كيف تقنع الأخرين بأن التدخين مفيد للصحة؟

فهد عبد الله
نشر في 2019/06/23

الصورة: LawPrieR

 

التدخين ليس مضرًا بالصحة كما يدعون. قد تبدو لك هذه المعلومة صادمة، لكنها الحقيقة، بل والعكس، التدخين أقرب ما يكون مفيدًا للصحة النفسية.

يقول العالم الشهير آينشتاين عن دور التدخين في حياته: «إن التدخين يسهم في تكوين رأي هادئ وموضوعي في كل الشؤون الإنسانية». وبالطبع فإن الرد الجاهز المعلب من معارضي التدخين معروف: هل نتجاهل كلام الأطباء والدراسات العلمية؟ لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، وللأسف لا تقرأ الأغلبية ولا يبحثون، وينساقون فقط خلف المعلومات الجاهزة.

خدعة الدراسات العلمية

الصورة: The U.S. Food and Drug Administration

فلتكن واقعيًا مع نفسك، لو أنك نفذت دراسة علمية محايدة وكانت النتائج أن التدخين ليس مضرًا بالصحة، فهل ستجد مجلة علمية تنشرها؟ أنا وأنت نعرف أن هذا مستحيل. فكر في آخر مرة عارض فيها أحدهم الرأي العلمي السائد والخاضع للرأسمالية، فشُوهت سمعته وسُحبت رخصته ووُصف بأبشع الأوصاف. هذه هي الحقيقة الخفية للمجتمع العلمي، يتحدثون وكأنهم لا يستلمون رواتبهم من جهة تمول الدراسة.

إذا سألت الأطباء عن الدليل على خطر التدخين ستجد الإجابة المعتادة: أثبتت الدراسات ذلك. لكن من موَّل هذه الدراسات؟ الطبيب لا يعرف ولا يهتم، ولا يحاول أن ينفذ الدراسة بنفسه، كل ما يهمه أنها دراسة علمية وفي مجلة مرموقة بالنسبة له. لكن الحقيقة أن هناك سوقًا كاملًا يستفيد «بالمليارات» من تلك الدراسات، وهو سوق معالجة إدمان النيكوتين (ابحث عن Nicotine Replacement Therapy وتأكد بنفسك من حجم هذا السوق).

عاشت الفرنسية «جين كالمنت» 122 عامًا، وكانت تدخن حتى وصل عمرها 117، ثم توقفت بعدها وماتت.

هذه الشركات هي التي تمول الدراسات، لأنها تستفيد ماديًا من بيع منتجات معالجة إدمان النيكوتين. ولو عدنا بالتاريخ إلى ما قبل نهوض هذا السوق، لوجدنا أن الأطباء أنفسهم كانوا يشجعون على التدخين. ليس هذا نظرية مؤامرة، بل حقيقة مكشوفة تستطيع التأكد منها بنفسك. هذه المليارات كانت ستتبخر لو لم تكن هناك دراسات تثبت ضرر التدخين. قبل أقل من عام اكتشفوا أن كوكاكولا تدفع للمؤسسات البحثية، وكأن الأمر صادمًا، وكأن النظام البحثي ليس مؤسسًا بالأصل على تمويل الشركات.

لنتساءل: من أكبر رجل في العالم اليوم؟ شخص من جنوب إفريقيا اسمه «فريدي بلوم»، يدخن يوميًا، وعمره الآن 114 عامًا ولم يصب بشيء. هنا مصدر المعلومة لتتأكد بنفسك.

من أكبر شخص في التاريخ الحديث بأكمله؟ إنها الفرنسية «جين كالمنت»، عاشت 122 عامًا، وكانت تدخن إلى أن وصل عمرها 117، ثم توقفت بعدها وماتت، وهناك حالات أكثر وأكثر لمدخنين عاشوا لأكثر من مئة عام. أين السرطان الذي يتحدثون عنه؟ لماذا نجد أن أغلب المصابين بالسرطان بسبب التدخين حالات استثنائية؟ ألم تتساءل يومًا: لماذا يصاب غير المدخنين بسرطان الرئة؟ لأن الأمر ببساطة ليس له علاقة بالتدخين.

