جورج تشيرش: الشيخوخة يمكن علاجها.. الموت يمكن تأجيله
قد تصاب بمرض أو تتعرض لنزيف دموي أو كسر في العظام، أو أيٍّ من الأعطاب التي تصيب جسم الإنسان على مدار حياته، فتضطر أن تبقى طريح الفراش أو تدخل المستشفى، لمدة طالت أو قصرت، حتى تتعافى مما أصابك أو يحدث الأسوأ، لو كان مرضك خطيرًا: تموت.
هذه هي الخيارات المتاحة الآن، لكن الصورة ستتغير جذريًّا في المستقبل القريب، إذ ستتمكن روبوتات النانو من إكمال عمل الجهاز المناعي وإصلاح الأعطاب التي تصيب الجسد فور ضخها في مجرى الدم، حسبما يرى عالم المستقبليات الشهير «راي كورزويل»، ما يطرح احتمال تمديد عمر الإنسان ومحاربة الشيخوخة.
قد تبدو الصورة كما لو أنها مأخوذة من أحد مسلسلات الخيال العلمي التي يندمج فيها الإنسان والآلة، فيلقي عنه أعباء جسده الذي ينخر فيه الزمن تدريجيًّا حتى تنتهي صلاحيته، غير أنها من التوقعات التي يسير على نفس خط أبحاث عديد من العلماء المهتمين بإطالة أمد الحياة، وإن كان الاختلاف هنا أنهم يعولون على تحقيق هذا بواسطة تعديل الجينات، واضعين في اعتبارهم أن الشيخوخة مرض يمكن علاجه كغيره من الأمراض، وأن الموت يمكن تأجيله إلى وقت لاحق، لكنه لا بد أن يأتي.
يعرض مقال منشور على موقع «بيزنس إنسايدر» نبذة عن أحد أبرز علماء البيولوجيا وأكثرهم إثارةً للجدل في الأوساط العلمية، «جورج تشيرش».
يندرج تشيرش ضمن قائمة العلماء الذين يسعون إلى عكس مفعول الشيخوخة، إذ تهدف أبحاثه إلى إنشاء حمض نووي صناعي، بما في ذلك تركيب الشفرة الوراثية الكاملة للإنسان التي تميزه عن باقي الكائنات الحية، من الصفر، إلى جانب مساعيه الرامية إلى تعديل جينات الخنازير كي يمكن زرع أعضائها بأمان داخل جسم الإنسان.
تشيرش: بين العبقرية والجنون
جورج تشيرش عالم بيولوجيا في جامعة هارفارد، له عديد من الاكتشافات العلمية المؤثرة. وخلافًا لداروين، الذي وضّح كيفية تطور الأنواع، يسعى تشيرش إلى الوصول بهذه العملية، أي التطور، إلى المستوى التالي، بإدخال جينات جديدة إلى الشفرة الجينية للكائنات الحية، عوض انتظار تطورها من تلقاء نفسها.
استخدم تشيرش تقنية لتغيير 62 جينًا في الخنازير في الوقت نفسه، مما قد يسمح بزرع أعضائها في الإنسان دون مضاعفات.
لا تخلو سيرة جورج تشيرش من الإنجازات، فشغفه بتحدي الرؤى التقليدية، الذي بدأ في منتصف ستينيات القرن الماضي بعد أن لاحظ أن المستقبل سيكون للروبوتات وأجهزة الكمبيوتر الذكية، دفعه إلى أن يقرر خوض غمار العلوم لتحقيق جزء من هذه التوقعات.
في عام 1978، ساعد تشيرش، وهو بعد طالب في جامعة ديوك، في تحديد الهيكل ثلاثي الأبعاد للحمض النووي الريبوزي الناقل، وفي الثمانينيات، أسهم في تطوير تسلسل الحمض النووي، وشارك، علاوةً على ذلك، في تأليف مئات الأوراق العلمية والبحثية.
