كلُّ العُرب إخواني: كيف غيرت رحلة إلى الخليج أفكار أمريكي عن العرب؟
كتب هذا المقال المدوِّن والرحَّالة الأمريكي «درو بينسكي» ونشره على موقعه «Drew Binsky»، وترجمه لـ«منشور» أحمد الشربيني.
أكتب هذا الكلام الآن من مطار مسقط في عُمان بعد واحدة من أجمل رحلاتي على الإطلاق، زُرت فيها كذلك الكويت وقطر والبحرين. قابلت في هذه الرحلة أشخاصًا ودودين للغاية وتعاملت معهم، أكرموا استضافتي حتى شككت أنني أعيش حلمًا لا رحلةً حقيقية.
إن الهدف من هذا المقال ليس مجرد سرد مغامراتي وتجاربي، بل كذلك لتحذير القراء من الانسياق خلف ما يروِّجه الإعلام عن الشرق الأوسط، وكذلك من الحكم على الناس حسب ملابسهم.
العرب شديدو الكرم
يخاف الناس السفر إلى الشرق الأوسط بسبب التغطية الإعلامية السلبية. تقع بعض الهجمات الإرهابية هنا أو هناك على أيدي مسلمين، فيظن الجميع فجأة أن مليارًا و600 مليون مسلم كلهم إرهابيون، لكن هذا بعيد تمامًا عن الواقع.
كل بلد يضمُّ أناسًا طيبين وآخرين أشرارًا، تستوي في ذلك الولايات المتحدة وسوريا والبرازيل والصومال. وكلما سافرت ازدادت ثقتي بأن عدد الطيبين في كل مكان في العالم يفوق عدد الأشرار، وليس الشرق الأوسط استثناءً من هذه القاعدة.
أنا أمريكي يهودي، بشرتي بيضاء وشعري أحمر، وهذا يضعني على النقيض من كل سكان الشرق الأوسط تقريبًا، سواء من جهة الشكل أو الثقافة. لم يكُن لي أصدقاء مسلمون قَطُّ، كما لم أعرف شيئًا يُذكر عن الثقافة العربية قبل سفري، لكني قضيت كل ثانية من رحلتي التي استغرقت تسعة أيام مع هؤلاء الناس، ولم أمُرَّ إلا بخبرات إيجابية.
عندما وصلت إلى الكويت، محطتي الأولى، قابلت مُدوِّنة أخرى تحب السفر مثلي كنت أعرفها قبل ذلك عن طريق الإنترنت، اسمها فاطمة (hello965). لم تكتفِ فاطمة باصطحابي خلال جولة كبيرة في بلدها، بل عرَّفَتني كذلك إلى مجموعة من أصدقائها، وساعدت في ترتيب لقائي معهم في مدينة الكويت.
إذا كان أحد هؤلاء الأصدقاء يقرأ ما أكتب الآن، فأودُّ أن أشكره مجدَّدًا على حضوره، فقد تركت مقابلتي لهم جميعًا أثرًا لا يُنسى، وشكَّل كل واحد منهم إلهامًا حقيقيًّا لي.
فور مغادرتي الكويت اتصلَتْ فاطمة بأصدقائها في البحرين وعُمان كي يصحبوني في بلدانهم، وعرَّفني هؤلاء بدورهم إلى أشخاص آخرين قدَّموني إلى سواهم، وكان كل واحد من هؤلاء لطيفًا للغاية. لقد استقبلوني في المطار، وأخذوني لمشاهدة معالم بلادهم، وعلَّموني أشياء كثيرة عن ثقافتهم، ولم يتركوني أدفع مقابل أي شيء.
بلاد العرب آمنة إلى أقصى درجة
كنت أتمشى بمفردي ليلًا في أي مكان، حتى الممرات المظلمة، ولم أواجه مضايقة واحدة أو أشعر مرةً أنني مُراقَب.في دول الخليج، كما في أي مكان آخر، ما دمت تستخدم عقلك فستكون آمنًا تمامًا. في الواقع أشعر بخوف في أثناء تجوُّلي ليلًا في شيكاغو أو برشلونة يفوق ما شعرت به في أي مكان في الكويت أو البحرين أو قطر أو عُمان.
تصوراتنا عن الشرق الأوسط بعيدة تمامًا عن الواقع نتيجة ما تخبرنا به وسائل الإعلام.
