سفراء النوايا الحسنة: لماذا ينجح البعض دون الآخر؟
تفيد قائمة «الأكثر إثارة للإعجاب 2016» التي أصدرها موقع YouGov البريطاني التي انتشرت في أوساط وسائل التواصل الاجتماعي أخيرًا، بأن جميع دول العالم ومن ضمنها العربية، أجمعت على أن أنجلينا جولي هي الأكثر شعبية عن فئة النساء، متقدّمة بذلك على أسماء بارزة عديدة في الساحات السياسية والإعلامية والفنية كالملكة اليزابيث وأوبرا وينفري وهيلاري كلينتون ومادونا وغيرهنّ.
قد لا نتوقّف كثيرًا عند اتّفاق العرب على أن «أجلينا» هي الأكثر إثارة للإعجاب، فهي نموذج مثالي للمرأة العاملة والأم الناجحة معًا. ولكن السبب الرئيسي بلا شك الذي دفع العرب وغير العرب للاتفاق على شخصها هو ريادتها في مجال الأعمال الإنسانية عامة واهتمامها بقضايا اللاجئين خاصة، دون تحيّز لهوية أو عرق أو دين، إضافة إلى الالتزام الكبير الذي تخصّصه لمتابعة مهماتها الإنسانية التي تعد جزءًا من عملها بوصفها مبعوثة المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على مدى الخمس عشرة سنة المنصرمة، حتى عُيّنت أخيرًا أستاذةً زائرةً في كلية لندن للاقتصاد لتنقل خبرتها العملية في المجال الإنساني لطلبة الكلية.
وقد يثير الأمر استغرابنا، لأن جميع تلك المزايا حاضرة في شخصية ذات خلفية فنية صرفة، بعيدة عن الهموم ومكابدة شؤون المعيشة، ولكن حكمة جولي في أن تنقل بعض الأضواء المسلطة عليها في خدمة القضايا الإنسانية التي حملتها على عاتقها ربما تكون هي السبب، فقد تبنّت العديد من القضايا الإنسانية التي تهم المواطن العالمي والعربي تحديدًا، أبرزها: هجرة الأطفال والتعليم، وحقوق الإنسان والمرأة، وحماية البيئة وتطويرها. وقد غطت العديد من مناطق الصراع مثل: كمبوديا، وباكستان، ودارفور، والعراق، وإثيوبيا، وسوريا، وتبرّعت بملايين الدولارات من خلال مؤسسة جولي-بيت (التي أنشأتها عام 2006 مع زوجها براد بيت لتقديم التبرعات في أنحاء العالم)، واستخدمت التبرعات في بناء مدارس في كينيا وأفغانستان منذ بداية فترة عملها كمبعوثة حتى الآن إضافة إلى مبادرات أخرى عديدة.
ديانا الجديدة؟
الشعبية التي تحظى بها جولي بالتوازي مع الإنتاج الوفير من العطاء الإنساني قد يعيدنا بالذاكرة إلى الوراء، وتحديدًا إلى أواخر الثمانينيات حتى نهاية التسعينيات، عندما سطع نجم الأميرة ديانا بعد تبنّيها العديد من القضايا الإنسانية كالاشتراك في حملة علاج مرضى الجذام، ومساهمتها الكبيرة في إزالة وصمة العار عن مرضى الإيدز، إضافة إلى إزالة الألغام في دول العالم الثالث، والقضاء على التشرد، فلم يحظَ شخص بهالة ديانا حتى ظهور أنجلينا جولي وانضمامها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة التي تعنى بشؤون اللاجئين عام 2001، ولا يخفى على الجميع الزوبعة الإعلامية التي ظلت تلاحق الأميرة على مدى فترات حياتها المختلفة، حتى وفاتها عام 1997.
لمَ لم تظهر شخصية عربية بهذا الالتزام؟
تمكنت الشخصيتان بذكاء حاد من تجييش وسائل الإعلام واستغلال فضول الصحافة بتسليط الضوء على قضايا إنسانية مجتمعية مهمة.
ألم يكن من الأجدر أن تتقدم شخصية فنية عربية بمثل هذا الالتزام؟ أو بجزء منه؟
ربما تكون أنانية الفنان العربي هي المانع من الالتزام كليًا بمتابعة هذه القضايا المتفشية في مناطقنا التي تعاني ملايينَ المشكلات. فلا يخفى على أحد الصفيح الساخن الذي اعتدنا العيش فيه والمسمى بالشرق الأوسط، فلدينا قضايا ساخنة في العراق وسوريا ولبنان ومصر وشمال إفريقيا وفلسطين.
ألم تتوافر أي شخصية عربية لتحمل هذا الهم على عاتقها؟
من الغريب أننا نجد العديد من الفنانات والفنانين في العالم العربي في سعي دائم لنيل لقب «السفير» لتصدير واجهة إنسانية لشخصيتهم الفنية وإضافة لقب جديد لسيرهم الذاتية، ولكن بمجرد القيام بزيارة واحدة أو أُخر معدودات إلى مواقع الضرر حتى تتوقف المتابعة لبرنامج الأعمال المرتبط باسم الفنان والذي كان من المفترض أن يحرص شخصيًا على تحقيق الهدف من تلك الزيارة أو ذاك البيان الصادر عن مكتبه.
