انشرها ولك أجرها: من أين تكتسب الشائعات الساذجة قوتها؟
ربما طالعت يومًا تلك القصة التي انتشرت في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، وتحكي عن «الفتاة المريضة بداء حيَّر الأطباء في علاجه، عمرها 13 عامًا. نامت ذات ليلة، ورأت في منامها السيدة زينب التي مسحت على رأسها، وسقتها قطرات من الماء، وحين استيقظت الفتاة اكتشفت أنها قد شفيت تمامًا من مرضها، وإلى جوارها تجد رسالة على رقعة قماشية تطلب منها كتابة قصتها ونسخها وتوزيعها على 13 آخرين، سيرى هؤلاء الـ13 نتيجة تفاعلهم مع الرسالة بعد 13 يومًا.
لم ينس كاتب القصة أن يدوِّن ملاحظة حول ردود الفعل السابقة على الرسالة، فذكر أن هذه الرسالة وصلت إلى: عميد بحري، ووزعها، فحصل على ترقية خلال (13) يومًا. وتاجر، فأهملها، فخسر كل ثروته خلال (13) يومًا. وعامل، فوزعها، فحصل على خير كثير، وحُلَّت كل مشكلاته خلال (13) يومًا.
انتشرت هذه الرسالة عبر المجموعات البريدية في 2002-2004. أعيد إنتاج هذه القصة برقم مختلف، وانتقلت عبر المنتديات العربية بين 2005 و2007.
«عيشوا حياتكم، واستمتعوا بكل لحظة فيها»: «جيسيكا مايدك»
لم تكن قصة الفتاة المريضة وليدة الخيال العربي الباحث عن معجزات، بل كانت إحياءً لقصة مر عليها قرابة سبعة أعوام بأسماء وتفاصيل أخرى، تحكي عن فتاة أمريكية اسمها «جيسيكا مايدك»، تحتضر أيضًا جراء إصابتها بالسرطان، والتي انتشرت قصتها عبر المجموعات البريدية الإلكترونية في نهاية التسعينيات.
تقول رسالتها التي صيغت بحروف إنجليزية كبيرة (Capital) لتوحي بالأهمية: إن فتاة عمرها سبع سنوات تعاني من انتشار أورام سرطانية في جسدها، وأمامها ستة أشهر لتعيشها على الأكثر، حسب رأي الأطباء. قررت أن تحكي قصتها القصيرة، وأن تنشرها في رسالة للناس كي توصيهم بـ«عيشوا حياتكم، واستمتعوا بكل لحظة فيها، فهذه الفرصة لم تتوفر لي».
تتابع الرسالة أنه «إضافة إلى ذلك، فإن الجمعية الأمريكية لمرض السرطان، وعدة جهات مانحة مختلفة، وافقت على التبرع بثلاثة سنتات لدعم أبحاث ضد مرض السرطان مقابل كل إعادة إرسال لهذه الرسالة. رجاءً امنح الفرصة لجيسيكا، ولكل ضحايا السرطان». أنفقت الجمعية الأمريكية لمرض السرطان بالطبع وقتًا وجهدًا كبيرين للتأكيد على زيف هذه القصة، وأنها لم تعلن التبرع بأي سنتات مقابل نشرها.
الخطابات العنقودية: الخير في نشرها، والويل إن لم تنشرها
الخدعة غالبًا ما تكون قصة مكذوبة منمقة تهدف إلى جذب انتباه القارئ، إما بتخويفه، وإما بإثارة تعاطفه.
هذه القصة المكرَّرة، باختلاف الأبطال وعدد الشخصيات المطلوب نشر الرسالة بينهم، وحتى باختلاف ثقافة الناشر والمتلقي، هي تقنية قديمة لنشر الشائعات اسمها «Chain Letter»، يمكن ترجمتها إلى الرسالة المتسلسلة. لكن تبعًا لطريقة انتشارها أُفضِّل ترجمة «الخطابات العنقودية»، فإنها تنتشر في سلاسل، يتفرع كل فرع منها إلى سلاسل جديدة من الأفراد، مثل العنقود.
