انسَ نظارات الواقع الافتراضي: الإبهار يتخطى حدود العينين
تفتح عينيك، الطقس ممطر والرياح تعصف بالأشجار، تمشي ومعك مظلتك تحميك من الأمطار، وفجأة تشاهد شابة جميلة تنزلق وتسقط. تنظر إليها، تشفق عليها، تمد يدك لتساعدها، فتمسك بيدك، لكنك لا تشعر إلا بملمس المعدن.
هذا هو المقبض المعدني الذي تمسكه بإحكام في يديك ليساعدك على التفاعل مع الواقع الافتراضي الذي تشاهده عبر نظارة «Virtual Reality» (واقع افتراضي) تغطي عينيك.
إنها تمطر حولك، ورائحة الشتاء تُزكم أنفك، لكن الجو في الحقيقة لا يُحتمل من شدة الحرارة التي ربما تصل إلى 40 درجة مئوية داخل غرفتك.
نظارة دون إضافات
حين ترتدي نظارة الواقع الافتراضي ستشعر للحظات بعدم وضوح الرؤية، لكن بمرور ثوانٍ معدودات تتضح رؤيتك، وبعد ذلك تجد نفسك في عالم مختلف. فقد تكون داخل أحد كهوف جبال الهيمالايا، أو في لعبة تحبها، أو في الفضاء ولا جاذبية حولك.
هذا ما ستراه، لكن ما ستشعر به أنك في عالم آخر مرتبط ببعض الأسلاك، وقد يخطر لك مثلما شعرتُ شخصيًّا أنك مقيد بأسلاك تحد من قدرتك على الحركة والتفاعل والتجول في الواقع الحقيقي داخل الغرفة.
قبل أن ترتدي نظارة «VR» ستلاحظ سلكًا يخرج من أحد جوانبها، وإذا تتبعته سيصل بك إلى شيء من اثنين: جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي، لأن مُصَنّعي نظارات الواقع الافتراضي كانوا يرغبون في صنعها خفيفة، لكن لم تكن التقنيات الحديثة قد تطورت بشكل كافٍ كي تُصنع بشكل مستقل عن أي أجهزة مساعدة.
هذه ميزة للنظارات، لأنها تعتمد على معالِجات الكمبيوتر أو الموبايل المتطورة، التي بإمكانها تقديم تلك التجربة السلسة التي تغمرك داخل ما تراه دون بطء في عرض اللقطات، وهو الشيء الكفيل بأن يفسد استمتاعك بالكامل ويحوله إلى تجربة مشاهدة تلفزيون قديم.
لكن في نهاية 2017 لمع بريق أمل في سماء الواقع الافتراضي، إذ كشفت شركة فيسبوك عن نظارتها «Oculus Go» ومشروعها التجريبي «Santa Cruz»، وكلاهما يعتمد على فكرة ستحرر نظارات الواقع الافتراضي من أسر الأسلاك، إذ إن أوكولوس ستعتمد على معالج قوي بداخلها يقدم القوة اللازمة للتعامل مع غرافيكس متطورة من تصنيع شركة «كوالكوم»، أما «سانتا كروز» فستعمل بنفس قوة معالجة الكمبيوتر لكن بشكل مستقل.
بتحويل عينيك داخل عالم الـVR ستمنحك شركة «HTC» مفاجأة من العيار الثقيل، وهي الجيل الجديد من نظارتها «Vive Pro» التي تأتيك بأعلى دقة للعرض في السوق، 2880 × 1660 بمعدل توزيع 615 بكسل في البوصة الواحدة، أي إن دقة وضوحها ستتفوق على شاشة هاتف جالاكسي S8، وبذلك ستكون الشركة رفعت دقة عرض نظارتها بنسبة 78% مقارنةً بالجيل الماضي، إلى جانب أنها يمكن لبسها بحرية والتحكم في مستواها على رأسك.
ولو كنت تستخدم نظارة للرؤية، فلا تقلق، لأن تصميم نظارة «HTC» سيكون مريحًا لك، وستحتوي على كاميرتين أماميتين على شكل عينين.
انتهى وقت المشاهدة فقط
تحتوي قفازات «HaptX» على سوائل تتلاعب في حركتها بدرجات قوة معينة، لتقدم لك شعورًا بأنواع مختلفة من الملمس.