سألَتني نساء كثيرات عمَّا إذا كان سفرهن بمفردهن إلى الخليج آمنًا، وإجابتي هي نعم، بكل تأكيد. قابلت في رحلتي عددًا كبيرًا من النساء اللاتي كُنَّ بمفردهن، ولم يبدُ أنهن عانين أي مشكلة. نصيحتي الوحيدة لأي امرأة مسافرة أن تغطِّي كتفيها دائمًا ولا ترتدي شورتًا قصيرًا احترامًا لأهل البلد. شروط السلامة للمسافرين رجالًا ونساءً واحدة، لذا لا ينبغي لك القلق إطلاقًا.
سألني كثيرون أيضًا عن شعوري بالأمان كيهودي في الشرق الأوسط، وإجابتي أنها تجربة آمنة تمامًا، فقد أخبرت أصدقائي الجدد وسائقي «أوبر» الذين ركبت معهم أنني يهودي، ولم أتلقَّ أي احتقار لشخصي أو لديني، بل حدث العكس، فقد رغب معظمهم في معرفة مزيد عن اليهودية وعن شكل الحياة في إسرائيل، لأنهم ممنوعون من زيارتها بالقانون.
قد يهمك أيضًا: التدين ومعضلة «الدولة اليهودية» في إسرائيل
أكرِّر لكم أن تصوراتنا عن الشرق الأوسط بعيدة تمامًا عن الواقع نتيجة ما تخبرنا به وسائل الإعلام، وأودُّ إخباركم من واقع تجربتي المباشرة أن الإعلام يضلِّلنا تمامًا.
أنشطة يمكن ممارستها في الشرق الأوسط
1. زيارة الأسواق
تبيع الأسواق التقليدية في بلدان الشرق الأوسط كل شيء، من المصنوعات اليدوية إلى الملابس والإلكترونيات، كما يضم كثير منها مقاهي ومطاعم وعربات طعام وأماكن لتدخين الشيشة، وعليكم زيارة هذه الأسواق ليلًا حين تكون نشطة ومليئة بالحياة.
2. التمشِّي وسط المدينة
كل مدن الخليج الكبيرة بها ناطحات سحاب عملاقة ومشاهد خلَّابة ينبغي عدم تفويتها، فقط تَمَشَّ في أيٍّ من هذه المدن وانظر إلى السماء.
3. زيارة المساجد
في كل بلد مسجد أو عدة مساجد أثرية على الأقل، وتُعَدُّ هذه المساجد معالم سياحية تستحقُّ زيارتها والتجول فيها، إذ بُنيت بدرجة هائلة من الحرفية، وزُيِّنت بقدر ضخم من الزخارف المُتقَنة. يمكنك تأمُّل السجاد الناعم داخل المسجد، الذي يبدو كأنه يمتدُّ دون نهاية. لاحظ فقط أن زيارة المساجد تكون في غير أوقات الصلاة، واحرص دائمًا على احترام المكان.
4. تدخين الشيشة
لن تكتمل رحلتك إلى الشرق الأوسط دون أن تدخن الشيشة في مقهًى من المقاهي التي تفترش الشارع. بالنسبة إليَّ، التفاح والفراولة هما النكهتان المفضلتان.
أهمُّ خمس لحظات في رحلتي
1. النوم في الصحراء
خرجت في جولة صحراوية مدهشة مع شركة اسمها «One Roof Oman». استقبلني مندوبو الشركة في المطار وصحبوني في رحلة مدتها أربع ساعات داخل صحراء وهيبة، فنصبنا الخيام وشوينا الهامبرغر ثم نمنا، واستيقظت في الخامسة والنصف صباح اليوم التالي لأشاهد واحدًا من أجمل المناظر التي رأيتها في حياتي.
2. لقاء مدينة الكويت
بدأت رحلتي بلقاء 30 شخصًا رائعًا في مدينة الكويت، وتعجز كلماتي عن وصف الشعور الذي أحسسته عند مقابلتهم والحديث معهم. كان أحدهم لا يزال طالبًا في المدرسة، اسمه محمد، وقد جاء بمفرده بعد انتهاء الحصص، وكان ناضجًا لدرجة أني شعرت بتقارب شخصيٍّ معه، واضطُررت إلى مهاتفة والده لإقناعه بترك ابنه كي يتعشَّى معنا.
