«إني أغرق»: التكيف المناخي والبيئة العمرانية في الكويت
يعد التغير المناخي واحدًا من أصعب القضايا التي تواجهها الكويت، نظرًا لخصائص الدولة المناخية وارتفاع معدلات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والاعتماد الشديد على مصادر الطاقة غير المستدامة، فضلًا عن الوضع الاجتماعي السياسي المعقد حاليًا.
نشرت مدونة جامعة «LSE» مقالًا حول هذه المرحلة التي لا يمكن فيها تدارك أو تفادي التأثيرات المحتملة للتغير المناخي، بيد أن المخاوف إزاء هذه التأثيرات يمكن استيعابها من خلال التكيف المناخي الذي يقلل من درجة التأثر بالآثار الناجمة عن تغير المناخ، وتتوقف درجة التأثر هذه على حجم التأثير المناخي وقدرة الدولة المتضررة على مجابهته. وعليه، يجب النظر في العلاقة بين البيئة العمرانية والمناخ المتغير للكويت، لفهم الكيفية التي يمكن أن يحسن بها التكيف المناخي من الوضع الراهن، ويكفل تقليل الآثار السلبية في المستقبل.
درجات الحرارة في ارتفاع
ارتفاع درجات الحرارة يعني أنه ستكون هناك زيادة في استخدام نظم التبريد الداخلية، وهو ما يُترجم إلى المزيد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
تعاني الكويت بالفعل من آثار التغير المناخي، إذ أن درجات الحرارة خلال السنوات الخمس الماضية بلغت مستويات غير مسبوقة من الارتفاع، ويُتوقع أن تزداد ارتفاعًا في المستقبل. يؤثر هذا بدوره بشدة على صلاحية البلد للسكن، وبخاصة خلال أشهر الصيف، فضلًا عن التسبب في الإجهاد العقلي والجسدي لصحة المقيمين فيها. فالتعرض لدرجات الحرارة المرتفعة يتسبب في الإجهاد وضربات الشمس، ويزيد حدة أمراض الجهاز التنفسي والدماغ والقلب والأوعية الدموية الموجودة بالفعل. تتسبب المشقة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة أيضًا في مشكلات أخرى مثل ازدياد التهيج والعدائية، فضلًا عن الإصابة بالأرق وانخفاض القدرات الإدراكية.
سوف يؤثر ذلك على الفئات المستضعفة في الكويت، أي العمال المهاجرين الذين يعيشون في ظل ظروف سيئة والأسر التي تواجه مصاعب مادية وفئة البدون، بدرجة أكبر من تأثيرها على من يتمتعون بوضع اقتصادي أفضل ويحظون بنظام تبريد داخلي بصفة مستمرة. مما يخلق وضعًا جائرًا وتفاوتًا اجتماعيًا، فضلًا عن تدنٍّ في الفرص الاقتصادية والإنمائية للفئات الأشد تضررًا.
لارتفاع درجات الحرارة أيضًا تأثير سلبي على النظم الإيكولوجية (البيئية) والحياة البرية، بمعنى أن ارتفاع درجة حرارة مياه البحر سوف يتسبب في هجرة واسعة النطاق لفصائل الأسماك إلى المناطق المجاورة.
بالإضافة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يعني أنه ستكون هناك زيادة في استخدام نظم التبريد الداخلية، والذي يعني بدوره تزايد الطلب على الطاقة، وهو ما يُترجم إلى المزيد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. ونظرًا لأن الدولة تعتمد على مصادر الطاقة غير المستدامة، يعني هذا أن آثار التغير المناخي تتضاعف لهذا السبب، ما يخلق دورة لا تنتهي من الآثار السلبية.
المياه النادرة
تتناقص الأمطار ومعدلات هطولها نتيجة للتغير المناخي، فضلًا عن أن إمدادات الدولة من المياه الجوفية، التي تستخدم بصفة أساسية لأغراض زراعية وصناعية، موشكة على النفاد أيضًا. ويضع هذا الدولة في وضع عصيب، فالاعتماد الكلي على عمليات تحلية المياه سيجعل مجال المياه مرتهن بمجال الطاقة، الذي من المؤكد أنه سيضع مزيدًا من الضغط على منظومة الطاقة المنهكة بالفعل في البلاد.
تؤثر مسألة ندرة المياه بصورة كبيرة أيضًا على صحة النظم الإيكولوجية والحياة البرية داخل المنطقة، وتسبب في انخفاض الزراعة في المناطق الحضرية وإعاقة نمو بعض فصائل النباتات. وعلاوة على ذلك، سوف تُحدث تغييرًا في بنية المساحات المزروعة وتكوينها، وستكون لها آثار طويلة المدى على نمو النباتات وأعداد الماشية.
