هل تغيير العالم يبدأ بتعديل صورة حسابك على فيسبوك؟
في منتصف عام 2015 احتفل موقع فيسبوك بقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن السماح بزواج المثليين في جميع أنحاء البلاد بمقتضى القانون. لم يقتصر الاحتفال على الكلمات الإيجابية الفَرِحة لمؤسس الموقع مارك زوكربيرغ، بل إن إدارة فيسبوك أتاحت خاصية جديدة قبل القرار بيومين تُمكِّن مستخدمي الموقع من إضافة ألوان علم قوس قزح، الذي يعبِّر عن التنوع في الميول الجنسية، على صور حساباتهم الشخصية.
وفي نوفمبر من نفس العام، بعد الأحداث الدموية لهجمات باريس ومقتل ما يقرب من 127 شخصًا، خيّم الحزن على عالم فيسبوك الافتراضي، لكن المستخدمين تمكنوا من تزيين صورهم بألوان علم فرنسا لشجب الإرهاب ودعم أهالي الضحايا.
لكن قبل هجمات باريس بيوم واحد، وقع هجومان انتحاريان في سوق في بيروت، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى. فيسبوك لم يخصص صورة لدعم ضحايا لبنان أو التضامن معهم كما فعل مع هجمات باريس الدموية، ولذلك انتقده كثيرون باعتباره منحازًا إلى قضايا بعينها، لأن هجمات باريس استحوذت على تعاطف عالمي بفضل خاصية فيسبوك الجديدة. حينها أعلن زوكربيرغ أنه سيعمل جاهدًا على مساعدة مستخدمي الموقع في دعم قضاياهم أينما كانوا.
بهذا الجدال، تحول اختيار طبقة (Filter) أو إطار (Frame) لصورة الحساب نوعًا من التعبير عن الدعم والتضامن تجاه القضايا التي يهتم بها المستخدمون. فبعد الانتقادات الواسعة لعدم وجود أي صورة للتضامن بعد أحداث بيروت الدامية، استخدمت إدارة الموقع استراتيجية جديدة تُمكِّن الناس من إنشاء إطار أو طبقة بأنفسهم لتتلاءم مع أي قضية يدعمونها. حينها أكد مراقبون أن فيسبوك لن يُملي على مستخدميه التعاطف مع قضايا «رسمية».
هل هذه النتيجة تستدعي أن نفكر في ما إذا كان تغيير صورة الحساب يؤثر بشكل إيجابي (أو سلبي) في سير القضية التي ندعمها؟ أم أنه رد فعل ضعيف بسبب قلة الحيلة، لأننا لا نستطيع التأثير على أرض الواقع؟ كيف تتأثر حالتنا النفسية أو حالة أصدقائنا عندما نُعدِّل صورتنا الشخصية أو نزينها بدعمنا لقضية ما؟
هل تغيير صورة فيسبوك يُغيِّر سير أي قضية؟
تغيير صورة حساب فيسبوك يسمح لك بأكثر من مجرد كلمات مؤيدة (أو معارضة)، لأن الإطار الملتصق بصورتك لأيام قد يكون له تأثير أكبر، وبخاصة أن بمجرد تحديث الحالة (Status)، تصبح كلماتك آنية.
لكن تغيير الصورة في حد ذاته لن يقنع قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية بقبول (أو رفض) الاعتراف بزواج المثليين. والألوان الزاهية المنتشرة على موقع «فليكر» لن تقنع المنددين بالكف عن اضطهاد المثليين. فلماذا إذًا عدّل أكثر من 26 مليون مستخدم على موقع فيسبوك صورهم دعمًا لقضية المثليين؟
«فيليب هاورد»، عالم الاجتماع في جامعة واشنطن الذي يدير مشروعًا بحثيًّا عن سلوك النشطاء على الإنترنت، يؤكد أن حملات تعديل صورة الحساب تتوقف فعلايتها فقط على إظهار دعمك لقضية أو شخصية سياسية للأصدقاء وأفراد العائلة، لكنها لن تغير السياسات.
إلا أن الرسائل التي تحملها صورة فيسبوك قد تدفعنا إلى التفكير في سلوكياتنا تجاه الآخرين، وبشكل تدريجي تتكون قناعات جديدة في المجتمع.
