آسف على التأخير: لماذا لا يلتزم كثير منا بمواعيدهم باستمرار؟
«آسف، تأخرت عن الموعد». تكون هذه الجملة أول شيء تسمعه من عدد كبير من الناس، سواء قابلتهم في لقاء عمل أو على مقهى أو خلال عشاء مع الأصدقاء، أو حتى في موعد عاطفي. هل تعرف شخصًا يفعل هذا باستمرار؟ أو هل تفعل أنت هذا باستمرار؟
السؤال الأهم هو: لماذا يتأخر بعضنا عن المواعيد بينما يلتزم آخرون؟ يحاول مقال على موقع «سايكولوجي توداي» بحث هذه الظاهرة وفهم أسبابها واقتراح علاج لها، ربما يفيدك إذا كنت تعاني شخصيًّا من التأخير المستمر عن مواعيدك.
آخر الحضور أفضل من أولهم
بحسب المقال، هناك عديد من الأسباب التي تجعل الناس لا يستطيعون الوصول إلى مكان ما في الوقت المحدد، لكن يبدو أن هناك عاملًا مشتركًا في سلوك الأفراد الذين يعانون مشكلة التأخير عن المواعيد باستمرار، قد يكون السبب الأساسي لتأخرهم الدائم ولكننا نتجاهله. يتمثل هذا السبب، ببساطة، في أنهم لا يريدون الحضور في وقت مبكر.
حتى عندما يحاول بعض الناس أن يكونوا منظمين ويحترموا وقت الآخرين، فإنهم يأتون متأخرين.
تقول كاتبة المقال إن معظمنا يعرف أشخاصًا منضبطين في مواعيدهم لأنهم يكرهون التأخر، وقد تكون أنت أو شخص تعرفه ضمن هذه الفئة، ممَّن لا يشعرون بالراحة إذا تأخروا عن أي موعد، فيصلون إلى الأماكن في وقت مبكر جدًّا، ويتطلب هذا منهم إيقاف سياراتهم بالقرب من موعد اللقاء، وربما الانتظار خلسة حتى لا يلاحظ الآخرون موعد وصولهم المبكر.
لأن هؤلاء الناس يكرهون التأخير عن المواعيد، فهم دائمًا موجودون في الوقت المحدد أو قبله. ولكن مثلما يكره هؤلاء التأخير، فإن هناك أشخاصًا يكرهون الوصول في وقت مبكر كذلك، ولهذا يسعون وراء الدقة التامة في مواعيدهم، لأنهم يكرهون الوصول مبكرًا ويفضلون الوصول في الوقت المناسب بالضبط.
الرغبة في تجنب الوصول في وقت مبكر هي الدافع الذي يفسر، في رأي كاتبة المقال، تأخر كثير من الناس عن مواعيدهم.
عندما تسأل أي شخص لماذا يأتي متأخرًا إلى العمل، سيخبرك بأن الأسباب النموذجية المفترضة لا تفسر بالضرورة عادته، وحتى عندما يحاول بعض الناس أن يكونوا منظمين ويحترموا وقت الآخرين، فإنهم يأتون رغم ذلك في وقت متأخر.
عادةً ما يتأخر هؤلاء الناس خمس دقائق أو حتى ربع ساعة، وربما لا يضر هذا التأخير أحدًا، لكن الأمر لا يزال مزعجًا لمَن حولهم. ورغم الرغبة الشديدة في التخلص من هذه العادة، يشعر هؤلاء الأشخاص بالتضارب بين رغبتهم أن لا يتأخروا، ورغبتهم أن لا يصلوا مبكرًا.
يصعب التوفيق بين هاتين الرغبتين المتناقضتين، لكن لماذا يكره هؤلاء الأشخاص أن يأتوا في وقت مبكر؟ يرى المقال أن هناك أسبابًا مختلفة، ونعرض هنا أكثر هذه الأسباب شيوعًا.
1. الوصول مبكرًا غير فعال
تأخُّر الرئيس التنفيذي لشركة «سيتي غروب» ربع ساعة عن لقاء مع 4 موظفين قد يكلفه 4 آلاف دولار.
يتطلب الوصول في وقت مبكر الجلوس والانتظار دون فعل أي شيء، ويكون وقت الانتظار قصيرًا نسبيًّا فلا يسمح بفعل أي شيء آخر، وبمجرد أن تحاول بدء أمر ما، يحين وقت اللقاء.
2. الوصول مبكرًا يسبب عدم الارتياح
يشعر مَن يصلون مبكرًا بنوع من عدم الراحة خلال الانتظار، وقد يبدو الأمر وكأن الآخرين يراقبونهم ويتحدثون عنهم، سواء كان هذا صحيحًا أم لا. فالوصول في وقت مبكر بدقائق قليلة يجعلك تشعر بالفخر والثقة، لكن الوصول في وقت مبكر جدًّا يجعلك تشعر بأنك أحمق.
