موال الفول واللحمة: كيف يسهم تناول اللحوم في التغير المناخي؟

ماجد الهملان
نشر في 2017/04/18

الصورة: Paweł Kadysz

مع دخولنا إلى القرن العشرين، نجح العلماء في التوصل إلى معلومات مهمة للغاية عن تأثير تناوُل اللحوم على البيئة، خصوصًا تغيُّر المناخ، ووجدت دراسات حديثة أن البشر لو تحولوا إلى استهلاك كميات صغيرة من اللحوم يمكن أن يقللوا التكاليف التي تنفقها الحكومات لتخفيف آثار تغيُّر المناخ بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2050.

وما بين التقارير العلمية والمقالات في المجلات المختلفة، ومقاطع الفيديو المنتشرة على فيسبوك، والأفلام الوثائقية مثل «Cowspiracy» و«Meat the Truth»، فإن الأنباء عن المساهَمَة المفرطة من آكلي اللحوم في مشكلة الاحتباس الحراري تنتشر بصورة كبيرة، وهو ما رصده مقالان على موقعي «The Atlantic» و«Scientific American».

معظم الناس لا يدركون المخاطر

إعلان فيلم «Cowspiracy»

6% فقط من الأمريكيين يدركون تأثير تناول اللحم على تغيُّر المناخ.

تُظهر الأبحاث الجديدة أن معظم الناس ما زالوا لا يدركون المدى الكامل لتأثير استهلاكهم اللحوم على المناخ، بحسب المقالين.

قد يهمك أيضًا: كيف تحول الإفطار إلى أهم وجبة في اليوم؟

فحص القائمون على الأبحاث كيف يقيِّم المواطنون في أمريكا وهولندا المواد الغذائية والخيارات المتعلقة بالطاقة لمعالجة تغيُّر المناخ، ووضعوا مجموعات مماثلة تضم أكثر من 500 شخص في البلدين أمام ثلاثة خيارات تتعلق بالأغذية: تناوُل كميات أقل من اللحوم، أو تناوُل المنتجات المحلية والموسمية، أو تناوُل المنتجات العضوية، وكذلك ثلاثة خيارات تتعلق بالطاقة: تقليل قيادة السيارة، أو توفير الطاقة في المنزل، أو تركيب الألواح الشمسية.

أكد معظم المشاركين في الاستطلاع أن تقليل استهلاك اللحوم خيار فعَّال لمعالجة تغيُّر المناخ، إلا أن فعالية هذا الخيار، بالمقارنة بالخيارات الأخرى، كانت واضحة أمام 6٪ فقط من الأمريكيين و12٪ من الهولنديين، وهي نسب منخفضة بشكل ملحوظ.

المعرفة قوة.. لكنها لا تكفي وحدها

كيف نحارب تغيُّر المناخ بتناول كميات أقل من اللحوم؟

تبين نتائج الأبحاث في كلا المقالين أن هناك علاقة مباشرة بين معرفة الناس بتلك المعلومة واستعدادهم لاستهلاك اللحوم بكمية أقل، لذلك، فالمعرفة في هذه الحالة تعتبر قوة، لكنها ليست كافية وحدها.

أظهرت عديد من الدراسات أن المعرفة وحدها نادرًا ما تكون كافية حتى يغير الناس أنماط حياتهم، فتغيير السلوكيات أمر راسخ ثقافيًّا، مثل العادات الغذائية اليومية للبشر، ولذلك يتطلب الأمر دراسة متأنية للديناميكيات النفسية والثقافية ذات الصلة.

أقنع فيلم «Cowspiracy» عددًا كبيرًا من الناس بالتحول للنظام النباتي.

في الوقت الحالي، تعمل معظم الدراسات عن اللحوم وتغيُّر المناخ بطريقة «توجيه أصابع الاتهام»، إذ تخلق شعورًا بالذنب والخجل، وتَصِمُ البشر بالإفراط في تناول اللحوم، وتفعِّل آليات نفسية مثل الإنكار وتقليل أهمية الوضع، وهذا لا يجدي نفعًا.

لكن هذه الاستراتيجية يمكن أن تكون فعالة للغاية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يُعرَفون بأنهم من دعاة حماية البيئة، لأنهم يميلون إلى تبني هذه الرسالة، خصوصًا في حالة الإشارة بأصابع الاتهام إلى «الآخَر» الذي تساورهم شكوك حوله، مثل «النظام الرأسمالي» و«شركات صناعة اللحوم».

نرى هذا في نجاح فيلم «Cowspiracy»، الذي أقنع عددًا كبيرًا من الناس بسهولة بالتحول إلى النظام النباتي، فالعديد من هؤلاء لديهم نظرة ما بعد حداثية، وينحازون إلى القيم البيئية، ويرتابون في تأثيرات الشركات على نظامنا الاقتصادي، لذلك يسهُل إقناعهم بتلك الرسالة.

اقرأ أيضًا: لماذا تدعونا الأرض لإسقاط النظام؟

تغيير الثقافة جزء من الحل

الصورة: Paul Fenwick

إذا كنا نأمل في إقناع كل الناس، فنحن بحاجة ماسَّة إلى تجاوز أساليب توجيه أصابع الاتهام، وهذا مهم بشكل خاص للأشخاص الذين يتبنون وجهات نظر عالمية تقليدية وحديثة، والذين عادةً لا يُعرَّفون على أنهم من دعاة حماية البيئة أو يتبنون قيم البيئة النظيفة.

