اسقِنيها: كيف يُستهلك الكحول في الدول العربية التي تمنعه؟
جميع الأسماء الواردة في الموضوع لأشخاص حقيقيين آثروا استخدام أسماء مستعارة للحفاظ على خصوصياتهم.
«إن لم أجد بائع خمور في مدينة الخبر، وهذا غالبًا ما يحصل؛ أسافر إلى البحرين للحصول عليها»، هذا ما قاله السعودي مساعد (25 عامًا) لـ«منشور»؛ ففي ظل منع المملكة للخمور بحكم طبيعة نظامها الديني؛ يُضطر المعتادون على استهلاك الكحول للسفر إلى أقرب الأماكن التي توفرها بأسعار أرخص وبشكل قانوني.
تمنع الكويت استيراد وبيع المواد المُسْكِرة وتعاطيها في الأماكن العامة، وتستثني السفارات والهيئات الدبلوماسية.
الكويت والسعودية والسودان وليبيا، والعراق يبدو في الطريق، هي الدول العربية التي لا تزال تمنع الخمور بشكل تام على أراضيها، ورغم ذلك فإنه لا يمكن إنكار توافر الكحوليات، المستوردة منها أو تلك المصنعة محليًّا، فاستهلاك الكحول لم يتوقف بعد منعه قانونيًّا.
قد يعجبك أيضًا: المأساة الجنسية في العالم العربي
الكويت: دوائر مغلقة
يمنع القانون الكويتي، في المادة 206 من القانون 46 لعام 1964، جلب واستيراد وترويج المواد المُسْكِرة، وتعاطيها في الأماكن العامة، ويستثني من ذلك السفارات والهيئات الدبلوماسية، لكنه يسمح للأفراد بالتعاطي في الأماكن الخاصة، عدا النوادي. أما العقوبات فتتراوح بين الحبس والغرامة، وفي الحالتين تعتبر الجرائم المتعلقة بالخمور جُنَحًا، كما أن الخروج في مكان عام في وضع سُكْر بيِّن في الكويت يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
ورغم المنع، يذكر عبد الله (37 عامًا) من الكويت أن «هناك طبقات اجتماعية رفيعة يسهل عليها الحصول على حاجتها من الكحول، وهذا نعرفه عن قرب منهم، وهو أمر غير عادل، فنحن نعاني للحصول على كميات كافية لتلبية حاجتنا». ويؤكد عبد الله أن «الكيف في النهاية حاجة لدى كثير منا، وقلة المعروض من الكحول، بالإضافة إلى ارتفاع أسعاره، أديا بشكل كبير إلى توجه الكثيرين لتعاطي المخدرات، وبعضها أنواعه سيئة تتلف العقل. الدولة لا يجب أن تمنع الناس عن هذه الحاجة، بل عليها تنظيمها والسيطرة عليها لمنع التوجه لما هو أسوأ، وكذلك للسيطرة على جشع التجار؛ الذين يبيعون الخمور بثمانية أضعاف أسعارها الحقيقية».
وتقول الكويتية مريم (34 سنة) إن: «الخمر متاحة بشكل عام، الفارق فقط في قدرتك على الوصول للنوع المفضل لك ومدى توفره، فإذا لم تجده تُضطر إما لاختيار نوع آخر أو الاستسلام للمحلي، لكن الشراب موجود بشكل دائم». تضيف: «أحصل عليه عن طريق الأصدقاء الذين لهم تواصل مع بائعي الخمور، كما أن صديقًا لي يصنع النبيذ في منزله ويوفره لنا، وهو نبيذ ذو جودة مُرضية للغاية. الكل يعلم بتوفر الخمور وبهذه الكميات؛ الدولة تعلم والناس يعلمون، فما سبب المنع؟ اللهم إلا أن يكون للتلاعب بالأسعار من قبل بعض المستفيدين من تهريب الخمور».
يشدد عبد الله لـ«منشور» على مسألة تأثير المنع على المجتمع: «منع الكحول خلق منَّا دوائر اجتماعية مغلقة، فصنع كل واحد منَّا محيطًا ضيقًا له، بسبب عدم توفر الأماكن التي يمكن أن نلتقي فيها لتناول المشروب بشكل طبيعي؛ ما قلل فرص التواصل مع الناس، وخلق منا منافقين نُظهر غير ما نبطن؛ حرجًا من إعلان تناولنا للمشروب الممنوع، بينما في الخفاء معظمنا يفعل ذلك».
مهربو الخمور تصدوا للميليشيات الدينية في طرابلس بالدبابات للحفاظ على «أكل عيشهم».
وتتراوح أسعار الخمور في الكويت بين 50 دينارًا (163.82 دولار) لزجاجة النبيذ (الواين)، إلى 80 دينارًا (262 دولارًا) للويسكي والفودكا، و10 دنانير (32.7 دولار) للبيرة.
