«حارة الدراجات الهوائية»: هل نحن في أمان؟

أحمد الكندري
نشر في 2021/06/02

الصورة: كونا - التصميم: منشور

فاتني منبه يوم الجمعة 12 يوليو 2019 الساعة الرابعة فجرًا استعدادًا لركوب الدراجة، لأستيقظ صباحًا على مكالمة صديق يخبرني فيها أن صديقي المقرب عبد العزيز المذكور تعرض لحادث أثناء قيادته للدراجة على جسر جابر، بسبب إهمال من قائد السيارة. أدى هذا الحادث إلى رحلة علاج كانت بمثابة رحلة كفاح استمرت قرابة السنتين، تشبث فيها بروحه الصلبة المُلهمة، برفقة والده البشوش، لاستعادة المشي في مستشفى بكوريا الجنوبية، نتيجة لعدة كسور في ظهره. ولا يزال عبد العزيز في حالة التعافي بعد رجوعه. 

بعد ذلك الحادث بقرابة عشرة أشهر فقط صُعقنا بحادث وفاة سعد السبيعي رحمه الله، في المكان ذاته وعلى دراجته الهوائية. كان لهذا الحادث وجعه العميق في روحي، إذ كيف سأتجاوزه، وكيف سأتمسك بمقابض دراجتي التي قضى سعد ساعتين من يوم إجازته في تجهيزها لي، قبل أن أشتريها منه؟

هذه الحوادث المتكررة الناتجة عن قصور وإهمال من مؤسسات الدولة في توفير أماكن ومسارات آمنة للدراجات، تبث الذعر في نفوس كل ممارسي هذه الرياضة. أنا شخصيًا كما العديد من الأصدقاء نعيد النظر مع كل حادث، هل نستمر في ممارسة هذه الرياضة، أم أنها تعد مخاطرة من الأجدى أن نتجنبها إلى حين أن تصبح أكثر أمانًا؟ في ظل أن العديد من الممارسين توقفوا فعلًا أو أثرت بشكل أو بآخر بالانتظام على هذه الرياضة. والسؤال يبقى: كم روحًا سنخسر، وكم عزيزًا سنفقد حتى تتحقق أبسط المطالبات، ونرى حلولًا على أرض الواقع؟

حال الدراجات الهوائية

الصورة: كونا

«نتمنى أن نرى القرار نافذًا في فترة قريبة، بحيث أن كل مرتادي الطريق من أصحاب الدراجات الهوائية يكونون في أمان»، هذا آخر ما قاله سعد السبيعي رحمه الله إلى المعنيين بأمان الطرق من جهات حكومية ومجتمعية.

جاءني اتصال من والدتي تقول فيه: «بيني وبينك هذه الدراجة، إما أن تختارني أو تختار دراجتك»، هذا ما رواه متعب المطيري الذي كان في صحبة سعد السبيعي لحظة وفاته في لقاء له مع القبس.

بالتأكيد ليست الحادثة الأولى، فهناك أرواح أخرى سبق أن فارقت الحياة، أو تعرضت لإصابات بليغة، تاركة كل الآثار البدنية والنفسية لضحايا تقصير الدولة في تأمين الطرق للدراجات الهوائية، وتاركة كل الأسى والذعر في نفوس قائدي الدراجات ممن خسروا صديقًا أو زميلًا كان يشاركهم كل يوم هذه الرياضة، أو حتى إن لم يكن صديقًا مقربًا، فالجميع يعرف أنه، أو شخص مقرب له، قد يكون التالي.

ذكرى سعد باقية

آخر فيديو مسجل ظهر فيه سعد السبيعي كان يرد وقتها على من يستخفون بتلك المطالبات، ثم قضى حتفه قبل أن يتمكن من إقناعهم. انطلقت حملة من المطالبات بعد وفاة السبيعي لإنشاء مسار (مضمار) خاص بالدراجات، وعلى إثرها وبتحرك من بعض الدراجين مع اللجنة الأولمبية بالتنسيق مع بعض جهات الدولة، كانت هناك بعض الحلول كإغلاق جسر جابر كل صباح يوم جمعة لمدة ثلاث ساعات، ليكون مخصصًا للدراجات فقط. وكان هناك أيضًا تنسيق مع «حلبة السيارات KMT» لتخصيص يومي السبت صباحًا والثلاثاء مساء للدراجات فقط، وهي الأفكار التي لاقت استحسان لاعبي الدراجات ليمارسوا ولأول مرة رياضتهم في مكان آمن بالفعل.