قد يعجبك أيضًا: كيف طارد باحث أمريكي «فن الصوت» في الكويت؟
3. لعب الغولف
أصبحت الكويت الدولة رقم 15 التي ألعب فيها الغولف، وأودُّ أن أشكر أصدقائي في «نادي الصحراء للغولف» على تنظيم هذه المباراة التي لا تُنسَى من أجلي، والتي حقَّقت فيها نتيجة طيبة، وانهمكت في اللعب لدرجة تحطيم نظارات «سنابشات» الجديدة التي ابتعتها.
4. التخييم في «وادي شاب»
لم أكُن أعرف «وادي شاب» في عُمان حتى أخبرني صديقي «لي أبامونتي» أن أزوره، وهناك رأيت أفضل المناظر الطبيعية في حياتي: وديانًا، وصخورًا عملاقة، ومنحدرات حادَّة تحيطها مياه عذبة. جربت السباحة هناك والقفز في المياه من أماكن عالية، كما تسلقت الشلالات طوال اليوم.
في عُمان عديد من الوديان، لكن ثقوا بي، «وادي شاب» أفضلها على الإطلاق.
5. التمشِّي في سوق «واقف»
كل بلد به مجموعة متنوعة من الأسواق، لكن سوق «واقف» في الدوحة عاصمة قطر كانت أفضلها بالنسبة إليَّ.
ورغم أن السوق تكون مهجورة تمامًا في النهار، فإنها تتفجر بالحياة ليلًا، وتستطيع الجلوس فيها لأكثر من ست ساعات تستمتع بالأجواء القطرية، كما أن هذا هو المكان المناسب لشراء الهدايا أو تناول الطعام في الشارع، أو مجرد الجلوس على مقهًى لتدخين الشيشة ومشاهدة الناس.
نصائح قبل السفر إلى الخليج
عندما أتذكر رحلتي إلى الشرق الأوسط لا أستطيع التوقف عن الابتسام والتفكير في كل المرح الذي عشته.
- احترم الثقافة الإسلامية، ولا تزُر مسجدًا في أوقات الصلاة أو يومَي الجمعة والسبت.
- يبدأ أسبوع العمل في الشرق الأوسط يوم الأحد ويستمر إلى مساء الخميس، أي إن الإجازة الأسبوعية هي ليلتا الجمعة والسبت.
- لا تنخدع بأسعار الصرف، خصوصًا في الكويت والبحرين، لأن لديهما أقوى عملتين في العالم، إذ يساوي الدولار الواحد ربع دينار كويتي، والوجبة التي تكلفك خمسة دنانير ثمنها الحقيقي 20 دولارًا أمريكيًّا.
- تَجنَّب الزيارة في رمضان، إذ سيكون كل شيء مقفلًا منذ طلوع الشمس إلى غروبها، وقد تتعرض للعقاب إذا شوهدت تأكل في الشارع. يتغير موعد شهر رمضان كل عام، وهو الشهر التاسع في التقويم الإسلامي القمري، فاحرص على مراجعة التقويم العربي قبل سفرك.
- احترم الجميع أيًّا كانت الظروف؛ قد يعرِّضك رفع إصبعك الوسطى في وجه أحدهم للسجن، ولو لم يوجد شهود.
- لا يُسمح لبعض النساء بلمس الرجال بسبب المعتقدات الثقافية والدينية، لذا اعتبرها قاعدة أساسية أن لا تمدَّ يدك أبدًا لمصافحة امرأة، اتركها تمدَّ يدها إذا أرادت، لكن لا تبدأ أنت.
- المشروبات الكحولية ممنوعة تمامًا في الكويت، وتتاح فقط في مجموعة من الفنادق والمطاعم في باقي البلدان، لذا لا تسافر إلى الشرق الأوسط متوقعًا حياة ليلية صاخبة، والاستثناء الوحيد هو دبي.
اقرأ أيضًا: كيف يُستهلَك الكحول في الدول العربية التي تمنعه؟
عندما أتذكر رحلتي إلى الشرق الأوسط لا أستطيع التوقف عن الابتسام والتفكير في كل ما مررت به من مرح وذكريات، فقد اكتسبت عشرات الأصدقاء الرائعين، وأفكر حاليًّا بالفعل في رحلتي القادمة، ربما إلى إيران أو السعودية، وأرجو أن تفكِّر أنت أيضًا في زيارة الشرق الأوسط بعد قراءة هذا المقال، لكي تجرب بنفسك الضيافة العربية.
درو بينسكي