ليبيا: حرب ميليشيات
في ليبيا، حظرت الدولة الكحول منذ 1993، بالقانون رقم 4 الذي صدر في عهد الرئيس السابق معمر القذافي، وبعد سقوط نظامه سيطرت الميليشيات الدينية على عدة مدن فيها، وتواجه العصابات التي تعمل على تهريب الخمور حربًا ضروسًا لممارسة عملها.
يذكر الصحفي الليبي محمد مصراتي، في تقرير له عن الكحول في بلاده، أنه «بعد تحرير مدينة طرابلس في أغسطس 2011، حاولت العديد من الميليشيات الإسلامية الدخول إلى قرقارش (إحدى مدن العاصمة طرابلس)، في حملات مداهمة على المهربين والقبض عليهم وإعدام بضاعتهم، إلا إنهم في ظل الفوضى وعدم وجود جهاز شرطة؛ وجدوا أنفسهم في مواجهة مع مسلحين من أفراد العصابات، بل وبعضهم يقودون الدبابات، استعدادًا لمحاربة الميليشيات الإسلامية التي تتربص بمصدر عيشهم».
ويرى مصراتي، من خلال مشاهداته، أن بعض تجار الخمور لديهم مشكلة فيما أسماه «الانفصام الضميري»؛ إذ يرفضون بيع الخمور خلال شهر رمضان ويستبدلونها بالحشيش.
تجارة الخمور رائجة في السعودية، رغم تشدد النظام في المملكة فيما يخص الخمور بسبب مخالفتها الشريعة الإسلامية.
ويعاني الليبيون غير القادرين على الحصول على الكحول المستورد من مشكلات صحية خطيرة؛ بسبب استهلاك الكحول محلي الصنع، الذي يكون غالبًا مغشوشًا ويؤدي لمشكلات صحية جسيمة، تصل إلى التسمم والفشل الكلوي والوفاة.
السعودية: رواج رغم الملاحقة
ووفقًا لإحصائية أجرتها مجلة «الإيكونومست» البريطانية عام 2012، فإن استهلاك الفرد في ليبيا من الكحول سنويًّا يصل إلى 0.11 لتر، بينما يستهلك السعودي ربع لتر. ورغم تشدد النظام في المملكة فيما يخص الخمور بسبب مخالفتها الشريعة الإسلامية، إلا إن تجارتها رائجة في السعودية، ويؤيد ذلك الأخبار الكثيرة عن القبض على بائعي خمور ومهربين.
وإضافةً إلى هذا، صرح رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد اللطيف آل شيخ، في عام 2013، بأن أسعار الخمور تتغير تبعًا لنشاط أعضاء الهيئة. لكن اليوم، وبعد فرض قانون تنظيم عمل الهيئة الذي نزع عنها معظم صلاحياتها، يؤكد ناصر (25 عامًا) من السعودية لـ«منشور» أن شيئًا لم يتغير: «عمل الهيئة في مجال ملاحقة الخمور لا يزال قائمًا. نحصل في الرياض على ما نحتاجه عن طريق باعة حذرين جدًّا في التعامل، واحترافية البائع تؤثر في ارتفاع سعر المنتج»، ثم يضيف أن «الشرب غالبًا يكون في الاستراحات والمخيمات والشقق الخاصة، وتصل أسعار الكحوليات إلى 1500 ريال (399.93 دولار) للويسكي والفودكا، وحتى ألفي ريال (533.24 دولار) للـغراي غوس (نوع فاخر من الفودكا)».
العراق: على طريق المنع
منع الكحول رسميًّا خلال المناسبات الدينية في العراق، يفتح مجالًا لنوافذ تبيع الخمر بشكل سري وسعر أعلى.
وأخيرًا، انضم العراق، الذي يملك تاريخًا طويلًا مع صناعة الكحول، إلى قائمة الدول التي تحظر الخمور؛ بالمادة رقم 14 من قانون واردات البلدية الجديد، الذي أشعل جدلًا كبيرًا بشأن دستوريته وتصاعد نفوذ التيارات الدينية وتشددها وتدخلها في الشأن الشخصي للمواطن العراقي. وأرجع كثيرون، منهم النائب في مجلس الشعب العراقي فائق الشيخ علي، هذا الحظر لرغبة التيارات الدينية العراقية في التحكم بسوق الخمور وأسعاره والحصول على مبالغ مالية ضخمة مقابل حماية المهربين.
اقرأ أيضًا: تاريخ الكحول في العراق منذ اختراع البيرة إلى منع البرلمان
ويقول موسى من العراق: «تعتبر بغداد انعكاسًا لمظهر المدينة؛ كونها العاصمة ويسكنها خليط من طوائف وأديان شتَّى، بغض النظر عن النسب المئوية لأتباع كل دين أو طائفة، وفيها الكثير من الأمور متاحة للجميع؛ مثل النوادي الليلية ومحال بيع المشروبات الكحولية. وبالرغم من أن هذه النوادي والمحلات تقفل أبوابها في المناسبات الدينية؛ إلا إن هناك نوافذ تظل مفتوحة وبشكل سري، لا يعرفها إلا الراغبين في شراء هذه المشروبات، وتعود المحال إلى مزاولة نشاطها (بشكل علني) بعد انتهاء المناسبات الدينية؛ مثل شهري رمضان ومحرم».