تعتمد هذه الرسالة على ثلاثة أجزاء رئيسية هي:
- الخدعة
- الطلب
- العواقب
الخدعة غالبًا ما تكون قصة مكذوبة منمقة تهدف إلى جذب انتباه القارئ، إما بتخويفه، وإما بإثارة تعاطفه. وماذا يثير التعاطف أكثر من فتاة عجز الأطباء عن علاجها؟ والخدعة هنا تأتي على هيئة معجزة العلاج، ثم يأتي الطلب بنشر الرسالة بين عدد محدد من القراء. هل يصنع العدد فارقًا؟ بالتأكيد لا، لكنه يكمل الجانب الأسطوري من القصة. أما العواقب، فهي التي ستلحق بالمختار الذي وصلت إليه الرسالة: إما الخير لنشرها، وإما الويل والحظ التعس حال تجاهلها.
لماذا تنتشر الخطابات الساذجة؟
رغم إفراطها في السذاجة، تضع المعلومات الموجودة في هذا النوع من الخطابات متلقيها أمام خيارين، ولكل خيار احتمالان، إن نفَّذت الطلب وأرسلت الرسالة إلى العدد المطلوب، إما (1) يتحقق الوعد بالحظ السعيد أو الرزق الوفير، وإما (0) لا يحدث شيء، بينما إن تجاهلتها، إما أن (1) تتحقق اللعنة أيضًا وتصاب بالحظ السيئ، وإما (0) لا يحدث شيء كذلك.
بعد حذف الاحتمالات الصفرية وتصفية الاحتمالات، يجد ضحية الرسالة أنه أمام خيارين أساسيين: الخير في النشر والويل في عدم النشر. فماذا يفعل شخص لا يملك يقينًا أو معلومة مؤكدة تجاه رسالة تتنكر في رداء أسطورة؟ سيختار الحل الأسلم بالطبع، لن يخسر شيئًا بنشر الرسالة، بل قد يكسب رزقًا وفيرًا، غير أن الأمر ربما يكون حقيقيًّا، ويصيبه الحظ السيئ إن لم يُعِد نشرها. كان هذا رأي أحمد نشأت (29 عامًا)، الذي أعاد طبع إحدى هذه الرسائل ونشرها حين كان مراهقًا. يؤكد لـ«منشور» أن غيره صدَّقها بالتأكيد، وإلا «ما كانت وصلت إليَّ، لكن الآن لا يمكن إنكار سذاجة الفكرة».
ثمة دافع آخر لتصديق هذه الرسالة، وهو أن ضحيتها سيبذل جهدًا لتنفيذ الطلب، فهل يضيع جهده هباء؟
القاعدة الفطرية تقول إن كل عمل لا بد من أجر عليه. كي تستحق الترقية المنتظَرة التي وعدك بها الخطاب لا بد من أن تدفع ثمنًا من وقتك وجهدك بإعادة نسخه ونشره، وبالطبع لا تنتظر شيئًا إن لم تقدم شيئًا. هكذا كانت المشقة المصاحبة لعملية نشر الخطابات العنقودية جزءًا أساسيًّا في تشكيل أسطورتها.
انشرها ولك الأجر
لا يعتمد النمط الجديد من القصص على صيغة تهديدية، بل يميل إلى الجزاء الأكيد كعاقبة لنشر الخير، وإذا لم تنشرها، فاعلم أن الشيطان قد منعك.
بمقارنة الجهد الذي تبذله لطبع 13 نسخة من خطاب ما، وتوزيعه يدًّا بيد، وجهد ضغط زر إعادة إرسال إلى 50 شخصًا في قائمتك البريدية، أو بعد ضغط عدة أزرار لنشر نفس الخطاب في موضوع لا يستغرق دقائق على أحد منتديات الويب، بالتأكيد ستجد الإنترنت وسيطًا أسرع وأكثر فعالية لنشر ما يُطلَب منك نشره، ما دام لا ضرر منه. جهد أقل، لكنه لا يزال يحقق شرط «الجهد» لتصديق هذه الرسائل. في النهاية هذه ليست فيزياء، وليس بالضرورة أن رد الفعل يساوي الفعل في المقدار.
لا يتناسب الجهد المبذول لنشر الخطاب على وسيط الويب الجديد مع صيغة «الجائزة/اللعنة» التي اعتمدتها الخطابات القديمة، إضافة إلى أن وعي مستخدم الإنترنت أصبح أكثر انفتاحًا ومنطقية، ولا يعترف باللعنات أو الأساطير، لذا اضطرت الرسائل العنقودية إلى التطور، خلعت رداء الأسطورة لصالح رداء نشر الخير، ومن يعمل خيرًا يره بالطبع. لذا كانت صياغات مثل «شير×الخير» و«انشرها ولك الأجر» الرداء الجديد. هذا ما تجده بعد البحث، في غوغل، في فئة الصور (بعد القلشات بالطبع): أذكار، ودعوات يقول ناشروها إن تأثيرها أقوى، ومعلومات دينية ترتدي زي الإعجاز العلمي، ووصفات علاجية من الطب الرخيص والشعبي.
