اختلفنا: هل ينبغي أن نتفق في تفسيرنا للأمور؟
في فيلم «Vanilla Sky»، تقضي كاميرون دياز ليلة من «الغراميات المرحة» مع توم كروز، يعيش فيها الاثنان انسجامًا جسديًّا فارقًا ثم ينفصلان.
بعد تلك الليلة بليالٍ، يختلف الطرفان في تفسير ما حدث. دياز ترى أن هذا الانسجام الاستثنائي لا يمكن أن يكون دون معنى. بصيغة أخرى: لا يمكن أن يكون بلا حب، لا يمكن أن يجد رجل كل هذه الأريحية في صحبة امرأة إلا إذا كانت هي «الشخص الصحيح» له.
توم كروز كان يرى الأمر «كما هو»، إن جاز القول. كانت تلك، باختصار شديد، ليلة ممتازة من الغراميات المرحة، وهو لا يحب كاميرون دياز ولا يرى أي «إشارة» في ما حدث بينها وبينه، كان تناغمًا جسديًّا جميلًا وحسب.
هل من حقنا أن نكون خلَّاقين وابتكاريين في فهم بعضنا بعضًا؟
كل نَصٍّ، كل حدث، كل منطوق (أو مسكوت عنه) يفرز عددًا لا متناهيًا من التأويلات.
نحن نردِّد ذلك ببهجة لا متناهية، لأن التأويل عملية إبداعية مثيرة، سواءً تعلَّق الأمر بفيلم، أو لوحة، أو كتاب. نحن نرحِّب بلا نهائية المعاني المتولدة في رأس المتلقي، ونُمعِن في الإصرار على ضرورة وجود «البصمة الخاصة» بكل فرد في فهم الأمور.
اقرأ أيضًا: ما الفن وقد استُهلكت كل الأفكار؟
المفارقة أن الأمر يختلف تمامًا إذا انتقلنا بين العالمين المتوازيين، عالم الفن وعالم الواقع، رغم أننا في العالمين نمارس الأمر ذاته: التعبير عن أنفسنا، ولكن بأدوات مختلفة، ولأغراض مختلفة.
في العالم الواقعي، أكثر ما يخيفك هو ألا يفهمك أحدهم كما تريد له أن يفهمك. أن يُفرِط في التأويل، أو أن يذهب أبعد ممَّا رميت، أو أقصر، أو أن يضيع عن فهمك تمامًا. في العالم الواقعي، آخِر شيء تريده هو شخص يفرض «بصمته الخاصة» في فهمك، ويستحضر تاريخه وتجاربه وقراءاته من أجل قراءتك أنت.
في عالم الفن، آخِر شيء تريده هو شخص يسألك عمَّا قصدته من لوحتك أو قصيدتك أو معزوفتك الموسيقية. تريد ذلك المتلقي الخلَّاق الذي يفهم فنَّك بطريقته وباختياره، وأن يشتبك معه في علاقة تأويلية خلَّاقة.
السؤال هو: لماذا هذا الاختلاف بين الفن والواقع؟ هل من حقنا أن نكون «خلَّاقين» و«ابتكاريين» في فهم بعضنا بعضًا، وما يحدث بيننا من أمور؟ وهل من الضروري أن نتفق في تفسير معنى ما حدث؟ وماذا لو حدث أمر، وكان يعني لطرف أكثر ممَّا يعني للطرف الآخَر؟ هل هذا خطأ أحد، أم أنها طبيعة الأشياء؟
بثينة العيسى