يخشى الناس أن يعتقد الآخرون أنهم لا يملكون في حياتهم ما هو أهم من هذا اللقاء/الموعد، ولا يريد أحد أن يظن الناس أن وقته ليس له قيمة. إذا كنت تأتي قبل الوقت المحدد بدقائق قليلة فقط فهذا شيء رائع، أما إذا وصلت في وقت مبكر جدًّا، فستشعر بالقلق من أنك أتيت متلهفًا أكثر ممَّا يلزم لهذا اللقاء.
3. احترام وقتك ووقت الآخرين
مثلما يكون لوقت الشخص الآخر قيمته التي تَوَدُّ احترامها بوصولك في الوقت المحدد، فإن وقتك له قيمة أيضًا، وتفضل أن تستخدمه بشكل مثمر على أن تجلس منتظرًا دون جدوى.
أحيانًا يتجنب الناس الحضور مبكرًا من باب الكياسة، فلا يريد أحد أن يُعكِّر صَفْو شخص ما بالوصول إلى منزله مبكرًا جدًّا، لذا يفضل بعض الناس بدلًا عن ذلك أن يتأخروا قليلًا.
4. تكلفة التأخير
مع أن أفرادًا عديدين يرون أن الوصول في وقت مبكر فضيلة، لا يرى كثيرون الأمر كذلك، لأن حضورك في وقت مبكر ليس له أي قيمة بالنسبة إليهم، وهو مضيعة للوقت فحسب.
يجب عدم التفكير في طُرُق الوصول في الوقت المحدد، بل في استثمار الوصول مبكرًا.
تشير الكاتبة إلى مقال نُشر عام 2002 في موقع «USA Today» يناقش تكلفة تأخير المديرين التنفيذيين، ووجد أن وصول «سانفورد ويل»، الرئيس التنفيذي لشركة «سيتي غروب»، متأخرًا لمدة 15 دقيقة عن لقاء مع أربعة من أعلى الموظفين أجرًا يكلف الشركة 4250 دولارًا، وهذا ثمن وقت الموظفين الأربع.
أجرى المقال هذا التقدير في عام 2002، وتدعونا الكاتبة للتفكير في تكلفة نفس التأخير اليوم، لكنها تشير مع ذلك إلى إمكان تطبيق الحُجَّة نفسها على تكلفة الوصول في وقت مبكر، فإذا وصل الموظفون الأربع قبل أن يصل الرئيس بربع ساعة ستتكلف الشركة 4250 دولارًا كذلك، وهي تكلفة الوقت الضائع في الانتظار، وفي كلتا الحالتين، الوقت يساوي مالًا.
كيف نغير هذه العادة؟
مهما حاولنا أن نبيِّن محاسن الحضور المبكر للآخرين، سيبقى هناك من يرى في التأخير فضيلة.
من المستحيل أن نصل في موعدنا كل مرة بالتأكيد، وبما أننا لا نستطيع التحكم في الظروف الخارجية مثل حالات الطوارئ المرورية والأُسَرية، فإن الطريقة الوحيدة لتجنب التأخير كما يذكر المقال هي محاولة الوصول قبل بضع دقائق من الموعد الأصلي.
يعيدنا هذا إلى مشكلة الدافع مرة أخرى، فكيف يمكن لشخص يرفض فكرة الوصول في وقت مبكر أن يخاطر بالوصول مبكرًا من أجل أن يصل في الوقت المحدد؟
في كثير من الأحيان، عندما يصل أحدنا إلى المكان المحدد في وقت مبكر، فإنه يقرر أن يمنح نفسه وقتًا أقل في المرة القادمة للوصول إلى المكان نفسه، والحل الوحيد لتغيير هذه العادة هو عدم التفكير في طُرُق الوصول في الوقت المحدد، بل في كيفية جعل الوصول مبكرًا أكثر قيمةً.
تشير الكاتبة إلى أن مقال «USA Today» ذكر أن «مايكل ديل»، الرئيس التنفيذي لشركة «ديل»، يذهب إلى الاجتماعات في وقت مبكر قليلًا، ويحاول الاستفادة من ذلك الوقت. يقول ديل إنه يحاول الوصول إلى الاجتماعات في وقت مبكر قليلًا حتى يستطيع رؤية الحالة المزاجية للفريق، ولكي تكون لديه فرصة للتفاعل بشكل غير رسمي قبل بدء العمل الجاد.
سيساعدك إعادة تصور الوقت المبكر كشيء ثمين لكي تشعر بأنك تستخدم وقتك بطريقة إيجابية لنفسك أو لمصلحة شخص آخر. أما إذا كنت تحاول تحفيز شخص كي يتوقف عن التأخر، فإن الكاتبة تذكرك بأنه مهما حاولنا أن نبيِّن محاسن الحضور المبكر للآخرين، سيبقى هناك من يرى في التأخير فضيلة.
ترجمات