رغم اتفاقهما في طلب النشر بشكل مباشر، يختلف النمط الجديد عن القصص المخادعة القديمة من الخطابات العنقودية في أنه يقدم معلومات بصيغة تقريرية يقينية، ولا يعتمد صيغة تهديدية، بل يميل أكثر إلى الجزاء الأكيد كعاقبة لنشر الخير، وإذا لم تنشرها، فاعلم أن الشيطان قد منعك عن الخير طبعًا، لذا لا تجعلها تقف عندك.
استقر الوسيط الجديد بالتزامن مع تسهيل وصول خدمات الإنترنت إلى العرب. فقد كانت العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين مرحلة ظهر فيها مقهى الإنترنت مشروعًا يدر أرباحًا هائلة، حتى وصل الويب إلى المنازل ليكون بمثابة انفتاح أبواب المعرفة واكتشافها، وأصبح من الفضائل إعادة نشرها حتى دون التأكد من صحتها، وتشكلت بيئة صالحة لنشر الشائعات وخلق أساطير جديدة لجيل الألفية، على غرار النداهة والغول في الأساطير الغابرة.
أساطير الويب المعاصرة: محتوى ينشر نفسه
كانت صورة الكائن الهجين بالفعل حقيقية، لكنها لمجسم صنعته فنانة أسترالية وعرضته عام 2003 في معرض لها اسمه «جلد طبيعي».
لو كان لديك منفذ إلى الويب في الفترة بين 2004 و2006، لربما تذكر ذلك الموضوع الذي لقي رواجًا بين منتديات الويب العربي حينها، صورة لكائن هجين بين الإنسان والحيوان، هيكل إنساني محني يغطي ظهره الشعر ووجهه يشبه الفأر.
قيل حينها إنها فتاة سخرت من القرآن، فمُسِخَت إلى هذا الكائن، وانتشرت الصورة فيروسيًّا بين المنتديات الشعبية العربية بالقصة ذاتها: فتاة عمانية سخرت من القرآن، وقذفت بالمصحف من يد أمها، فدعت عليها، فتحولت إلى هذا الكائن في التو.
في كتابها «حول الفوتوغراف»، توضح الكاتبة الأمريكية «سوزان سونتاغ» أن الصورة التي «لا تفسر نفسها، تثير التأمل والخيال والاستدلال». والواضح أنها أثارت خيال أحدهم لخلق قصة خيالية عنها يليق بها التحول إلى أسطورة، لذا لقيت هذه القصة الواهية حظًّا وافرًا من الانتشار حينها، كما سُمِّي الكائن المسخ باسم لا معنى له يليق بأسطورة، وهو «المعيسلانة»، حتى إنها نُشِرَت في إحدى جرائد الفضائح حسبما أذكر.
ما لم تنشره تلك الجريدة حينها أن القصة غير حقيقية رغم أن الصورة حقيقية، لكنها لمجسم صغير صنعته فنانة أسترالية اسمها «باتريشيا بيسيني»، عرضته عام 2003 في معرض لها اسمه «جلد طبيعي».
لفهم أسباب انتشار محتوى كهذا، دون طلب إعادة النشر، يتوجب البحث في سياقها الزمني. كانت شهور قد مرت على الغزو الأمريكي للعراق، وما أعقبها من فضائح تعذيب السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، وما صاحبه من شعور عام بالإحباط والهوان العربي المسلم.
ومثلما كانت الظروف دافعة لظهور قصص مصورة عن «جليلة وزين وراكان وآية» الأبطال العرب ذوي القوى الخارقة، كانت مهيئة أيضًا لانتشار قصص عن ظواهر خارقة توحي بأن قوى أعظم ستتدخل حتمًا لرد أي عدوان على مقدسات المسلمين، كوعد بالخلاص يأتي من خارج حدود المنطق، مثل تحويل بشري إلى مسخ، أو الشائعة الأخرى الشبيهة حول ظهور جني حقيقي في أحد كهوف إمارة رأس الخيمة الخليجية. وبالطبع لا يحتاج محتوى مثل هذا لطلبات تحث المتلقي على إعادة نشره، حتى مع الجهد والوقت اللازمين للنشر قبل ظهور السوشيال ميديا.
