياة العزوبية ربما تكون في انتظاره.

إدريس أمجيش