هذا مزاجي: الخمر والمخدرات في زمن الثورة الإسلامية الإيرانية

شيماء محمد
نشر في 2017/07/03

الصورة: Paula Bronstein

إذا كنت تقطع شوارع العاصمة الإيرانية طهران في منتصف النهار، من الممكن أن تجد شخصًا يتجه إليك ويدس في جيبك بطاقة عليها اسمه ورقم هاتفه ثم يمضي في صمت. هذا أحد مروجي المخدرات والكحوليات (ديلر)، يمكنك الاتصال به وسيجلب لك كل ما تريده إلى باب منزلك.

للكحول تحديدًا مكان مميز لدى الإيرانيين منذ القِدَم، فلا تخلو أشعار عمر الخيام من مدح الخمر. وكانت إيران أيام الشاه تكثر بها الحانات وتُباع الخمور بشكل علني وقانوني، إلى أن قامت الثورة الإسلامية وعاد الخميني إلى إيران ليمنع الكثير والكثير من الأشياء، من ضمنها بيع واستهلاك الخمور على جميع الإيرانيين باستثناء الأقليات اليهودية والأرمنية.

هل حمت الثورة الإسلامية إيران من الإدمان؟

تقرير قصير عن حياة المدمنين في إيران

يهرب أحد المدمنين من الاكتئاب إلى الهيروين، الذي يجعله ينسى وجوده في بلد مثل إيران.

في أحد الأحياء البعيدة جنوبي طهران يقع مركز «آميد»، أو «الأمل» بالعربية، لعلاج الإدمان وإعادة تأهيل المدمنين. هناك تواصلنا مع «بيجان» (اسم مستعار)، الذي يبلغ من العمر 25 عامًا، ويحاول الإقلاع عن الهيروين منذ ستة أشهر بعد فترة إدمان تجاوزت ثلاث سنوات.

يبرر بيجان إدمانه بأنه كان مجرد تجربة: «كنت في حفل عيد ميلاد إحدى الصديقات، وكان الهيروين موجودًا بكثرة، فقلت لِمَ لا؟ وكانت تلك البداية. بعدها بأسبوعين كنت أسير في الشارع وصادفني أحد مروجي المخدرات وأعطاني رقم هاتفه ولم أتردد في الاتصال به، وبعد شهر من التعاطي المستمر اكتشف أبي الأمر وتشاجرنا، فقررت أن أُقلع».

لكن الأمر لم ينتهِ عند ذلك الحد، فبعد اعتقاله على يد رجال «الباسيج» (شرطة الأخلاق)، إثر مشادة بسبب محاولتهم القبض على أخته بدعوى أنها ترتدي قميصًا بأكمام قصيرة، عاد بيجان إلى الهيروين مجددًا.

«أدركت أننا نعيش في بلد ينتهك كل شيء في حياتنا، فمن المخزي أن يوقفك أحدهم في الشارع لأنك ترتدي ملابس تتنافى مع التقاليد الإسلامية»، يقولها بيجان ساخرًا لـ«منشور»، ثم يحكي أنه أصيب بالاكتئاب لفترة، وكان يهرب منه بتعاطي الهيروين الذي يجعله ينسى أنه يعيش في إيران.

قد يهمك أيضًا: ربما يكون علاجنا من الاكتئاب في مخدر المشروم

إنكار حكومي: ليس عندنا مدمنون

تضارب إحصائيات أعداد المدمنين في إيران

نشرت جريدة «كيهان» الإيرانية تصريحًا لرئيس الشرطة أحمدي مقدم، يعلن فيه أنه لا يوجد سوى مئتي ألف مدمن في إيران، لكن نائب وزير الصحة «إرج حريدجي» نفى ذلك في تصريح لصحيفة «آرمان» نهاية عام 2016، أعلن فيه أن هناك ستة ملايين مدمن للمخدرات والكحوليات في إيران.

رفض أحد مسؤولي وزارة الصحة إمداد «منشور» بالأرقام الحقيقية لأعداد المدمنين في إيران، لكنه أكد أن «الأمور كلها تحت السيطرة حتى الآن، ولا شيء يدعو للقلق»، مشددًا على ضرورة عدم ذكر اسمه.

«الحكومة لا تصدر إحصائيات كي لا تلوث سمعة البلاد»، هكذا علق صادق موسوي، أحد الأطباء العاملين في مركز «آميد».

موسوي قال لـ«منشور» إن الحكومة كانت لا تعترف من الأساس بإقبال الإيرانيين على المخدرات والكحول إلا بعد حادثة شهيرة وقعت عام 2006، عندما مات 15 شابًّا وأصيب 30 بالعمى بعد شرب كميات كبيرة من الكحول المصنوع محليًّا، إذ دخلت في تكوينه مادة الميثانول السامة، وبعدها بدأت الحكومة إنشاء مراكز لعلاج الإدمان وإعادة تأهيل المدمنين.