لن تقتصر تجربتك داخل العالم الافتراضي على المتعة التي تحظى بها عيناك عندما تشاهد عوالم وتستمتع بألعاب فيديو وتتحكم بقطع معدنية تمسكها بيديك، بل سيتطور الأمر إلى حد أنك ستشعر بالألم عندما يهجم عليك منافسوك بالرماح في لعبة، أو بالحرارة القاسية عندما تمر داخل صحراء إفريقية، عبر مجموعة من المستشعرات التي تغطي جسمك.
لو تحسست سطحًا مغطًّى بالحرير وأنت تتجول افتراضيًّا داخل مصنع تصميم أزياء، أو مررت بيدك على فراء دب قطبي وأنت تعيش تجربة متجمدة في ألاسكا، ستشعر كأنك هناك بالفعل، ستحس بملمس ما تتحسسه.
يحدث هذا عن طريق قفازات «HaptX»، التي تحتوي على سوائل تتلاعب في حركتها بدرجات قوة معينة، لتقدم إليك شعورًا بأنواع مختلفة من الملمس، إضافة إلى الإحساس بردود الأفعال عندما تتفاعل مع أي شيء تراه بعينيك داخل العالم الخيالي، وكذلك الشعور بكثافة ما تلمسه وجموده.
أما لو كنت تحب ألعاب الفيديو القتالية، فعليك أن ترتدي سترة «Hardlight»، التي تتيح لك أن تعيش التجربة حيث يلاحقك أعداؤك بالأسهم أو تتصارع مع عملاق ضخم، فتشعر وكأن السهم أصاب صدرك، أو كأن قبضة العملاق اعتصرت بطنك واقتربت من أحشائك.
هناك 15 لعبة تتوافق مع السترة، ويتدرج مستوى ما تشعر به من اهتزازات بسيطة حتى صعقة قوتها خمسة فولتات، وهي أقرب إلى تشغيل 50 هاتفًا محمولًا على وضع الاهتزاز في نفس الوقت، كي تشعر بأي ضربات أو تفاعلات جسدية تتلقاها داخل التجارب الافتراضية.
كذلك، تتابع السترة حركات الجزء العلوي من جسمك بالكامل، ولذلك ستشاهد جسم الشخصية الافتراضية كاملًا، بدلًا من مشاهدة رأس ويدين تطيران في الهواء فقط.
طورت فيسبوك تقنية «Spatial Workstation»، التي تقدم تجربة صوتية بانورامية تتطور بتفاعلك مع ما تراه في الواقع الافتراضي.
رغم أن سترة «Hardlight» أقرب إلى درع منها سترة، فإن فريق «TeslaSuit» تَمكَّن من أن يقدم سترة تغطي جسمك بالكامل، وبمجرد ارتدائها تضع على جسدك 46 مركزًا تجعلك تشعر بكل ما يجري داخل العالم الافتراضي، وما تتفاعل معه هناك بجسمك.
ستشعر بحرارة كوب القهوة الساخن حين تلمسه على طاولة إفطارك في حديقة قصرك على كوكب المريخ، وستشعر أيضًا بلسعة الهواء البارد على وجهك عندما تخرج للتزلج على جبال الهيمالايا، فداخل السترة 14 مستشعرًا لالتقاط تفاصيل حركة جسمك بدقة عالية، ولذلك ستصطحب معك إلى هناك جسمك بالكامل، وليس مجرد نصفك العلوي كما هو الحال في سترة «Hardlight».
تتمثل المتعة الحقيقية في أنه يمكنك أن تضيف تأثيرات خاصة لتشعر بها على السترة داخل الألعاب والتجارب الافتراضية المختلفة عن طريق تطبيق مصاحب، فمثلًا يمكنك أن تضيف تأثيرًا يجعلك تشعر باهتزازة سريعة في ظهرك عندما تسحب السيف المثبت على ظهر شخصيتك الافتراضية، وتستطيع أيضًا التحكم في قوة ما تشعر به، فتأثير ضربة السيف سيختلف عن تأثير لكمة داخل حلبة ملاكمة افتراضية.
ولكي تغمرك التجربة الافتراضية وتعيش بالكامل داخلها، سيكون على صُنَّاع المحتوى أن يشبعوا عطش أذنيك إلى سماع ما يدور داخل تجربتك الافتراضية كأنك هناك حقًّا، وهذه هي تقنية الصوت ثلاثي الأبعاد، التي ستجعلك تستمع إلى رفقائك المحاربين من خلفك ينبهونك إلى ضرورة الاختباء من الرصاص القادم من اليمين، وفجأةً تسمع صوت انفجار من اليسار، وحين تركض لتتفقد معسكرك، يصبح صوت إطلاق الرصاص خلفك.