مثلما ظن محرر الصفحة الذي كتب ملاحظة أن «الصورة تعرضت للتحليل الفني بواسطة الخبراء، وتبلغ نسبة صحتها 100%، وعلامات الفزع واضحة على وجهه بعد مفاجأته بالفلاش»، ربما تظن للوهلة الأولى أن ما يظهر بعيون لامعة من أثر الفزع جني حقيقي. لكن «عناكب غوغل» تتيح لنا البحث بالصورة، ويمكن أن تعرف أن هذا الكائن مصنوع من الجبس، وأن عينيه المفزعين مصابيح موصلة بالكهرباء داخل أحد بيوت الرعب الترفيهية في باكستان.
شير وريتويت: قوة السوشيال ميديا
أول صفة تميَّز بها فيسبوك وقدمها لجذب مستخدمي الويب من أصحاب تجربة التدوين الشخصي عبر المدونات أو هواة النقاشات العامة من خلال المنتديات، كانت السرعة. فمع فيسبوك لا تحتاج إلى استخدام محرر نصوص عام 2007. كل ما عليك أن تكتب النص وتضغط «نشر». كان بإمكانك أيضًا متابعة ما يضيفه أعضاء قائمة أصدقائك من تحديثات أولًا بأول، وذلك بضغطة «Refresh» (تحديث) لمتصفحك، ولم تحتج لعملية طويلة قبل إضافة تعليق عليها.
في نهاية 2007، أضاف فيسبوك خدمة استحوذ بها على جزء أكبر من اهتمام المستخدمين ووقتهم، فصار بإمكانك كمستخدم الآن أن تنشر (Share) رابطًا من موقع آخر غير فيسبوك عبر حسابك الشخصي، ويمكن لأصدقائك التعليق عليه وإعادة نشره. وخلال ثلاثة أعوام أضاف فيسبوك عدة تحسينات رفعت عدد مستخدميه إلى أكثر من 600 مليون مستخدم، منهم أكثر من 15 مليونًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2010.
حينها كان رقمًا كبيرًا يكفي لأن يطلب نجم لامع بين أوساط الشباب والمراهقين العرب حينها، مثل عمرو خالد، مليوني مشارك في حملته الأخلاقية «انترنت بلا فتنة»، ويسعى لوضع منظومة قيمية لـ«اللايك» و«الشير» بين المستخدمين تحت شعار «شير في الخير»، الحملة التي انطلقت مطلع يناير 2011، ولم تمهلها موجات ما أُطلِقَ عليه «الربيع العربي» وقتًا كافيًا، فانتهت في منتصف عمرها.
ادَّعى بعضهم حينها أن «شير في الخير» حملة مضادة، على استحياء، لحملات صفحة «كلنا خالد سعيد» التي كانت تجرب قوة السوشيال ميديا، قبل الدعوة إلى ثورة 25 يناير، التي توالت فيها النداءات #شير و#ريتويت الملهوفة، تطلب المشاركة أو مساعدات للمستشفى الميداني، أو مجرد نشر رأي معين، أو توجيه فريق معين. كلها إعادة تدوير لأسلوب الخطابات العنقودية، إذ تطلب نشر محتوى ما بين مجموعات أوسع، بغض النظر عن مدى منطقيته أو صحته. وباعتبارها قوة، تمثل السوشيال ميديا رادعًا وتهديدًا لأفراد ومؤسسات كبرى.
من أجل حفنة لايكات
ظهرت طرق دعائية على فيسبوك تستفز المستخدمين، وتدفعهم إلى إعادة نشر المحتوى مصحوبًا بتعليق استنكاري.
ابتلع فيسبوك سوق الإعلام والإعلان عبر الويب. ففي 2012 تجاوز عدد سكان العالم سبعة مليارات نسمة، وفي أكتوبر من نفس العام احتفل فيسبوك بوصوله إلى مليار مستخدم، ليضم سُبع سكان العالم، ويصير ثالث أكبر دولة من حيث السكان بعد الصين والهند، وثاني أكبر سوق في العالم لمستخدمي الويب بعد غوغل.