ولكنها، كما كان الجميع مدركًا، حلول مؤقتة وليست دائمة، فلم تستمر لأكثر من موسم واحد، كما أنها ليست كافية للاعبين المحترفين الذين يمارسون ركوب الدراجات بشكل يومي، وقد تكون مواعيدها غير مناسبة للاعبي رياضة «الترايثلون».

عُقدت جلسة لمجلس الأمة في 2019 إثر حادثة سعد كذلك بدعوة من النائب عبد الكريم الكندري باسم «الانفلات المروري»، وتطرقت إلى الحوادث المؤسفة نتيجة عدم توفر أي نوع من الحماية لقائدي الدراجات الهوائية في طرق وشوارع الكويت، أو حتى في ثقافة قائدي السيارات الذين عليهم مشاركة الدراجات في الطريق، وهو ما يسبب خطرًا فعليًا على أرواحهم نتيجة لذلك.

انتهت الجلسة باقتراحات وتوصيات مثل إنشاء مسارات خاصة للدراجات الهوائية، وتفعيل التأمين على الدراجات، وتغليظ العقوبات على المتسببين في إلحاق الأذى، ومنح الأولوية القانونية والأحقية المرورية في بعض الطرق لراكبي الدراجات. وأحيل تقرير التوصيات إلى لجنة الداخلية والدفاع في مجلس الأمة، إلا أن المجلس انتهى وعُقدت انتخابات جديدة في ديسمبر 2020، ولم تُطرح التوصيات مجددًا على المجلس الحالي.

يذكر مبارك الهاجري، وهو عضو مؤسس في فريق دراجات جامعة الكويت وفني ومدير سابق لمنتخب السيدات للدراجات الهوائية، أن لاعبات ولاعبي رياضة الدراجات تحركوا لتقديم أربعة مقترحات بتخصيص مسارات خاصة للدراجات في أربعة مناطق مختلفة، هي صبحان والأحمدي وجابر الأحمد وجسر جابر.

مسارات الخليج والمجلس البلدي

الصورة: الأنباء

تبنت المقترح السيدة مها البغلي عضوة المجلس البلدي، والتي تبدي اهتمامًا كبيرًا وجديًا بالموضوع. ووافقت لجنة محافظة مبارك الكبير بالمجلس البلدي على مقترح مسار منطقة صبحان باسم «مسار سعد» في نهاية فبراير الماضي، والذي يبلغ طوله 17 كيلومترًا (34 كيلومترًا ذهابًا، ومثلهم إيابًا) وبعرض ثمانية أمتار.

أتت مواصفات هذا المسار الفنية محاكية للمسار الأولمبي في قطر، والذي دخل موسوعة غينيس كأطول مسار في العالم للدراجات الهوائية بطول 33 كيلومترًا (66 كيلومترًا ذهابًا، ومثلهم إيابًا)، وأيضًا مسار القدرة في الإمارات. وبالمقارنة مع باقي دول الخليج، نجد أن البحرين أنشأت مؤخرًا مسارًا للدراجات بطول 10 كيلومترات.

والآن في الكويت ندخل دوامة «حيز التنفيذ»، والتي يمكن لخيالك أن يتسع لتخيل متى سيبدأ دق المسمار الأول، وكم سيستغرق، وكم روحًا ستتعرض للخطر ريثما يكتمل. ومع كل خبر نقرأه عن أي مسار جديد في أي بقعة من العالم، ينظر بعضنا إلى بعض ولسان حالنا يقول: ألا يهتم أحد هنا بسلامة أرواحنا؟

يسخر البعض من هذه المطالبات، بحجة: هل انتهينا من مشاكل هذا البلد حتى نستمع إلى مطالب الدراجات الهوائية؟ حسن، لا يختلف أحد على أحقية بل وأولوية العديد من القضايا السياسية والإنسانية والاجتماعية، فالقائمة تطول بالقضايا المهمة التي لا تتجزأ، ومنها حماية أرواح البشر. هذه ليست لعبة أولويات، بل حماية أرواح.

