سمِّه هراءً، ليس علمًا: كيف يسطو خبراء «علم الطاقة» على مالك؟
«المختصون في علم الطاقة يمارسون الخداع الأكاديمي لإيهام الناس بصحة ادعاءاتهم ومزاعمهم، ومن ثَمَّ السطو على أموالهم تحت وهم العلاج بالطاقة»، بهذا الاتهام الواضح والصريح يؤكد الدكتور محمد قاسم، أستاذ الهندسة الإلكترونية والاتصالات والناشط في مجال العلوم، أن كثيرًا من الناس سقطوا في الفخ الذي نصبه «المختصون» في علم الطاقة.
يدير قاسم، وهو أستاذ كويتي حاصل على الماجستير من جامعة ولاية أوهايو الأمريكية والدكتوراه من جامعة ساوثهامبتون البريطانية، بودكاست (برنامج إذاعي على الإنترنت) بعنوان «Sciware»، يهتم بالشؤون العلمية والتكنولوجية ويقدم موضوعات علمية بالتفصيل وبأسلوب شيق، ثم يجمعها بعد ذلك في موضوع مكتوب يُنشر على موقعه الرسمي.
وفي عام 2015، اختارته مجلة «Nature Middle East»، المتخصصة في نشر العلوم في الشرق الأوسط، واحدًا من أهم ست شخصيات عربية ناشطة في مجال العلوم، نظرًا للنشاط الذي يقوم به عبر برنامجه لنشر العلم بأسلوب بسيط على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن له عديدًا من الإسهامات في المجال العلمي، وحاز جوائز في ملتقيات العلوم العالمية، ونشر عددًا من الأبحاث والكتب التي تجمع بين العلم والأسلوب المسلي.
علم الطاقة: خداع مغلَّف بمصطلحات أكاديمية
يرى الدكتور محمد قاسم أن كل ما يُشاع عمَّا يسمى «علم الطاقة» خاطئ، ولا يصح وصفه بأنه «علم» من الناحية الأكاديمية، كما لا يمكن اعتباره «طاقة» كذلك، وغالبية المعلومات التي يتداولها الناس حول هذا الموضوع لا تمُت للحقائق العلمية بصلة، بل هي مجرد أوهام ينخدع بها ناشرها ومتلقيها على السواء.
يستخدم من يطلقون على أنفسهم مختصين في الطاقة مصطلحات علمية لاكتساب قدر من المصداقية لدى الناس.
يشير قاسم، خلال حديثه لـ«منشور»، إلى أن الخدعة آخذة في التضخم والتمدد مع لجوء بعض «المختصين في علم الطاقة» لاستخدام مصطلحات علمية لإيهام الناس بصحة ادعاءاتهم، ومن ذلك عبارات مثل «ميكانيكا الكم» و«فيزياء الموجات» و«الجذب»، لإيهام الناس بأنهم يتحدثون بلغة العلم، بينما هم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن العلم التجريبي الحقيقي.
العلم الفيزيائي الذي يستخدم هؤلاء مصطلحاته، بحسب قاسم، على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد والرِّفعة، ممَّا يجعلهم غير قادرين على استيعاب حقيقته وحقيقة رياضياته المعقدة، لذلك تقتصر جهودهم الخداعية على استخدام مصطلحاته كحد أقصى.
يستخدم من يطلقون على أنفسهم مختصين في علم الطاقة مصطلحات علمية في محاولة لاكتساب قدر من المصداقية لدى الناس، لأن كل ما نراه حولنا من أجهزة وأبنية وطعام وكهرباء ووسائل نقل وطب وغيرها أمور تعتمد على منهج علمي عالي الكفاءة، منهج تجريبي علمي ودقيق، ومن ثَمَّ فإن هذه النتائج المحسوسة تجعل من يتحدث بلغة العلم قادرًا على إقناع المستمع بوجهة نظره، حتى وإن كانت زائفة أو خادعة.
وهم «الجذب» ينتشر
يبحث الناس عن حل مباشر وسريع وغير مكلف لمشاكلهم، ومع كثرة الترويج الإعلامي تتحول فكرة جذب الحلول عن طريق الطاقة للتخلص من المشاكل الحياتية إلى شيء جذاب، فيتوهم الناس أنهم لا يحتاجون أن يُجهدوا أنفسهم أو يصرفوا مالًا كي يحصلوا على ما يريدون، بينما هم في الحقيقة يصرفون الكثير من المال على محاضرات من أجل تعلُّم الجذب.
يعتمد العلم على التجربة وتكرارها واستخراج نتائج منها، بينما الطاقة ليست سوى قصصًا شخصية.