اقرأ أيضًا: لماذا تلجأ أعداد متزايدة من الناس لتجربة «السايكديليك»؟

هل النووي أهم من شباب إيران؟

الرئيس الروسي بوتين (يمين) مع الرئيس الإيراني روحاني (يسار) - الصورة: Kremlin

المخدر الأكثر شهرة في إيران هو «الكريستال ميث»، وإيران رابع أكبر مستورد للمادة الخام.

يتساءل أستاذ الطب النفسي «مهرداد شيرازي»، مستغربًا في مطلع حديثه لـ«منشور»: هل الحروب التي تخوضها إيران ليل نهار، وإصرار النظام على تحديث منظومته النووية، أهم من شباب هذا البلد؟

يرى شيرازي أن هناك كثير من المدمنين على الطرقات، منهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم 15 عامًا،وكل يوم توقف الشرطة عددًا من المخمورين يقودون سياراتهم: «أتفهم اهتمام الرئيس حسن روحاني بأمور السياسة الخارجية والاتفاق النووي، لكن بماذا ينفعنا الاتفاق النووي إذا دمرت المخدرات شباب ونساء إيران؟ لا بد أن يدرك النظام الحاكم أننا على مشارف كارثة، ويجب الإسراع بعلاجها».

قد يعجبك أيضًا: ماذا يريد الإيرانيون من رئيسهم؟

النساء أيضا يُقبِلن على تعاطي المخدرات

الصورة: Débora Araújo

في عام 2016، أعلنت مستشارة الرئيس حسن روحاني لشؤون النساء، «شهيندخت مولاوردي»، أن أعداد النساء المدمنات تزداد حتى وصلت سن التعاطي بين النساء إلى 13 عامًا، وأن الحكومة تبذل أقصى جهدها لمحاولة احتواء المشكلة.

ونشرت صحيفة «الواشنطن بوست» تقريرًا يتناول حياة بعض النساء المدمنات في أحد مراكز التأهيل، قال إن المجتمع الإيراني يفرق بين المرأة والرجل حتى في الإدمان، في حين أن المخدرات متاحة في كل مكان ويسهل للجنسين الحصول عليها، بحسب ما قالته إحدى المدمنات في التقرير.

كيف يدخل الخمر والمخدرات إيران؟

الصورة: STVIOD

تصل عقوبة حيازة وتعاطي المخدرات في إيران إلى 80 جلدة وغرامة مالية قدرها 500 دولار أمريكي.

يلقى الأفيون والهيروين رواجًا كبيرًا في إيران، نظرًا لقربها من أفغانستان البلد الأم لتلك المخدرات. أما المخدر الأكثر شهرةً، خصوصًا في الآونة الأخيرة، فهو «الكريستال ميث»، وتعتبر إيران رابع أكبر مستورد للمادة الخام المصنِّعة لهذا المخدر، وفقًا لتقرير مكتب مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة.

تدخل المادة الخام لـ«الكريستال ميث» إلى إيران بصورة شرعية، إذ تستوردها الحكومة رسميًّا لاستخدامها في صناعة بعض الأدوية، لكن كميات منها تُباع بطرق ملتوية لتجار وصانعي المخدرات، وينتشر بين الأوساط الفقيرة من المدمنين نظرًا لثمنه الزهيد وسهولة تصنيعه محليًّا.

أما الكحول، فكل عام يتم تهريب من 60 إلى 80 لترًا لإيران عن طريق حدودها الغربية مع إقليم كردستان العراق، ويعتبر تهريب الكحول تجارة مربحة في الجمهورية الإسلامية.

لكن الخمر لا يصل إلى إيران من الخارج فقط، بل يُصنَّع محليًّا عن طريق الأقلية الأرمنية، التي تشتهر بصنع الكحول والنبيذ نظرًا لسهولة الأمر قانونيًّا، فهم من الأقليات المسموح لها بتناول وتصنيع الخمور، لكن للكحول المصنع محليًّا مخاطر صحية كبيرة ذكرناها سابقًا.

اقرأ أيضًا: مشاهد من تحايُل المصريين على حظر الخمر في رمضان

تصل عقوبة حيازة وتعاطي المخدرات في إيران إلى 80 جلدة وغرامة مالية قدرها 500 دولار أمريكي، وإن اعتُقل الشخص أكثر من مرتين يُسجن لمدد تتراوح بين عام وعامين، أما الإعدام فمن نصيب تجار المخدرات.

لكن كل تلك القوانين والقيود لم تنجح في إبعاد الإيرانيين عن شرب الكحول وتعاطي المخدرات، بل زادت الأمر تعقيدًا، فهل آتت تعاليم الثورة الإسلامية أُكُلها في النهاية؟

شيماء محمد