اقرأ أيضًا: من إعلانات نانسي عجرم إلى الحملات الخيرية: لماذا تغيرت استراتيجية العلامات التجارية لجذبنا؟
نماذج عربية مشرفة
على الرغم من ذلك، فإن هناك بعض النماذج العربية المشرفة التي تقدمت لحمل قضايا إنسانية مهمة، ونذكر منها الملكة رانيا العبد الله التي سعت لتطوير مؤسسات وطنية في الأردن في مجالات التربية والصحة والتعليم بحكم منصبها كسيدة أولى. وتعتبر مؤسسة نهر الأردن من أهم المؤسسات غير الربحية التي ترأستها الملكة وسعت من خلالها في العشرين سنة الماضية لرفع المستوى الاقتصادي في الأردن عن طريق تمويل المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل للمرأة وتهيئتها لمتطلبات سوق العمل، كما انضمت الملكة لاحقًا عام 2007 إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) كخطوة أكبر لتبني قضايا على مستويات عالمية إلى جانب مهامها المحلية.
تجارب فنانين سفراء
هناك فنانات وفنانون «سفراء» زاروا مخيمات اللاجئين بهدف الاستطلاع وتوزيع مساعدات إنسانية، وأقاموا مؤتمرات لنشر الوعي عن الخلل، وخصص بعضهم جزءًا من ريع حفلاتهم لدعم برامجهم الإنسانية، ولكن تلك المحاولات لا تلبث أن تكون مساعي خجول في تسليط الأضواء عبر الإعلام أكثر من أنها حلول عملية لحل مشاكل كانت وما زالت قائمة. قد يكون السبب في فقر عطاء مشاهير العالم العربي بالمقارنة مع النماذج السابق ذكرها هو نوعية البرامج التي أوكلتها إليهم الأمم المتحدة.
على سبيل المثال، تقلّدت هند صبري منصب سفيرة الأمم لبرنامج الأغذية العالمي لمكافحة الجوع منذ 2015، فهل اختيرت لهذا المنصب لشغف شخصي لدى الفنانة أم عشوائية مطلقة من قبلها؟
يُذكر أن هند قامت بفعاليات لدعم برنامجها الإنساني ودعت إلى المشاركة في حملة «مليار مقابل مليار»، التي تقوم على مساعدة مليار مستخدم للإنترنت في العالم لمليار شخص يعانون الجوع، واستخدمت شهرتها في الطلب من المعجبين التبرع لخدمة هذه القضية.
وعلى ذات المنوال، اختير عمرو واكد سفيرًا للأمم المتحدة لبرنامج مكافحة الإيدز في 2010 ودشّن حملة توعية عن المرض وطرق انتقاله ومكافحة الوصمة التي تتعلق بالمريض في زيارته للسودان في العام نفسه. ولم يوجد له أي نشاط يذكر على وسائل الإعلام بعد ذلك.
كان من الأولى أن يختار عمرو برنامجًا أكثر مواءمة لاهتماماته كنجم، ويوظّف قدراته بطريقة تسهم في نشر رسالته الاجتماعية، خصوصًا أنه قد عرف عنه اهتمامه البالغ بالقضايا السياسية والرأي العام على غرار ما حدث مع جورج كلوني، الذي جذب منظمات إنسانية عديدة منها اليونيسف وغيرها عبر مواقفه السياسية ومشاريع شخصية تبناها مثل Not on Our Watch التي أسسها لنشر التوعية عن مخالفات حقوق الإنسان في دارفور.
قد يهمك أيضًا: حكاية الصراع الدموي في جنوب السودان
كيف يكون للفنان العربي دور أكبر في العمل المجتمعي والإنساني؟
من المؤسف أن يكون انخراط الفنانين العرب في الأعمال الإنسانية وترويجها بهذه الضآلة، مقارنة بزملائهم حول العالم، ولكن هذا قد لا يعني بالضرورة سوء نواياهم أو عدم رغبتهم في العطاء، بل قد يعتمد ذلك على سوء اختيار الأدوار الإنسانية التي يقومون بها في مجتمعاتهم فتأتي بما لا يوافق اهتماماتهم.
الفنان في نهاية المطاف، فرد مؤثر في المجتمع ويكاد يكون الدور الإنساني الذي يقوم به أهم من الدور السياسي الذي يقوم به صانع القرار. إننا حتمًا بحاجة إلى المزيد من الشخصيات العربية البارزة، سواء كانت فنية أو رياضية، لتكرس الكثير من وقتها للقيام بمبادرات عظيمة على غرار ما قامت به أنجلينا وديانا لتسليط الضوء على الهم العربي وتوجيه الإعلام لتغطية الحقائق من مواضع الألم، والمساهمة في رفع المعاناة أو التوعية بقضية ملحّة، وقد تكون الخطوة الأولى لذلك هي بحث هؤلاء النجوم عن اهتماماتهم وشغفهم الشخصي تجاه محو الأمية أو الأطفال أو اللاجئين أو التوعية والوقاية ضد الأمراض، حتى تكون لديهم دوافع أقوى على العطاء والاستمرار، على عكس أولئك الذين اختيروا بمحض المصادفة، أو لمجرد توافر شروط معينة لها علاقة بشعبية الفنان عند الجمهور العربي، لا باهتمام الفنان نفسه بالقضية الإنسانية المكلّف بها.
سحر الهاشمي