كشف محمد قاسم سببًا آخر لانتشار «علم الطاقة» هو استخدام أسلوب السرد القصصي، واعتباره دليلًا على صحة ادعاءات مختصي علم الطاقة.
يمكن ملاحظة ذلك في أي محاضرة يقدمها من يطلق على نفسه «ماستر علم الطاقة»، إذ نجد أن الطابع القصصي هو الغالب، كمن يقول إنه فكَّر في الحصول على بيت ومن ثَمَّ حصل عليه، أو تمنَّى سيارة فإذا بها تصل إلى منزله كهدية، أو أن امرأة أزالت بعض أنواع الأثاث السلبي من منزلها وإذ بزوجها يعاملها بطريقة حسنة، فهذه النوعية من القصص تؤثر في الناس لو سُردت بأسلوب شيق، لأن أغلبنا يحب سماع القصص.
أوضح قاسم أن الحياة من حولنا مليئة بالقصص، ننصت لها ونتأثر بها، وكثيرًا ما نعمل بالإشارات الخفية المخبأة في جوفها، بينما العلم لا يعمل بهذه الطريقة العاطفية، بل يعتمد على التجربة وعلى تكرارها، ومن ثَمَّ استخراج نتائج حقيقية منها، بينما الطاقة والحكايات المنتشرة عنها لا تتعدى كونها قصصًا سردية شخصية، إن حدثت فعلًا للشخص الذي يسردها فليس بالضرورة أن تقع لشخص آخر.
الطاقة الوهمية وقانون الجذب
بحسب الدكتور محمد قاسم، لا يوجد في العلم نهائيًّا ما يروَّج له تحت اسم «طاقة الإنسان».
يقول قاسم: «من الناحية المبدئية هناك طاقات متنوعة في العلم، فعن أي طاقة يتحدثون؟ نحن نعرف أن هناك العديد من الطاقات الفيزيائية المؤثرة، فهل يتحدثون عن الطاقة الكهربائية؟ أم الطاقة الحرارية؟ أم الطاقة الحركية؟ أو ربما الطاقة الداكنة؟ هل يعرفون عمَّ يتحدثون؟ أم أنهم يتحدثون عن طاقة وهمية وغير فيزيائية؟».
أما قانون الجذب الذي يروِّج له مدربي الطاقة فلا يعرف الرجل أي جذب هو بالضبط: «نعرف الجاذبية والمغنطة والكهرباء الإستاتيكية، والقوة النووية القوية والضعيفة، كلها تقوم بالجذب، لكن أودُّ أن أعرف من مختصي الطاقة عن أيٍّ من هذه القوى الجاذبة يتحدثون؟ بالطبع لن يجرؤ أحدهم أن يتحدث عن هذه الأنواع لأنها معروفة بدقة متناهية ولها قوانين واضحة، أما ما يروِّجون له فجذب وهمي هلامي لا وجود له إلا في مُخيَّلاتهم، ولا يقوم على العلم نهائيًّا».
علم الطاقة «يجذب» حافظة نقودك
تابع الدكتور محمد قاسم كثيرًا من مدربي الطاقة على يوتيوب، ويعرف بعض الأسماء اللامعة عربيًّا وغربيًّا، ويؤكد أن كل ما يقدمونه ليس إلا هراء، ولا يقوم على أي مبدأ من مبادئ العلم، حتى أنهم لا يتفقون مع بعضهم في الطرح، فليس لهم منهج موحد أو لغة واحدة، ولا حتى اتفاق على ماهية علم الطاقة، وهذه الدرجة من عدم الوضوح سمحت لأشخاص لا علم لهم، ولا يمتلكون شهادات حقيقية أو ثقافة، بأن يختطفوا عقول وأموال المساكين.
علم الطاقة لا قدرة له على تغيير شكل أجزاء الجسم أو علاجها، لكنه «يغيِّر شكل حافظة نقودك، وحجم ثروات المختصين في الطاقة، بعد أن يجذبوا لأنفسهم ما في جيوب المساكين الذين يبحثون على أدنى أمل للتخلص من مآسيهم الشخصية».
تدريبات رياضية لطرد الطاقة السلبية
حسب المشتغلين بالطاقة، تعمل التدريبات التي يقدمونها على رفع هالة الإنسان، من أجل التحكم بالأحداث الحياتية وجذب الإيجابي منها وإبعاد السلبي، أو استخدام الأحجار الكريمة في ذلك.
ومن خلال متابعته لعديد من المختصين في هذا المجال، وجد الدكتور محمد قاسم أن «ماستر الطاقة» يؤدي بعض الحركات الرياضية تشبه «التاي تشي»، فيحرك يده فوق رأسه ثم دفع يده إلى الأمام بسرعة طاردًا موهمًا الناس أنه يطرد الطاقة السلبية من جسمه عن طريق «الشاكرا»، وهو مصطلح لا يمثل شيئًا حقيقيًّا، ويُطلَق على سبعة أجزاء في جسم الإنسان يُعتقَد أنها تشكل مراكز طاقته.