سببية ضائعة وتاريخ من الصحة

السكان الأصليين في حقول التبغ - الصورة: Museum of Photographic Arts

هؤلاء المروجون لخطر التدخين لا يمكن الجدال معهم لسبب بسيط: لديهم مخرج دائمًا. إذا قلت بأن فلانًا كان يدخن وأصيب بالسرطان، سيقول إن التدخين السبب، ولو قلت إن فلانًا أصيب بالسرطان لكنه لم يكن مدخنًا، سيقول إنه كان يجالس المدخنين، فالتدخين السلبي كان السبب، ولو أخبرتهم أن فلانًا أصيب بالسرطان ولم يكن يدخن ولا يجلس مع مدخنين، سيقولون بأن السبب في هذه الحالة تحديدًا جيني. حقًا؟ لماذا لا تكون الجينات هي السبب من الأساس؟ هذا ما أدركه مؤسس علم الإحصاء الحديث «رونالد فيشر» قبل أكثر من 50 عامًا، حين رأى الدراسات التافهة التي ربطت التدخين بالسرطان تظهر لأول مرة. وجد خطًأ إحصائيًا في كل دراسة منها، ورفض علاقة التدخين بالسرطان.

أتت عادة التدخين من سكان أمريكا الأصليين، الذين عاشوا أفضل حياة صحية. فالتبغ مادة طبيعية، ولا عجب أن الأوروبيين عند وصولهم إلى أمريكا وجدوا أناسًا يعيشون حياة صحية أفضل.

نحن لا نتحدث هنا عن أي أحد، نحن نتحدث عن إحدى أكبر القامات العلمية في القرن العشرين، وأتحدى أن تجد أي دراسة طبية معتبرة لا تستخدم منهجه الإحصائي اليوم. كان العالم رونالد فيشر أول من كشف كذبة خطر التدخين. اقرأ هذه الدراسة التي نشرها هذا العالم الكبير في مجلة «Nature» العريقة، وتأكد بنفسك بأن التدخين ليست له علاقة حقيقية بالسرطان.

لكن ما التدخين أصلًا؟ ومن أين أتى؟

أتت عادة التدخين من سكان أمريكا الأصليين، الذين عاشوا أفضل حياة صحية. فالتبغ في النهاية مادة طبيعية، ولا عجب أن الأوروبيين عند وصولهم إلى أمريكا وجدوا أناسًا يعيشون حياة صحية أفضل منهم. تخيل الأثر النفسي على السكان الأصليين لو أخبرهم أحد بأن التدخين مضر بصحتهم. قد تظهر عليهم بعض الأمراض لمجرد أنك كونت لديهم هذه القناعة، وكلنا نعرف تأثير العامل النفسي في الإصابة والعلاج من الأمراض. ونجد أن الباحث الأمريكي «كريستوفر وانييك» من هارفارد، مؤلف كتاب «Bad Medicine»، يؤكد أن للتدخين 5 فوائد صحية، منها الوقاية من مرض باركنسون، وأن التدخين يعطي فرصة أكبر للنجاة من بعض أمراض القلب.

سيكشف التاريخ لاحقًا، حين تتطهر الدراسات العلمية من نفوذ الشركات وجشع التجار (الذين يدخنون لأنهم يعرفون الحقيقة)، أن خطر التدخين ليس إلا كذبة لبيع المنتجات، ولا يؤسفني إلا شعور المدخنين الذين يتلومون مع كل سيجارة يدخنونها. لم يكن هذا العامل النفسي السيئ مؤثرًا في أجدادنا، الذين دخنوا وعاشوا حياة صحية لا نحلم بها، جيلنا فقط من يعاني هذه العقدة، لأننا سلمنا أنفسنا دون وعي لمثالية الدراسات العلمية.

دجل ومغالطات: تكنيكات الاقناع

الصورة: pixabay

كل ما قرأته قبل هذه الجملة، ورغم دقة «بعض» المعلومات فيه، ما هو إلا سيناريو من محض الخيال قائم على العديد من المغالطات المنطقية، وهو الأسلوب الذي يستخدمه الدجالون اليوم لخداع البسطاء من الناس. وهنا سنتحدث عن الحيل المستخدمة في المثال السابق، والتي يمكن تعميمها على حالات الدجل السائدة اليوم.

