تحت الديكتاتورية: فتيات ألمانيا الشرقية متفوقات في الرياضيات
لأكثر من 40 عامًا، عقب الحرب العالمية الثانية، عاش الناس في ألمانيا الشرقية تحت حكم نظام اشتراكي سوفييتي في دولة بوليسية. كان الأطفال يتشربون أفكارًا تخدم النظام الحاكم من سن صغيرة، وكان البوليس السري يتحكم في أفكار البالغين وآرائهم. لكن دراسة جديدة تقترح أن الاحتلال السوفييتي لألمانيا الشرقية كان له على الأقل أثر واحد إيجابي، وهو ترسيخ موروث عميق ومستمر يكرس للمساواة بين الجنسين في المدارس وسوق العمل. وهذا ما يستكشفه مقال نُشِرَ على موقع «كوارتز».
كيف ساوت ألمانيا الشرقية بين الجنسين؟
متوسط الفجوة بين الجنسين في درجات الرياضيات بلغ عالميًا 31 نقطة، بينما كانت الفجوة 27 نقطة فقط في المنطقة التي كانت تُعرَف بألمانيا الشرقية.
على مستوى العالم، نجحت الفتيات، خلال العقود الأخيرة، في اللحاق بالصبيان في ما يتعلق بالأداء الدراسي العام. لكن تظل هناك فجوة بين الفتيات والصبيان في الرياضيات. وتكلف هذه الهوة النساء كثيرًا لأن الوظائف التي تعتمد على الرياضيات تكون أرفع في مستوى وذات رواتب أعلى.
يقول الباحثان «كونتين ليبمان» و«كلوديا سينيك» إن هذه الفجوة ترجع بشكل كبير إلى «العادات الاجتماعية والأنماط السائدة التي تستطيع المؤسسات التغلب عليها». ودليلهم أن سياسات المساواة بين الجنسين التي اتبعتها ألمانيا الشرقية أعادت تشكيل إحساس العامة بالتقاليد العامة والأدوار المنوطة بالجنسين، ما أدى إلى حدوث تغيير في أداء الفتيات في الرياضيات استمر حتى بعد انتهاء الاحتلال السوفييتي بفترة.
فمثلًا، تُظهر الدراسة أن متوسط الفجوة بين الفتيات والصبيان على مستوى العالم، في درجات الرياضيات في «البرنامج الدولي لتقييم الطلبة» (بيزا)، في عام 2003، بلغ 31 نقطة، بينما كانت الفجوة 27 نقطة فقط في المنطقة الجغرافية التي كانت تُعرَف في السابق بألمانيا الشرقية.
في مجال العمل
كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية تتوجه نحو التصنيع السريع وتعظيم إنتاجية العمال، ولهذا كانت سياساتها الاقتصادية تتمحور حول تحقيق المساواة القانونية بين النساء والرجال، والدعوة إلى عمل المرأة، وتقديم حماية خاصة للنساء والأطفال انعكس في صورة سياسات صديقة للأسرة، مثل توفير رعاية مجانية للأطفال، وساعات عمل مرنة، وإجازة أمومة مناسبة.
على الناحية الأخرى، عززت ألمانيا الغربية النموذج التقليدي الذي يرى الرجل المصدر الرئيسي للدخل، فكان هناك نموذجان مختلفان تمامًا في التعليم والعمل يحكم شؤون النساء في البلدين.
اقرأ أيضًا: مريم ميرزاخاني: عالمة رياضيات إيرانية أسقطت حسابات العنصرية
وفي المجتمع
لم تختلف ألمانيا الشرقية عن الغربية في ما يخص إدماج النساء في أماكن العمل بصورة نشطة فقط، فقد شمل الاختلاف كذلك النظرة إلى دور المرأة في المجتمع. تقول الدراسة إن النمط الحاكم في ألمانيا الغربية كان هو تصور المرأة في دور «الزوجة والأم المثالية العصرية، وهو نمط مستلهَم من المقاييس الأمريكية في خمسينيات القرن العشرين»، أما في ألمانيا الشرقية، فكانت المرأة المثالية «امرأة نشطة مهنيًّا ومحررة»، يُتوقع منها أن تعمل صحفية، أو أستاذة جامعية، أو في الإطفاء، أو في مصنع لتشارك في بناء النظام الاشتراكي.
المساواة بين النساء والرجال في سوق العمل غيَّرت توقعات شعب ألمانيا الشرقية في ما يخص أدوار الرجال والنساء، ما أثَّر في اختيارات النساء التعليمية، ويشمل ذلك اختيار مجالات الدراسة. وهناك عوامل أخرى تشمل «الاختلافات بين الأنظمة المدرسية في ألمانيا الشرقية في مقابل ألمانيا الغربية»، ربما لعبت دورًا.
بشكل عام، الجمع بين سياسات المساواة بين الجنسين في المدارس وسوق العمل، إضافة إلى التقاليد التي تحكم أدوار الجنسين الأكثر تقدمية، والأقل تقليدية، كان لها أثر باقٍ في إنجازات الفتيات في مجال الرياضيات الذي يسيطر عليه الرجال بشكل تقليدي.
تأثير سياسات العهد السوفييتي في النساء اليوم
ما زال التأثير الذي عرضناه قائمًا بعد مرور 30 عامًا واتحاد ألمانيا الشرقية والغربية. يقول الباحثون مستخدمين بيانات من «بيزا» و«الأولمبياد الدولية للرياضيات»، ومسابقات الشطرنج الدولية، إن الفجوة بين الجنسين في الرياضيات أصغر اليوم في المنطقة التي كانت تشكل ألمانيا الشرقية في الماضي، وهذا هو الحال أيضا في دول الاتحاد السوفييتي السابق.
فمثلًا، تنتمي 81% من النساء الأعلى أداءً في الشطرنج إلى دول الاتحاد السوفيتي السابق. إضافة إلى ذلك، فإن الدول التي انتمت إلى الكتلة السوفييتية في السابق من الممكن بشكل أكبر أن ترسل الفتيات إلى مسابقة الرياضيات الدولية. يرى الباحثون كذلك أن الفتيات اللاتي ينتمين إلى منطقة ألمانيا الشرقية يتعاملن بقلق أقل مع الرياضيات.
يبدو أن سياسات ألمانيا الشرقية كان لها تأثير مستمر في مشاركة النساء في سوق العمل. ففي عام 1990، كان معدل مشاركة النساء في سوق العمل نحو 89% (و92% للرجال)، أما في ألمانيا الغربية، فكانت 56% فقط من النساء في سوق العمل، مقارنة بنحو 83% بالنسبة إلى الرجال. وظل هذا النمط مستمرًّا. فبعد عقدين، وفي عام 2000، كانت نسبة مشاركة النساء والرجال، على حد سواء، في سوق العمل نحو 80%، بينما كانت النسبة 65% فقط للنساء، و81% للرجال في ألمانيا الغربية.
تقول كاتبة المقال إن النساء ربما استفادت أكاديميًّا من تلك السياسات القديمة. لكن هذا لا يعني أن أوضاع النساء في المجمل كانت جيدة، فلم تكن كذلك على الإطلاق في ذلك العصر. لكن يمكننا تعلم بعض الدروس عن الموانع المؤسسية التي تعوق الإناث من تحقيق أقصى تقدم ممكن لهن على المستويين المهني والتعليمي. أهم ما يتوصل إليه البحث هو أن «الفجوة بين الجنسين، حتى في المجالات التي يبدو أن الطبيعة تحكمها، يمكن إلى حد كبير أن تقلصها المؤسسات».
دينا ظافر