تطبيقًا لتلك النظرية، فتعديل الصورة يتخذ شكل الجدال، كأنك تقول: «أنا متضامن مع تلك القضية، فما رأيك أنت فيها؟». ويؤكد هاورد أن الأصدقاء غالبًا ما يتشابهون في آرائهم حول القضايا، لكن طرحها للمناقشة يخلق لحظة تفكير لدى آخرين، يتحرك فضولهم للتحقق من المسألة وتكوين رأي نهائي.
تغيير الصورة «أضعف الإيمان»
أفضل طريقة لإقناع من حولك بالدفاع عن القضايا هي الترويج لها بشكل غير مباشر.
بعض الناس يرى أن دعم القضايا عبر تغيير صورة فيسبوك خطوة مهمة في طريق حرية التعبير، بينما يُنتقد ذلك دائمًا بأنها طريقة مبتذلة، تُظهر الدعم دون تحقيق أي نجاحات على أرض الواقع. لكن الانتقاد لم يضع في الحسبان أن دعم القضية دون سُلطة يُحدِث تأثيرًا فعالًا، لأن الإنسان بطبيعته يفضِّل أن لا يكون مختلفًا عن الآخرين.
الأمر ليس غريبًا، فعلى سبيل المثال، تعلق إدارات الفنادق ورقة على باب الحمام تقول إن «استخدام المناشف بحكمة يوفر 70% من الماء»، بدلًا من إخبار النزلاء مباشرةً بقواعد محددة للاستخدام. أو أن يستخدم مسلسل تلفزيوني مقاطعً صوتية لضحكات مسجلة مسبقًا، ورغم وعينا بذلك تمامًا، تستقبل أدمغتنا الضحكات وكأن كل من حولنا يعتبرون المحتوى مرحًا، فنضحك.
بنفس الطريقة، تكون أفضل طريقة لإقناع من حولك بالدفاع عن القضايا هي الترويج لها بشكل غير مباشر.
وبشكل غير مباشر، إضافة إطار يدعم قضية ما على صورة الحساب يُعبِّر عن آراء مستخدمي فيسبوك الشخصية في جميع أنحاء العالم (أو على النطاق الجغرافي للقضية)، ليُشكل ثقلًا أخلاقيًّا يتعاطف معه كثيرون. وبانتشار دعم القضية يَحدث نوع من الاتحاد والتضامن الجمعي، يزيد من احتمالية تغيير القانون لينتصر للقضية.
صورة حساب فيسبوك كمنصة سياسية
قد يتحول تغيير صورة حساب فيسبوك إلى صدام، خصوصًا لو كانت القضية مثيرة للجدل في مجتمع محافظ، مثلما حدث مع زواج المثليين.
ترتكز فكرة موقع فيسبوك على أساس انتقاء دائرة الأصدقاء، ولذلك، فإن احتمالات تشابه آرائهم مرتفعة.
أكد أحد الأبحاث أن المستخدمين الأسرع في تعديل صور حساباتهم، لديهم عدد أكبر من الأصدقاء المثليين. فهل من الصعب تحديد إذا كانت الآراء تُناقَش وتُقنِع، أم أنها تلقى قبولًا بشكل روتيني؟
حسب خوارزمية الموقع، يمكنك رؤية الآراء التي تتماشى مع أفكارك فقط. وقد أُجريت دراسة عام 2015 بين نحو 10 ملايين مستخدم لديهم وجهات نظر مختلفة، فلم يستطعوا رؤية أيٍّ من أفكار الآخرين سوى بنسبة 1% فقط.
يقول «دايفيد لازر»، أستاذ العلوم السياسية وتطبيقات الكمبيوتر في جامعة نورث إيسترن الأمريكية، إن فيسبوك يستخدم معلومات هائلة تتعلق بسلوكك، ما يسمح له بتحديد ما يمكن أن يجذب انتباهك وما يروق لك. على هذا النحو، تتحيز خوارزمية فيسبوك لتقليل الاختلافات الأيديولوجية، وتقريب أصحاب الآراء الواحدة.
لكن ليست كل نهايات القصص سعيدة، فقد يتحول تغيير صورة حساب فيسبوك إلى صدام، خصوصًا لو كانت القضية مثيرة للجدل في مجتمع محافظ، مثلما حدث مع زواج المثليين.
محمود سعيد موسى