ولعل هذا هو السبب، كما يقول المقالان، في صمت المنظمات البيئية بشكل ملحوظ عن مسألة استهلاك اللحوم، وفي أن هذا الموضوع لا يزال غائبًا عن المناقشات الدائرة حول تغيُّر المناخ. وبما أننا لم نكتشف كيفية تناول هذا الموضوع بطريقة غير أبوية، وغير حُكمِيَّة، فإن معظم المؤسسات تنأى بنفسها عن التدخل في أمور شخصية مثل الوجبة التي يتناولها الأفراد.

يرتبط الطعام بالعادات الاجتماعية والتقاليد، ويلعب دورًا مهمًّا في التوازن بين السُّلطة والوضع الاجتماعي، وغالبًا ما يكون المفتاح إلى المشاركة والقبول المجتمعي، ويعبِّر عن القيم الجماعية والهوية، ولذلك فإن الاستهلاك وأنماط الحياة تتشكل عن طريق الناس بطريقة جماعية وليست فردية.

قد يهمك أيضًا: كوكب الأرض يطلب منا التوقف عن الإنجاب

كيف يؤثر نظام التغذية النباتية على الاقتصاد العالمي؟

الصورة: Omid Tavallai

في دراسة نشرتها دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، قدَّر «ماركو سبرينغمان» وزملاؤه في جامعة أكسفورد أنه إذا استمر الناس في اتجاهاتهم الحالية في استهلاك اللحوم، بدلًا من التحول نحو مزيد من التوازن أو اتباع نظام غذائي نباتي، فإن ذلك يمكن أن يكلف الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما بين 197 مليار دولار و2899 مليار دولار كل عام، ويكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 1.6 تريليون دولار بحلول عام 2050.

سبرينغمان باحث بارز في برنامج حول مستقبل الغذاء في وحدة «أكسفورد مارتن» بجامعة أوكسفورد، ويؤكد أنه من الصعب دائمًا فهم ماذا يعني تجنب تغيُّر المناخ بدرجة معينة، أو انخفاض معدل الوفيات بسبب الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي. 

عمل الرجل مع فريقه على تصوُّر عديد من السيناريوهات الغذائية المحتملة في عام 2050، وقارنوا الرعاية الصحية والتكاليف المرتبطة بالمناخ إذا حافظ العالم على نظامه الغذائي الحالي، المعتمِد بشكل كبير على اللحوم، مقابل التحول إلى نظام غذائي يتوافق مع الإرشادات الغذائية العالمية القياسية.

بالنسبة لكثير من مناطق العالم، بحسب المقالين، يعني هذا التحول انخفاضًا كبيرًا في استهلاك اللحوم وتناول المزيد من الفواكه والخضراوات.

قد يهمك أيضًا: الأكل كبطاقة هوية: كيف تحولنا إلى وصفات مطبوخة في قدور العالم؟

ستتفادى أمريكا 320 ألف حالة وفاة سنويًّا لو تخلت عن المنتجات الغذائية الحيوانية.

حسب سبرينغمان وفريقه التكاليف الافتراضية لعالم يتبع نظامًا غذائيًّا لا يحوي أي لحوم، وعالم نباتي يمتنع ساكنوه عن تناول حتى البيض ومنتجات الألبان أو المنتجات الحيوانية على الإطلاق، كما حسبوا التكاليف المباشرة للرعاية الصحية لنظام غذائي يعتمد بشكل كبير على اللحوم (تكلفة العلاج من أمراض مثل السُّكَّري وأمراض القلب)، والتكاليف غير المباشرة الناجمة عن الرعاية غير مدفوعة الأجر للعائلة أو الأصدقاء، وأيام العمل المفقودة.

ولتحديد ما يوفره الحدُّ من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة باللحوم، اعتمدوا على نظام قياس يسمى «التكلفة الاجتماعية للكربون»، يقدِّر قيمة الأضرار المستقبلية الناتجة عن كل طن إضافي من انبعاثات الكربون.

إيجابيات تخفيض الاستهلاك

هل يستفيد العالم لو صار كل الناس نباتيين؟

من بين دول العالم، توفر أمريكا أكثر إذا انخفض فيها تناول اللحوم. ونظرًا للتكاليف العالية لحصة الفرد من الرعاية الصحية، يمكن للولايات المتحدة توفير 180 مليار دولار إذا تناول السكان الطعام وفقًا للمبادئ التوجيهية الموصَى بها، إلى جانب توفير 250 مليار دولار إذا تخلت البلاد عن المنتجات الغذائية الحيوانية تمامًا، وهذا معدل أكثر من الصين، أو من كل دول الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى عدد الوفيات بسبب السِّمنة والأمراض المزمنة التي يمكن تجنبها (320 ألف شخص سنويًّا على الأقل)، والفوائد المصاحبة لخفض مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة.

يوضح سبرينغمان أنه يمكن مقارنة هذه التكاليف الصحية والبيئية في كل دولة عند النظر في تنفيذ برامج للحدِّ من استهلاك اللحوم الحمراء أو زيادة استهلاك الفواكه والخضراوات، كما يمكن استخدام تلك الأرقام لتحليل السياسات المحتملة، مثل فرض ضرائب جديدة أو تغييرات على القواعد الخاصة بالإعلانات الغذائية.

يشير الرجل إلى أن الأبحاث الصحية أظهرت أنه رغم أن «الأفراد» يمكنهم إحداث الفارق، فإن استمالتهم دون تغيير في الإطار نفسه أسلوب غير فعال، في حين أن الأساليب القائمة على السكان والتي تؤثر على البيئة الغذائية كلها هي الأكثر فعالية.

ماجد الهملان