أكره جسمي: حلم «الجسد المثالي» يدمر حياة المرأة العربية منذ طفولتها
أعشاب لحرق الدهون، وشاي صيني لإنقاص الوزن، وأدوية لسد الشهية، وربط للمعدة، كلها وسائل تلجأ إليها النساء لتشكيل أجسادهن على النحو الذي يفضله المجتمع، وأحيانًا قد تلقي بهن الرغبة في امتلاك جسد مثالي إلى التهلكة.
ويحكي مقال على موقع «ميدل إيست مونيتور» قصص صراع النساء على قوالب «الجسد المثالي» ومقاييس «الجمال الحقيقي» التي تفرضها المجتمعات العربية.
بين اضطرابات الأكل وتشوهات الروح
تُلاحق اضطرابات الأكل النساء من كل الأعمار وفي كل مكان، حتى أصبح شائعًا أن ترى طفلة صغيرة لم تتعدَّ الحادية عشرة تُجوِّع نفسها للحصول على جسد عارضات الأزياء الممشوق.
في العالم العربي، رغم مراقبة المجتمع المستمرة لأجساد السيدات ومظهرهن عمومًا، ليس هناك وعي بالقياسات المتطرفة التي تحاول النساء الوصول إليها باعتبارها مقاييس الجمال الحقيقية، إضافةً إلى أن عدد الدراسات التي أُجريت عن اضطرابات الأكل في المنطقة العربية قليل للغاية، مقارنةً بالتأثير الواقعي لهذه الاضطرابات.
ورغم أن المجتمعات العربية لا تأخذ اضطرابات الأكل بجدية، إلا أن هوس القوام الممشوق وانتقاد مظهر النساء أصبحت أمورًا شائعة في هذه المجتمعات، وتُجبَر كل امرأة بسببها على سماع تعليقات عدائية عن جسدها، وتحاول التعايش مع الجروح التي تتركها هذه الكلمات في روحها.
ضحايا اضطرابات الأكل
بينما يُلاحَق الأفراد المصابون باضطرابات الأكل والأمراض النفسية بوصمة عار في المجتمعات الأبوية (الخاضعة لحكم الذكور)، ترفض النساء الاستسلام، وتحاربن لإيصال أصواتهن.
حكت الصحفية السعودية دانا الجويني تجربتها بخصوص اضطرابات الأكل بعد موت أختها ذات الـ22 عامًا إثر فقدان الشهية، فكتبت قائلة: «كان المحيطون بي وبأختي جهلاء وغافلين عن طبيعة مرضها، ونظروا إليها وأطلقوا الأحكام دون أن يعلموا مقدار الألم والمعاناة الذي كانت تمر به».
75% من طالبات إحدى جامعات الإمارات لا يشعرن بالرضا عن أجسامهن.
أخذت الجويني على عاتقها التوعية باضطرابات الأكل بعد موت شقيقتها، خصوصًا أنها عانت هي الأخرى من اضطراب الأكل في مراهقتها، وتعرضت لمضايقات من زوجة أخيها تعليقًا على وزنها. تؤكد دانا أن الناس لا يفهمون أن اضطرابات الأكل مشكلة نفسية لا جسدية فحسب، ومن المحزن أنهم يعتقدون أن هذا الوضع اختياري.
بالإضافة إلى قصة الجويني، أورد المقال كذلك تجربة سميرة (اسم مستعار)، وهي سعودية تعافت من اضطراب الأكل، وترى أن اللوم يقع كاملًا على مقاييس الجمال التي تتبناها المجتمعات العربية والغربية.
يقدس العالم العربي في رأي سميرة كل إنقاص للوزن، دون أن يتوقف لحظة للتفكير في ما يفعله بعض الناس للتخلص من هذه الدهون، أو الأسباب التي دفعتهم إلى التخلص منها. ولم تتعافَ سميرة إلا بعد أن تعرَّفت إلى بعض الأصدقاء الذين ألهموها لتغير من طريقة تفكيرها.
اقرأ أيضًا: تاريخ نضال المرأة السعودية لقيادة السيارة ينتهي إلى «الغضب الصامت»
خطورة مقاييس الجمال
في عام 2013، جاءت نتائج بحث أجرته جامعة زايد في الإمارات صادمة، إذ أشارت إلى أن 75% من الطالبات لا يشعرن بالرضا عن أجسامهن، بينما يتعرض نحو 25% منهن لخطر الإصابة باضطرابات الأكل، وفسر الباحثون هذه النتائج بالتأثر بمقاييس الجمال الغربية.
يُعَدُّ فقدان الشهية العصبي والشَّرَه المرضي اضطرابات شائعة بين النساء، والمراهقات خصوصًا، وتوصلت دراسة أردنية أجريت عام 2014 على طالبات تتراوح أعمارهن بين 18 و27 عامًا إلى أن 71% منهن يفوِّتن وجبة غذائية واحدة يوميًّا، بينما أكدت 89% منهن أن الأردنيات ينظرن نظرة سلبية إلى أجسادهن. وبينما أقرَّ نحو ثلاثة أرباع الفتيات بأن انتشار اضطرابات الأكل بين النساء مشكلة حقيقية في الأردن، أظهرت الدراسة أن 18% فقط امتلكن معلومات كافية عن هذه الاضطرابات.
انتشرت وسائل إنقاص الوزن في الوطن العربي مؤخرًا، ويتجه مزيد من السيدات لتجربتها، ومن هذه الطرق ربط الفكين لجعل عملية المضغ أكثر صعوبة، وحقن المعدة بالبوتكس لإيهام العقل بالشبع، وهي التقنية التي أكد جراح التجميل اللبناني الشهير نادر صعب فعاليتها وغياب آثارها الجانبية، دون أن يدعم آراءه بأي أدلة علمية، كما يورد المقال.
قد يهمك أيضًا: شبح «كلام الناس» يطارد النساء في العالم العربي
هل سيُحدث الدعم النفسي فرقًا؟
هل ستنجح النساء يومًا في الإفلات من قبضة «الموضة» لتعشن حياتهن بحرية؟
أسست الناشطة في مجال الصحة النفسية بالإمارات سارة شِربجي مع فريقها مبادرةً للدعم النفسي في العالم العربي، ويعملون حاليًا على إنتاج فيلم وثائقي يستعرض وضع الطب النفسي في المنطقة، يتضمن جزءًا للحديث عن اضطرابات الأكل.
تقول شِربجي إنها ترغب في إنشاء منصة لدعم الأفراد الذين يعانون من المرض النفسي، تكون متاحة طَوَال الوقت، بالإضافة إلى توفير المواد التعليمية وإتاحة الخدمات المتخصصة.
لكن بين الأحلام والطموحات الكبيرة يدفعنا الفضول للسؤال: إلى متى تظل المرأة كقطعة الصلصال التي يريد الكل تشكيلها على هواه؟ هل ستنجح النساء يومًا في الإفلات من قبضة «الموضة» لتعشن حياتهن بحرية؟ كل هذه تساؤلات لن تجيب عنها إلا المرأة وحدها.
ندى حنان