ويشرح موسى، البالغ من العمر 40 عامًا: «في شهري محرم ورمضان، يكون الحصول على المشروبات الكحولية أمرًا صعبًا بسبب إغلاق المحلات، إلا إن بعض النوافذ تفتح في مناطق معينة من وسط العاصمة، ما بين البتاوين في الباب الشرقي إلى الكرادة، تبيع المشروبات بشكل شبه سري؛ إذ تغض دوريات الشرطة النظر عنها؛ إما بسبب توجيهات للتخفيف من الإجراءات، أو عن طريق مقابل مادي تتقاضاه الدوريات لتحوِّل أبصارها بعيدًا، غير أن الإغلاق والبيع بسرية يتسبب في رفع أسعار المشروبات، لكنها تكون زيادة مناسبة للجميع، وتصل إلى أربعة دولارات تقريبًا على أي نوع من المشروبات، فسعر الويسكي غرانتس نحو 25 ألف دينار عراقي (21 دولارًا)، أما العرق المحلي فيصل إلى سبعة آلاف دينار (5.919 دولار)، فيما يُباع العرق المستورد بنحو 11 ألف دينار (9.36 دولار)، وتتراوح أسعار الفودكا بين 25 ألف دينار (21 دولار) و30 ألف دينار (25.58 دولار)».
يضيف موسى لـ«منشور»: «بسبب المنع خلال رمضان ومحرم؛ يضطر العراقي المواظب على احتساء المشروبات الكحولية إلى شراء ما يجده متوفرًا، وبالسعر الذي يفرضه صاحب النافذة السرية، لكن أحيانًا يتسامح البائع مع بعض الشرائح؛ فيبيع لها بزيادة طفيفة أو بالسعر القديم؛ تحاشيًا للاصطدام معهم في مثل هذا الظرف، ومن أجل الحفاظ على نافذته مفتوحة طيلة الأيام التي تغلق فيها المحال والبارات».
ماذا لو تم تطبيق قانون الحظر في العراق؟ يشير موسى إلى أن الأوضاع ربما تصبح أصعب، لكنها لن تكون مستحيلة: «هذه النوافذ تعتمد على الخزين الذي كان مسموحًا له بالمرور إلى العاصمة بغداد. ستصير مشكلة لو نفد، لكن الحصول على الكحول لن يكون محالًا في بلد تكثر فيها الرشوة، إلا إن الأسعار سترتفع للغاية على الأرجح».
السودان : الصدارة
يتصدر المواطن السوداني قائمة مستهلكي الكحول في الدول العربية التي تمنعه، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، إذ يبلغ نصيبه 24.10 لتر في العام، متجاوزًا أنصبة الأفراد في دول عربية تسمح باستهلاك الخمور. وتزدهر في السودان صناعة الخمور المحلية، وأشهرها عرق البلح السوداني، رغم تطبيقه للشريعة الإسلامية ومعاقبة شارب الخمر بالجَلْد.
ويقول الشاب السوداني مرتضى (30 عامًا) إنه «يصعب الحصول على الخمور المستوردة لأنها تصل عن طريق التهريب، أما الخمور المحلية، التي نسميها (البلدية)، فتتوفر بكثرة خصوصًا في الأرياف والقرى، حيث يسهل الحصول عليها ويكثر تعاطيها»، مؤكدًا أن شاربي الكحول يعرفون «منازل بعينها تصنع هذه الخمور وتبيعها، ومن هناك يحصلون على حاجتهم منها».
ويضيف مرتضى لـ«منشور»: «تتراوح أسعار الماركات المستوردة بين 1100 جنيه (170 دولارًا) و1500 جنيه (231 دولارًا)، أما عرق البلح وعرق اليانسون المحليان فسعرهما 200 جنيه (31 دولارًا)، ومتى ما تم القبض على الشخص متعاطيًا للخمور؛ فإنه يعاقَب بالغرامة والجَلْد في مركز الشرطة، لكن معظم متعاطي الخمور الذين يُقبَض عليهم يفلتون من الغرامة والجَلْد بالواسطة أو الرشوة».
تتجسد خطورة المنع الرسمي للكحوليات في توجه الراغبين بها إما إلى بديل لا يقل سوءًا؛ كالحشيش والحبوب المخدرة، أو إلى التصنيع المنزلي، الذي ينتج غالبًا مشروبات ذات جودة منخفضة جدًّا، وآثارها الصحية مريعة وقد تُفضي للوفاة، كما أن النشاط خارج القانون يصنع عالمًا من الجريمة، تستطيع الدولة أن تتخلص منه بتنظيم المسألة وليس إنكار الواقع، أضف إلى ذلك استفادة بعض المتنفذين في هذه الدول من المنع، بتأسيس سوق سوداء مربحة للغاية لهم، وتثقل كاهل الفرد العادي، وتدفعه إلى استخدام المواد الرخيصة الخطرة.
شيخة البهاويد