الآن يمكن قياس نجاح المحتوى أو المنتج بمجهود أقل ودقة أكثر من ذي قبل: إعجاب المستخدمين، ومرات إعادة النشر، هما المقياس الجديد. وتتفاوت القيمة التسويقية للصفحات بحسب عدد متابعيها (زبائن المنتَج).
أحيت تعديلات فيسبوك ونجاحاته هوس النشر وطلب إعادة النشر القديم، بين المحتوى المخادع والمزيف، أو الترفيهي والمعرفي، بُعثت الخطابات العنقودية من قبرها في ثوب جديد: «انشرها ولك الأجر».
لم يتوافق هذا مع طبيعة المستخدِم الجديد الذي اعتاد السخرية من مَنطق الجائزة المنتظَرة، والذي، غالبًا، يعترف فقط بما يراه ماثلًا أمامه. لم تقدر الطريقة التقليدية التي تَعِد ضحيتها بأجر غير محدد أو معلوم على السوق الجديدة التي أنتجت طرقًا تنافسية إبداعية وتسويقية لا حدود لها. ظهر نمط مخادع جديد أساسه جائزة نقدية ضخمة أو سيارة فارهة يحصل عليها مستخدم يكون اختياره عشوائيًّا: كل ما عليك لتستحق الجائزة ضغط زر الإعجاب، وإضافة تعليق، وإعادة نشر المحتوى.
أو عن طريق استفزاز المستخدمين، ودفعهم إلى إعادة نشر المحتوى مصحوبًا بتعليق سلبي أو استنكاري. في مصر مثلًا، اعتمدت بعض الصفحات على استفزاز المستخدمين بإعلان عن قميص قطني عادي بسعر مُبالَغ فيه يصل إلى 15000 جنيه (ما يقرب من 835 دولارًا). حققت الصفحة غرضها، وانتشر الإعلان عبر الشبكات الاجتماعية، ونُشِرَ على ثلاثة مواقع إخبارية واسعة الانتشار، وبعده زاد عدد متابعي الصفحة من سبعة آلاف فقط إلى أكثر من 300 ألف متابع، لكنها جمَّدت نشاطها في ما يبدو أنه خطوة قبل بيعها.
بعد المليار الأول، بكل ما تضمنه من تنوع عرقي وعقائدي وفكري، أضاف فيسبوك عدة تحسينات متنوعة، فمكَّن مستخدميه من التفاعل مع المحتوى بشكل أكبر من الإعجاب أو التعليق أو إعادة النشر: التعبير عن الغضب أو الضحك أو الاندهاش أو الحزن. ويوفر لك فيسبوك هذه الانطباعات بضغطة زر لينمو عدد مستخدمي الموقع بوتيرة أسرع من تزايد عدد سكان العالم، ويتجاوز خلال أربعة أعوام المليار الثانية في 2018، فيما زاد سكان العالم نصف مليار فقط خلال نفس الفترة.
قد يهمك أيضًا: البروباغندا: أعظم مغامرات دعائية في التاريخ
كيف تدعو إلى دين جديد عبر هذه الخطابات؟
لن نبالغ حين نقول إن نصوصًا، كالخطابات العنقودية والصور المصمَّمة بحرفية وسائل يمكن عن طريقها التبشير بدين جديد أو أيديولوجيا جديدة، فهي ثقافة عالمية وقديمة وجدت طريقها بين ثقافات شتى وبأغراض مختلفة.
بالطبع لن يصدق كثيرون أيًّا من هذه القصص. لكن بالتأكيد سيأخذها كثيرون على محمل الجد، أو على الأقل سيفكرون في أنهم لن يخسروا شيئًا إن أعادوا نشرها، وبخاصة لو حملت صورًا مخادعة أو لا يمكن تفسيرها، وإلا ما كانت وصلت إلينا أصلًا.
المبشرون بادعاء أن الأرض مسطحة وسط مجتمع يؤمن باعتقاد راسخ وقديم بأن الأرض كروية أو بيضاوية، ويملك صورًا لها ككرة زرقاء من الفضاء، بالتأكيد استخدموا تقنية الخطابات العنقودية ضمن تقنيات أخرى لحشد هذه الأعداد من المؤمنين بتسطُّح الأرض ممن يعيشون على «الكرة الأرضية». المهم أن تجد من يعيد نشر المحتوى حتى لو نشره مع تعليق سلبي، سيجد وسط ملياري شخص بضعة آلاف من المؤمنين.
عبد الله غنيم