يسخر قاسم من تلك الحركات، ويؤكد أنها «لا تطرد سوى العقلانية من أذهان الناس»، وكذلك الخرز والأحجار الكريمة التي لا تُحدث أي تغيير في حياة مستخدميها، وعلى من يدَّعي أن لها تأثيرًا أن يأتِ بتجربة علمية يثبت بها صحة ادعائه.
لا يهم إن كان الشخص يقدم تلك الخدمات بمقابل مادي أو مجانًا، فهو يسبب ضررًا في الحالتين.
يستغل القائمون على هذا العلم المزعوم أي أُسُس صلبة في أذهان الناس، إذ لا يريدون إرباكهم بالدخول من الشباك، لذلك وجدوا أبواب العلم والدين أفضل طريق للدخول إلى عقولهم وقلوبهم.
لكن ماذا عن ممارسي هذا «العلم» المؤمنين به ممَّن لا يبحثون عن المال، بل ينشرون الفكرة بهدف ما يرون أنه «نشرٌ للخير»؟
يقول قاسم: «لا يهم إن كان الشخص يقدم تلك الخدمات بمقابل مادي أو مجانًا، فالأمر يشبه من يمنح الناس سجائر دون مقابل ويخبرهم أنها علاج للأمراض. الضرر يتحقق في الحالتين، لكن مشكلة من يقدمها مجانًا أنه مخدوع كذلك، ويعتقد أن ما يقوم به عمل خيِّر».
الطاقة تقتل أحيانًا
يوضح الدكتور محمد قاسم أنه يعمل، ومعه آخرون عدة، على نشر العلم الصحيح وتنبيه الناس وتوعيتهم بشأن مخاطر مثل هذه الأفكار.
صحيح أن هناك أفكار جذابة في أطروحات «مختصي» علم الطاقة، وأنها تأتي في شكل أفكار إيجابية ترفع معنويات من يجربها، إلا أنها تمتزج بأفكار أكثر خطورة منها علاج الناس من الأمراض، وهذا أحيانًا يكلف الناس حياتهم، لأنه يبعدهم عن الأطباء الحقيقين القادرين على علاجهم، ثم يتجه المريض إلى مدرب غير مختص يحمل شهادة وهمية ليعالجه بتمرير يده عليه.
مرضت ديبرا هاريسون بالسكري لكنها رفضت استشارة الأطباء وفضلت العلاج بالطاقة حتى ماتت.
يذكر قاسم مثالًا شهيرًا في هذا الصدد هو «ديبرا هاريسون»، التي ماتت على يد الدكتورة «ميري لينش» متخصصة الطاقة.
رفضت هاريسون التوجه للأطباء لإيمانها الكامل بأن الطاقة هي الأسلوب الأمثل لعلاجها من مرض السكري، بل إنها كانت سبب وفاة أمها بالسرطان قبل أن تموت هي، إذ رفضت في البداية أن تُعالج أمها عند الأطباء حتى ساءت صحتها، وعندها اكتشف الأطباء أنها حالة متأخرة من السرطان ولا يمكن علاجها.
بعد ذلك مرضت ديبرا بالسكري، ونحفت إلى حدٍّ كبير وصارت تهذي، لكن الدكتورة ميري لينش منعتها من التوجه للأطباء، حتى ماتت وهي تحاول علاج نفسها بالطاقة التي لم تجدِ نفعًا.
كانت لينش تستخدم مصطلحات علمية للترويج لعلم الطاقة، إذ ادَّعت أن الجسم يستطيع أن يغير من حالته ليعالج نفسه، وأن العلاج بالطاقة «يعمل باستخدام النظام الإلكترومغناطيسي والذبذبي للجسم عن طريق الانعكاس الذي يعادل الاضطراب، وبذلك يُثبَّت التضخم خلال ديناميكيات السوائل، ليرجع التوازن إلى المستوى الذي يتسبب في تكوين جسر يؤدي للصحة والتفاؤل الدائمين».
بالتأكيد كل من يقرأ هذه الكلمات سيعتقد أنها مصطلحات علمية صحيحة، لكن من لديه ولو قليل من العلم سيوقن أنها ليست إلا هراء.
يدرك قاسم وغيره ممَّن ينشرون العلم الصحيح هذه المشكلة، ويعملون جاهدين لتنبيه الناس إلى مخاطر «علم الطاقة»، لكن هل لا توجد فعلًا طاقة بخلاف تلك التي يستطيع العلماء قياسها؟
شيخة البهاويد