  • التكتيك الأول: كلهم قطيع وأنت الراعي

لا يمكن التخلي عن قناعة دون استبدال أخرى بها. يميل العقلاني إلى إبدال قناعاته بتلك الأقل تناقضًا، لكن العاطفي يميل إلى القناعات التي تأتي مع امتيازات. لذا فإن الخطوة الأولى في صناعة الوهم هي مغازلة المتلقي بإشعاره بأنه من الأقلية الواعية، بالتعزيز من شعوره بالمحورية.

نجد في مثال التدخين جملًا مثل: «الأغلبية لا يقرأون»، «الأغلبية ينساقون خلف المعلومات الجاهزة»، وهذه المغازلات غير المباشرة تقول للمتلقي: إنك من الأقلية الواعية والنخبة الذكية إذا صدقت المعلومة المطروحة.

لو دخلت في نقاش ساخن يومًا ما، وأردت من طرف ثالث أن يحكم لرأيك، ابحث عن إنسان عاطفي وامتدحه قبل طرح رأيك: «فلان أنت إنسان ذكي وأنا أثق بكلامك، هل تتفق مع رأيي أم رأيه؟»، ستجده على الأغلب يتفق معك، لأن الموافقة تأتي مع شعور بالامتياز. إن ضحايا الدجالين اليوم، وعلى مدار التاريخ، ليسوا أغبياء، لكنهم بسطاء يشعرون أنهم أذكياء.

  • التكتيك الثاني: قال آينشتاين

تعد مغالطة الاحتكام إلى السلطة من أشهر المغالطات المنطقية، وهي الادعاء بأن الرأي صحيح لتأييد شخصية ذات سلطة معينة له.

في المثال هنا نجد أن قامات علمية (مثل آينشتاين ورونالد فيشر) أو مجلات علمية مرموقة (مثل Nature) قد أُقحمت في موضوع التدخين لإثبات فائدته ونفي ضرره، والحقيقة أن أسماءهم ليست لها أي قيمة أمام الدليل العلمي. ومع مغالطة الاحتكام إلى السلطة، تنتشر عندنا مغالطة الاحتكام إلى الاسم الأجنبي، وهي الادعاء بأن الرأي صحيح لأن اسمًا أجنبيا قال به. في المثال تحدثنا عن باحث هارفارد «كريستوفر وانييك» مؤلف الكتب، وهنا مرة أخرى، فإن رأيه ليس له أي قيمة أمام الأدلة العلمية.

الكتب التجارية ليست مصدرًا للمعلومات الطبية، لأننا ببساطة لا نستطيع التأكد من المعلومات المطروحة فيها.

لنفترض جدلًا أنه ألف كتابًا يدعي فيه بأن التدخين عادة تاريخية مفيدة للإنسان، وأن المجتمع العلمي المؤدلج يهاجمه بسبب قناعاته. لكن تأليف الكتب لا يضفي على المؤلف أي رجاحة عقل، واليوم يستطيع أي أحد نشر كتاب، وكم يحب الدجالون الاحتكام إلى الكتب في نشر الدجل الصحي، وهو الدجل الأخطر على الإنسان لما يشكله من ضرر مباشر على صحته.

الكتب التجارية ليست مصدرًا للمعلومات الطبية، لأننا ببساطة لا نستطيع التأكد من المعلومات المطروحة فيها. والتجارب الشخصية ليست دليلًا يعمَّم عليه، بسبب كَمِّ الانحيازات الهائل فيها. الدراسات العلمية (والكتب المرجعية المستندة عليها) هي المصدر الأساسي للمعلومات الصحية. ومع ذلك، فإن الدجالين بكل ثقة يكررون دعوتهم لقراءة كتب معينة تؤيد آراءهم، وكأن الكتاب لمجرد كونه كتابًا دليل يعتد به.

  • التكتيك الثالث: تأكد بنفسك

عند صناعة الوهم، لا توجد حيلة أكثر دهاءً من خلط المعلومات الخاطئة بأخرى صحيحة. في مثال التدخين نجد معلومة صحيحة مثل أنه «يصاب غير المدخنين بسرطان الرئة» مع معلومة خاطئة مثل أن «المصابين بالسرطان بسبب التدخين حالات استثنائية» في ذات الفقرة. لا أحد يملك الوقت الكافي للتأكد من كل المعلومات، لذا فإن طرح بعض منها مع المصدر يصنع مصداقية زائفة، وركيزة يقف عليها الدجالون.

