لقمة العيش وكوفيد: التكافل الغذائي في الكويت خلال الجائحة
يحتل الطعام بشكل عام جزءًا كبيرًا من حياتنا اليومية، وهو جزء من ذكرياتنا وتجاربنا. بات الطعام هو الملاذ الوحيد لدينا لمجاراة مشاعر الخوف والقلق والتوتر، جراء قضائنا أكثر من عام ونصف في المنزل بسبب جائحة كوفيد-19 التي شلَّت العالم كله. لم يعد الطعام وجبة لشحن أجسادنا، بل أصبح المتنفس اليومي الوحيد لنا في منازلنا، العنصر الرئيسي الذي يسهم في إنقاذ حياة العديد من الناس بعد فقدانهم لأعمالهم وأموالهم جراء الإغلاق الكامل للمشروعات، ما أثر على العمالة البسيطة وقطع أرزاقهم.
تصدر قطاع الغذاء في الكويت لمساعدة تلك الفئة المتضررة عبر مبادرات لتوزيع الطعام. ومن خلال إسهامه في هذه الأزمة، أدركنا أهمية قطاع الغذاء في الكويت من ناحية المسؤولية الاجتماعية والتكافلية في المجتمع.
شبح كوفيد
بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور، ها نحن نقضي قرابة العام ونصف في بيوتنا في محاولة لمحاربة الوباء الذي اجتاح العالم في نهايات العام 2019، ويتفق الأغلب على أنها من أصعب التجارب التي مررنا بها بمختلف البقع الجغرافية.
ما شد انتباهي كيف كان الطعام هو العامل المشترك في تخفيف وطأة الجائحة علينا نفسيًا. في بدايات الأزمة توجه العالم ككل إلى الخبز، وأشار مقال نشرته مجلة تايم الأمريكية إلى أن الخبز ساعد العديد من الناس على تقليل التوتر الناتج عن الحجر المنزلي، والقلق المصاحب لمتابعة أرقام الإصابات المتزايدة. ترى منصات التواصل الاجتماعي تكتظ بصور الخبز المصنوع من الخميرة الطبيعية، وبتشجيع من الخبازين وأصحاب المخابز للناس، وتوفير ما يساعدهم على صنع خبز مشابه لما تعودوا على شرائه من المخبز في حياتهم قبل الوباء.
وفي محاولات أخرى لقتل الملل والتوتر النفسي الناتج من الأخبار والتشاؤم، توالت الشركات المتخصصة في قطاع الغذاء لتوفير كل ما يمكن عمله في البيت دون الحاجه للخروج، وفي نفس الوقت قضاء وقت مع العائلة ومكافأتهم بوجبة لذيذة من صنعهم، من أشهرها البيتزا بمختلف أنواعها والبرغر والحلويات.
بعد إعلان حالة الطوارئ في الكويت وتزايد أعداد الإصابات، وخوفًا من عدم القدرة على استيعاب الأعداد المصابة، جاءت عدة قرارات في محاولة للسيطرة على الوباء، منها إقرار الحظر الجزئي والكلي على ضواحي الكويت. شمل إعلان الحظر الكلي المشروعات الاستهلاكية وتوصيل الطلبات من المطاعم للمنازل، ما أثر سلبًا على تلك المشروعات، فاضطر بعضها للإغلاق وبعضها لتسريح عدد كبير من العمالة لعدم قدرتها على تأمين الرواتب والمصاريف الأخرى، ناهيك بخسارة المواد الغذائية المكدسة وانتهاء صلاحيتها جراء الحظر الكلي.
ومع تمديد قرارات الحظر والإغلاق، توالى إعلان المشروعات عن إفلاسها لعدم تمكنها من دفع ما يترتب عليها من قروض ورواتب.
دور قطاع الغذاء خلال الأزمة
مع تفاقم الوضع في مختلف الدول وخسارة العديد من الناس أعمالهم ووظائفهم، وعلى وجه الخصوص في قطاع الغذاء والترفيه، انتهى بهم المطاف إلى عدم استطاعة تأمين احتياجاتهم اليومية من الطعام لهم ولعوائلهم، إلى جانب خسارتهم لوظائفهم.
فُرض الحظر الكلي في الكويت على مناطق يكتظ فيها العاملون بالوظائف البسيطة، مما كان له الأثر الأكبر على حياتهم وقوت يومهم. منهم من كان يعمل في قطاع الغذاء أو توصيل المنتجات الاستهلاكية والخدمات المتعددة. وفي بادرة من أصحاب مطاعم عديدة وأفراد من المجتمع، نظمت منظمات محلية وعدة أشخاص حملات للتبرع لكل شخص غير قادر على تأمين الطعام لنفسه أو لعائلته.