قدمت شركة غوغل تقنية «Resonance Audio»، وهي واجهة برمجية تتيح لجميع صُناع المحتوى أن يجعلوك تتفاعل مع الأصوات داخل التجارب الافتراضية بشكل أقرب إلى تعاملك مع الصوت في الواقع، إذ إنك كلما اقتربت من مصدر الصوت كان أوضح وأقوى، وكلما ابتعدت عن مصدره انخفضت شدته وقَلَّ وضوحه حتى يتلاشى تمامًا. يمكنك تجربتها الآن بنفسك من خلال مقطع الفيديو التالي:
وباعتبارها أحد أقطاب التقنية في العالم حاليًّا، اهتمت شركة فيسبوك منذ 2017 بجعلك قادرًا على أن تنغمس داخل التجارب الافتراضية على مختلف المنصات، سواء عبر هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك أو متصفحات الإنترنت، فقد طوَّر تقنية «Spatial Workstation» التي تساعد صُناع المحتوى الافتراضي على تقديم تجربة صوتية بانورامية تتطور بتفاعل المستخدم مع ما يراه في الواقع الافتراضي.
هذه التقنية تتيح نوعين من التجارب الصوتية:
- «Spatialized Sound»: عندما تحمل هاتفك وتتفاعل مع تجربة VR على فيسبوك، أو ترتدي إحدى النظارات وتدخل غابة مثلًا مليئة بأصوات الحيوانات والأشجار والطيور، فإن مواضع الأصوات تتغير تبعًا لحركتك
- «Head-Locked Sound»: تظل الأصوات ثابتة بالنسبة إليك مهما تحركت في اتجاهات مختلفة، وهذا النوع يفيدك عندما تتجول مثلًا داخل متحف ويكون هناك تعليق صوتي، فلن تحتاج إلى تغيير موضع الصوت بالنسبة إلى حركتك
لا حواجز داخل الـVR
عندما تذهب إلى السينما وتقطع تذكرتك وتدخل لتجلس في كرسيك ويبدأ الفيلم، وفجأة تجد شخصًا أطول منك يجلس أمامك، ستضطر إلى أن تتحرك بزاوية إلى اليمين أو اليسار لتتمكن من مواجهة الشاشة، فتستمتع بالفيلم.
هذا تمامًا هو المقصود بحرية الحركة في ست زوايا (Six Degrees of Freedom Movement)، أو اختصارًا «6DOF»، أنك ستستطيع أن تسمتع بحرية أكبر في الحركة وأنت تشاهد الفعاليات الرياضية والأحداث العالمية المصورة عبر كاميراتها، وكأنك بالفعل تعيش الحدث من مكان وقوعه، وتستطيع أن تتحرك بشكل طبيعي وتتفاعل مع الحدث دون الالتزام بزاوية رؤية محددة. والبشرى السارة الحقيقية أن الشركة تسعى إلى تفعيل تلك الميزة مع فعاليات البث المباشر.
في شكل لوحة مكونة من 128 كاميرا مفردة، ستدخل تجربة افتراضية بزاوية رؤية 180 درجة مع «منصة Insta360» التجريبية للتصوير بزوايا حرية الحركة الست، لكن حركتك لن تكون حرة إلا في حدود نصف متر في أي اتجاه، إلا أن الشركة تعمل على تطوير نطاق الحركة ليكون أوسع، وكذلك زاوية الرؤية لتصير 360 درجة.
هل يصبح واقعك افتراضيًّا؟
إنها مسألة سنوات قليلة حتى تستيقظ من نومك فتشاهد جدول يومك في الهواء أمامك. تخرج من غرفتك إلى الحمام، فترى في المرآة شكلًا مقترحًا لتصفيف شعرك. تتجه إلى المطبخ فترى شكل وجبتك قبل إعدادها. وبعد الإفطار، حين تفتح دولابك، ستظهر لك أسهُم تشير إلى الملابس المقترحة اليوم. وعندما تصل إلى عملك ستكون أمام عينيك دائمًا مهامك الواجب إنجازها، وكذلك ما عليك أن تفعله بعد العمل. حينها، سيكون الواقع الافتراضي مثبتًا داخل عدسات لاصقة وليس نظارات ثقيلة، وحينها سيكون كل شيء قد تغير.
محمد عادل