سيرًا على نفس المنوال، استخدم عالم البيولوجيا تقنية أسهم في تطويرها، تُعرف باسم «كريسبر»، وتتيح إمكانية تعديل الحمض النووي للكائنات الحية، لتغيير 62 جينًا من جينات الخنازير في الوقت نفسه، ما قد يسمح بزرع أعضائها في الإنسان دون حدوث أي مضاعفات.
قد يهمك أيضًا: هل نتجه لتخزين بيانات الكمبيوتر داخل جيناتنا؟
شرع تشيرش أيضا في عملية «إحياءٍ للموتى»، تتمثل في بعث حيوان الماموث المنقرض عبر دمج مادته الوراثية مع خلايا أفيال حية، ويعمل على تطهير الأرض من الكائنات المؤذية، مثل البعوض حامل الملاريا وغيرها من الكائنات المجهرية المسببة للأمراض، عن طريق تقنية ثورية تسمى «Gene Drive».
تشيرش: على خطى «السوبرمان»
عندما كان المجتمع العلمي يعارض فكرة تغيير الحمض النووي في البويضات والحيوانات المنوية والأجنة ذات الطور المبكر من تكوُّنها، لكي تمرر التغييرات المثبتة إلى أجيال لاحقة، قال تشيرش إن الفكرة بدت ممتازة بالنسبة إليه، إذ إن إجراء هذه التعديلات بإمكانه أن يعالج أسرًا كاملة من أمراض موروثة مستعصية، مثل داء هنتنغتون (مرض عصبي)، بصفة نهائية.
في عام 2005، أطلق تشيرش «مشروع الجينوم الشخصي»، ودعا المتطوعين إلى تقديم أحماضهم النووية لتحديد تسلسلها الجيني وطرح البيانات المجمعة خلال هذه العملية إلى المجال العام، كي يستفيد منها جميع المهتمين، ولتزيد إمكانية التوصل إلى اكتشافات مهمة بالاعتماد عليها.
يرغب تشيرش في إنشاء جينوم بشري كامل من الصفر، أي نحو ثلاثة مليارات زوج من القواعد النيتروجينية، وهذه العملية ستكون أسهل من تعديل الجينات باستخدام «تقنية كريسبر» مثلًا، والعمل على تطويرها سيمكِّننا من خلق جينومات مقاومة للسرطان في يوم من الأيام.
يعتقد تشيرش كذلك أننا على وشك تطوير أجهزة مهمتها تحديد تسلسل الحمض النووي، تكون في متناول الجميع، بحيث أنه بمجرد أن يعطس أحدهم بجانبك سيتسنى لك إخراج الجهاز لمسح الفضاء حولك، وتحديد ما إذا كانت الفيروسات التي خرجت مع العطسة تستلزم غسل يديك ووجهك فحسب أم زيارة عاجلة إلى أقرب مستشفى.
شارك عالِم البيولوجيا في تأسيس شركات عدة، بمعدل شركة واحدة كل سنة منذ عام 2005، ويخطط لإضافة عدة شركات أخرى إلى القائمة في السنوات القادمة. يؤمن تشيرش أن الحصول على براءة اختراع فقط لا يكفي، إذ يجب مواكبة الاختراع إلى مراحله الأخيرة، وتقديم الدعم المالي الكافي إذا ما أريد له النجاح في السوق.
جورج تشيرش، الذي يشبه في مظهره وعمله البحثي داروين و«بابا نويل» معًا، باللحية الكثيفة البيضاء التي تغطي نصف الوجه، يحمل في جعبته مزيدًا من الأفكار الثورية، التي تَعِد بتغيير تصورنا عن الحياة والإنسان وتعريفنا لهما، فبين ثنايا مختبره توجد علاجات جينية محتملة قيد الإعداد لعكس الشيخوخة، تنتظر الخروج إلى النور لتُسهِم في حل عدد من المشكلات التي تواجه البشرية منذ الأزل.
إدريس أمجيش