انطلقت حملات من مطاعم كبرى بالتعاون مع تطبيقات التوصيل، مثل مبادرة «وجبة مقابل وجبة»، التي يتبرع المطعم فيها بوجبة للأسر المحتاجة مقابل كل وجبة يطلبها العميل.
من بين العديد من المبادرين، لفتت انتباهي مبادرة الشيف خالد البكر، الذي يمتلك عدة مطاعم في الكويت ويعد أحد أكثر المتضررين من الجائحة. البداية كانت بسيطة بتسخير المطابخ المركزية التابعة لمطاعمه في توزيع الوجبات على المناطق المحظورة.
عند سؤالي له عن الدافع الذي أدى للمبادرة قال: «كانت المواد الغذائية والعمالة متوفرة لدي بحكم عملي في قطاع المطاعم، وأحد الأصدقاء عرض علي أن أساعد في إعداد مئة إلى مئتين وجبة، فوافقت دون تردد. بعد رؤيتي للمناطق المحظورة وسكانها وانقطاع أبسط متطلبات الحياة اليومية، استمر عملي في إعداد الوجبات مع مساعدة الأهل والأصدقاء بالتبرعات، إضافة إلى انضمام جمعية العمل الاجتماعي بقيادة السيدة بيبي ناصر الصباح، لرصد العوائل المحتاجة وتنسيق التوزيع. أعددنا في تلك الفترة 9 آلاف وجبة ووزعناها على مختلف المناطق المتضررة، وكذلك بعض مراكز الإيواء التي اكتظت بالعمالة التي خسرت السكن والعمل معًا».
مع توسع مبادرات العديد من الأفراد مثل الشيف خالد وغيره، انطلقت حملات من مطاعم كبرى بالتعاون مع تطبيقات التوصيل، ومن أشهرها شركة ديليفرو التي أطلقت مبادرة «وجبة مقابل وجبة»، إذ يتبرع المطعم بوجبة للأسر المحتاجة مقابل كل وجبة يطلبها العميل. هذه المبادرات جرَّت مبادرات وتحركات من أكبر الشركات المتخصصة في قطاع الغذاء بالكويت، وكان لها الأثر الإيجابي البالغ لتسليط الضوء على سوء أحوال فئة من المجتمع لا صوت لها ولا مدافع عنها.
التعايش مع الجائحة والمستقبل
مع دخول عام 2021، وتزامنًا مع بدء وتوسع حملات التطعيم العالمية، بدأت شركات الأغذية والمطاعم تقديم خصومات وعروض خاصة لمن تلقى اللقاح، في خطوة تحث على التطعيم والمساعدة على الخروج من هذه الأزمة في أسرع وقت.
بعض المقاهي المتخصصة منحت حامل بطاقة التطعيم مشروبًا مجانيًا، وبعض المطاعم قررت توفير خصم خاص لهم. ولمجاراة الحياة الجديدة والتعايش مع الفيروس، اتجه العديد من أصحاب المطاعم في الكويت إلى تقديم الوجبات في السيارة، وابتكروا طرقًا عديدة لمحاكاة تجربة الأكل في المطعم لكن مع أخذ الاحتياطات اللازمة، لحماية العملاء والموظفين في نفس الوقت.
لطالما اعتُبرت تجربة الأكل في المطاعم والكافيهات من الكماليات، لكن بعد عام ونصف من حرمان العديد منها، باتت ضرورة من ضرورات الحياة التي نادرًا ما يمكن الاستغناء عنها. في اعتقادي، أسهم قطاع الغذاء في الكويت بنسبة كبيرة في فترة الوباء، وفي تخفيف معاناة كل شخص على حدة من خلال المبادرات والمساعدات، إلى جانب تبني طرق جديدة ومبتكرة للوصول إلى المستهلك خلال الأزمة.
بينما تستمتع بوجبة لذيذة من أحد المطاعم على أريكتك، فكر في هذا السؤال: هل تغيرت نظرتك إلى قطاع الغذاء ودور المشروعات الغذائية في المجتمع؟ هل أحسست بشعور أقوى من قبل بدعم تلك المشروعات وأهمية استمرارها ونموها لما لها من أثر كبير في حياة الآخرين خلال الأزمة؟ هل أسهم القطاع في تسليط الضوء على المناطق المكدسة بالعمالة ووضح سوء أحوال السكن وحاول إيجاد حلول لتلك المشاكل؟ هل من الضروري تفعيل دور هذه المشروعات من خلال دعم حكومي أو خاص لضمان استمرارها وإسهامها مستقبلًا؟
غدير زكريا