كذلك، هناك الكثير من المعلومات التي غُيبت عمدًا. مثلًا، رغم أن آينشتاين امتدح التدخين، فإنه مات بسبب مرض «أم الدم الأبهرية البطنية»، وغالبية مصابي هذا المرض من المدخنين. يصعب أيضًا التأكد من بعض المعلومات، مثل حجم سوق معالجة إدمان النيكوتين والمؤثرات الصحية على حياة سكان أمريكا الأصليين. هذه النبرة الواثقة، رغم ما تحتوي عليه من معلومات صحيحة واستشهادات مثبتة بالمصدر، تخلق صورة وهمية بأن الدجال صادق في كل ما يطرحه. هذه الصورة مهمة جدًا في صناعة الوهم.

  • التكتيك الرابع: رأسمالية العلم
الصورة: maxpixel

هل الأوراق العلمية منزهة عن التلاعب؟ لا. هل تمول الشركات الأبحاث العلمية؟ نعم، بعضها وليس كلها، فنسبة كبيرة منها ممولة حكوميًا. ألا يسهم ذلك في التأثير في نتائج التجربة؟ ربما، لذا فإن الدراسات العلمية المعتبرة توضح أسماء كل الجهات الداعمة لها، وأي تلاعب بالنتائج ستكشفه دراسات أخرى تكرر التجربة، وأي تكرار للتجربة من نفس الممول سينظر إليه بريبة. قد تحدث بعض الأخطاء هنا وهناك، لكن هذا ليس مسوغًا لوضع الدراسات العلمية في قالب واحد وتسفيهها كاملةً دون دليل.

لنتساءل: كيف أثبت العلم الحديث علاقة السرطان بالتدخين؟ قد يظن بعضنا أن الأمر بسيط جدًا، احسب عدد المدخنين من المصابين بسرطان الرئة، ستجده عاليًا جدًا، وهذا دليل قاطع على أن التدخين سبب سرطان الرئة. لكن منهج العلم الحديث لا يمكن أن يثبت أمرًا بهذه البساطة.

يذكر كتاب «The Lady Tasting Tea»، لعالم الإحصاء «ديفيد سالزبورغ»، أن القصة بدأت في الخمسينيات، حين لاحظ الأطباء ازدياد عدد حالات الإصابة بسرطان الرئة عند المدخنين، فسألوا المصابين عن طباعهم اليومية، ووجدوا أن العامل المشترك هو التدخين. كل حالة من تلك الحالات دُونت بالأرقام والتفاصيل، وهذا جزء أساسي في العلم الحديث يكون غائبًا عن منهج الدجالين. فإذا لم تكن تفاصيل البحث مدونة وموثقة لكل حالة من الحالات، فلا قيمة لها.

كانت هناك خمس دراسات على مئات الحالات، لكن رُد عليها بأن هذه الطريقة، وهي سؤال المريض أو أقربائه عن الطباع اليومية، ليست كافية، وذلك لاحتمال وجود سبب آخر لم يتذكره المريض. هنا اتجه العلماء إلى مسلك آخر، وهو سؤال بعض الأطباء للمدخنين عن كل عاداتهم، والعودة إليهم بعد خمس سنوات لمعاينتهم، ولاحظوا أيضًا أن احتمال إصابة المدخنين بالسرطان أعلى من غيرهم. مع ذلك، رُد عليهم أيضًا بأن هذه الدراسات ليست كافية لأنها تمت على عينة ضيقة جدًا، وقد يكون الأمر مرتبطا بشيء ما في المستشفى.

الأمر ليس دراسة ولا اثنتين ولا عشر، وإنما مشاركات وحوارات وانتقادات بين العلماء، ومحاولات مستمرة لكشف الأخطاء والثغرات والانحيازات.