يعد ارتفاع منسوب مياه البحر تأثيرًا مناخيًا منتظرًا في الكويت، فمن المتوقع أن يزداد متوسط ارتفاع سطح البحر بمقدار يتراوح بين 0.16 إلى 0.63 متر بحلول عام 2050، مما يؤدي إلى تآكل المناطق الساحلية وتدمير النظم الإيكولوجية والبنى التحتية المنخفضة. وسوف يؤثر ارتفاع منسوب مياه البحر أيضًا على جزر الكويت، فعلى سبيل المثال، يُتوقع أن تغرق جزيرة بوبيان بالكامل خلال العقود القليلة القادمة، بينما يُتوقع أن يغرق ثلث جزيرة فيلكا.
والحل؟
التغير المناخي مشكلة تتطلب حلولًا استباقية عوضًا عن الحلول التفاعلية، لا سيما أن استجابة الكويت لأزمة التغير المناخي كانت ضعيفة للغاية، فلم يكن هناك التزام فعلي من الحكومة لتحقيق الأهداف العالمية في ما يتعلق بتخفيض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. فضلًا عن عدم وجود أي مشاريع كبرى استحدثت تكنولوجيات مستدامة أو أي ممارسات تهدف للحد من آثار تغير المناخ.
بالنظر إلى سرعة وتيرة هذا التوسع في الكويت، لا عجب في تدهور الظروف المناخية القاحلة والقاسية القائمة فيها على مدى العقود القليلة الماضية.
إذا واصلت الدولة السير في هذا المسار، ستكون أكثر ضعفًا إزاء تأثيرات التغير المناخي، وسوف يكون لذلك دون شك آثار اجتماعية واقتصادية وبيئية وخيمة. وللحد من شدة تأثر الكويت بالآثار المترتبة على التغير المناخي وتحسين قدرتها على الصمود، يجب فعل الآتي:
- التحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة: سوف يخفض هذا بدرجة كبيرة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الدولة، والذي بدوره سيحد من الآثار المستقبلية المترتبة على التغير المناخي.
- اتخاذ تدابير للحد من آثار تغير المناخ: عقب تقييم الآثار الثلاثة الرئيسية المترتبة على تغير المناخ في الدولة، وهي ارتفاع درجات الحرارة وتناقص موارد المياه وارتفاع منسوب مياه البحر، يتحتم استحداث حلول طويلة المدى مثل إنشاء البنى التحتية الزرقاء والخضراء. تعد البنى التحتية الزرقاء والخضراء أسلوبًا للتصميم يستعين بالهيدرولوجيا (علم المياه) والإيكولوجيا (علم البيئة) ويوفر لهما الحماية. وينطوي ذلك على إنشاء مساحات خضراء وعمليات زرع الأشجار واسعة النطاق والأسطح الخضراء والبحيرات والسطوح المائية في بيئة تكافلية. ومن شأن هذه الزيادة في المساحات الخضراء والمسطحات المائية أن تقلل من درجات الحرارة، وأن تحد من تأثير الحرارة في المناطق الحضرية بنطاق البيئة العمرانية، لتخفض بذلك درجات الحرارة السطحية. ستكون الإدارة المستدامة للمياه ضرورية لضمان التصدي للمشاكل المتعلقة بندرة المياه. أما الارتفاع في منسوب مياه البحر فيمكن التصدي له من خلال إنشاء دفاعات طبيعية وأخرى من صنع الإنسان على حد سواء مثل، مثل مصدات الأمواج وصيانة الشواطئ والأسوار البحرية.
- الاستثمار في المبادرات المجتمعية للترويج للسلوكيات الإيجابية المستمرة: مبادرات تهدف إلى إنشاء حدائق محلية في نطاق الأحياء السكنية، والتي لا تعزز القدرة على مواجهة آثار تغير المناخ فقط، بل تحسن أيضًا الصحة النفسية والجسدية للسكان.
تعاني بيئتنا الطبيعية ونظمنا الإيكولوجية بشدة جراء التوسع الحضري. وبالنظر إلى سرعة وتيرة هذا التوسع في الكويت، لا عجب في تدهور الظروف المناخية القاحلة والقاسية القائمة فيها على مدى العقود القليلة الماضية، وهو ما سيستمر في ظل أزمة المناخ ما لم يحدث تغيير. وسوف يتطلب ذلك تخطيطًا مكثفًا والتزامًا تامًا من الحكومة لضمان النجاح في التكيف مع المناخ على نحو مستدام، وصمود الكويت في مواجهة آثار تغير المناخ في المستقبل.
مريم السعد ياسمين أكرم