جزء من حياتنا اليومية

مع تأثير الجائحة، زاد انتشار ركوب الدراجات بين العامة في المناطق السكنية، فهل سنشهد تطورًا حيال هذا الموضوع؟ أم أننا ننتظر ضحية أخرى تحركه؟

تعتبر الدراجات الهوائية المخصصة للتنقل وليس الرياضة جزءًا من حياتنا اليومية، ففي خلال سنة الجائحة لاحظنا كيف ازداد ارتياد الناس للشارع للتمشية أو ركوب الدراجات كلٌّ في منطقته بسبب الحظر. وفي نفس الوقت لاحظنا افتقار أي نوع من الاهتمام في الشوارع والطرق العامة، فلا توجد علامات وخطوط أرضية في الشارع لتنبيه سائقي السيارات بأحقية مرور الدراجات الهوائية.

وحتى إذا ما نظرنا إلى المناطق الجديدة والطرقات التي أُنشأت مؤخرًا، نجد أن الدراجات لم توضع في الاعتبار أثناء تصميم أي شارع أو منطقة جديدة، فأصبحت كشيء دخيل على الطريق، وليس لها حق أصيل في الوجود.

وبالحديث عن حق الوجود، ألاحظ العديد من التعليقات على أي خبر عن الدراجات الهوائية تلوم الراكبين على وجودهم أساسًا في الشارع. وقد يصل قصور الوعي هذا حتى إلى رجال الشرطة، فتروي سارة الفلاح، وهي أستاذة مساعدة في جامعة الكويت ولاعبة منتخب الدراجات الهوائية، أن أحد رجال الأمن استوقفهم أثناء ممارستهم للتمارين في الصباح الباكر، معترضًا على ركوبهم للدراجة دون أي سبب، وألزمهم بالرجوع بسياراتهم. 

وتضيف الفلاح لـ«منشور»: «تعرضنا للإيقاف من قبل الشرطة في وقت تمرين المنتخب لأسباب غير مبررة، وضاعت ساعة أو أكثر لتبرير الأسباب التي لم تكن تستند على لوائح وقوانين». بهذه البساطة، يعتبر المنع قصورًا في الوعي وتعسفًا بالتعدي على حقهم في ركوب الدراجة.

هذا القصور في فهم قانون المرور من قبل رجال الشرطة يؤكد أزمة الوعي التي تعانيها الدولة والمجتمع بالنسبة لقواعد الدراجة الهوائية. وتشير المادة 148 من قانون المرور إلى أنه «على قائد الدراجة أن يلتزم الجانب الأيمن لنهر الطريق، ويُحظر عليه السير فوق الرصيف». ثم تكمل المادة بسرد حالة الاستثناء التي تكون بتخصيص حارة لسير الدراجات عند توافرها في المنطقة: «عند وجود مسار مخصص لسير الدراجات فيجب التزامه، ولا يجوز الخروج منه، وعلى قائدي الدراجات أن يسيروا فرادى الواحد خلف الآخر».

ركزت في حديثي على رياضة دراجات الطريق أو ما يسمى «Road Bike»، ولم أتطرق بشكل كافٍ إلى الدراجات المستخدمة غالبًا للتنقل، مثل الدراجات الهوائية المصممة للاستخدام داخل المدينة والمسماة «City Bike»، والتي أيضًا لا تختلف احتياجاتها المبدئية عن احتياجات رياضة الدراجات، في أن يكون الطريق، ببساطة، ممهدًا لها. مع تأثير الجائحة، الذي زاد من انتشار ركوب الدراجات بين العامة في المناطق السكنية، هل سنشهد تطورًا حيال هذا الموضوع؟ أم أننا ننتظر ضحية أخرى تحركه؟

أحمد الكندري