زادت الدراسات على عينات مختلفة وكانت النتيجة واحدة: احتمالات إصابة المدخنين بالسرطان عالية. ومع ذلك، فقد كانت هناك ردود على الدراسات، ومنها رد رونالد فيشر الذي تساءل إذا كان بإمكاننا أصلًا فصل المسببات عن بعضها، وذكر مثلًا بأنه لو كان هناك جين يفتح الشهية للتدخين، وكان هذا الجين نفسه هو المسبب لسرطان الرئة، فإننا هنا نجد أنفسنا عاجزين عن معرفة السبب الحقيقي، أهو الجين أم التدخين؟

مع ذلك، ورغم أن السببية موضوع فلسفي شائك، فقد وجدت الدراسات المتزايدة علاقة مباشرة بين جرعة التدخين اليومية واحتمالية الإصابة بالسرطان، وهذا يعني أن احتمالية إصابة المدخن الشره بالسرطان أعلى من المدخن العادي، واحتمالية إصابة المستمر في التدخين أعلى ممن يتوقف، وكل سيجارة لها إسهامها الخاص. قد لا يستثني هذا العوامل الأخرى، لكنه يؤكد أن التدخين سبب مباشر للإصابة بالسرطان.

تخيل أن كل تلك الخطوات ما هي إلا تبسيط لما يحدث في الواقع عندما يسعى العلم الحديث لإثبات علاقة سببية. الأمر ليس دراسة ولا اثنتين ولا عشر، وإنما مشاركات وحوارات وانتقادات بين العلماء، ومحاولات مستمرة لكشف الأخطاء والثغرات والانحيازات. ومع ذلك، فإن الدجالين لا يمانعون من أن يكون العلماء جميعهم عبيدًا للشركات (والمارق منهم طبعًا هو من ألّف كتابًا يكشف الحقيقة). والطريقة الأمثل لإثبات أن هناك عشرات الآلاف ممن يعملون بسرية تامة لإخفاء حقيقة معينة هي من خلال نظريات المؤامرة.

اللحظة التي يُرفض فيها العلم الحديث هي اللحظة التي يمكن فيها ادعاء أي شيء في كل شيء، خصوصًا في الطب. التدخين بذلك مفيد للصحة، لأن من أثبت غير ذلك هي الدراسات العلمية، والدراسات العلمية لا يمكن الوثوق بها. هذا منطقهم. العلم الحديث هو العدو اللدود للدجالين، لذا فإن التقليل من قيمته سمة لكل دجال.

  • التكتيك الخامس: التفاصيل الصغيرة
نبتة التبغ - الصورة: pixabay

في مثال التدخين بعض التفاصيل الصغيرة المهمة، منها التعميم على حالات استثنائية وتجاهل الطبيعة الإحصائية للأمراض، كما حدث في حالة المدخنين الذين تجاوزوا مئة عام من أعمارهم. ومنها أيضًا إنكار اللجوء إلى نظريات المؤامرة رغم الالتزام بكل تفاصيلها. ويُستخدَم أحيانًا أسلوب مختلف: «نحن لا نقدس نظرية المؤامرة، لكننا لا نستطيع إنكارها كليًا». بمعنى آخر، نظرية المؤامرة التي نطرحها نحن صحيحة.

نجد أيضًا مغالطة الاحتكام إلى الطبيعة عند الحديث عن مادة التبغ، وتفيد هذه المغالطة بأنه إذا كانت الأشياء طبيعية فهي جيدة، وإذا كانت غير طبيعية أو صناعية فهي سيئة. هذه الحيلة يستند إليها الدجالون كثيرًا في بيع منتجاتهم: طبيعية، إذًا هي مفيدة.

كذلك، نجد نبرة واثقة في الحديث عن علم النفس: «كلنا نعرف تأثير العامل النفسي، لم يكن هذا العامل النفسي مؤثرًا في أجدادنا»، وكأن علم النفس هو العلم الذي يحق للجميع الإفتاء فيه.

وأخيرًا نجد الروح النوستراداموسية التنبؤية في الحديث عن المستقبل: «سيكشف المستقبل كذبة ضرر التدخين». هذه النبرة وإن بدت ساذجة فهي مؤثرة في البسطاء لأنه لا يمكن تكذيبها أبدًا، إن حدثت قال: قلت لكم، وإن لم تحدث قال: انتظروا ستحدث قريبًا.

فكر في أي نظرية مؤامرة أو كذبة علمية أو خرافة صحية سائدة اليوم، ستجد أن الأسلوب المستخدم للإقناع بها يستطيع إثبات فائدة التدخين.

فهد عبد الله