ردًا على منتقدي أرقام خطة التنمية في الكويت: انظروا إلى الجزء الممتلئ من الكأس
نشر في 2025/10/23
حين يعلو منسوب النضج المؤسسي يتراجع أسلوب المراوغة السياسية ليفسح المجال للمكاشفة بالحقائق مهما كانت قتامتها، وهو ما يتكشف من خلال إصدار الحكومة تقريرًا شاملاً حول آدائها تناولت فيه منجزاتها ومكامن الخلل والقصور بكل شفافية وموضوعية، وفقا للبيانات الرسمية التي نشرها تقرير متابعة الخطة السنوية (الربع الأول 2025/2026)، الصادر عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية.
في أدبيات العمل الحكومي في الكويت تمثل هذه الخطوة قطيعة مع أساليب الهروب إلى الأمام، وتشكل تحولاً نوعيًا في فلسفة الإدارة العامة، ورسالة واضحة بأن الدولة تسير في نهج جديد، قوامه الصدق والمكاشفة والمساءلة والإصلاح المستمر وهو ما لم يتعود عليه منتقدو أداء الحكومة، استناداً إلى ذات التقرير ما جعل قراءتهم التحليلية محصورة القاصرة في المعادلة الصفرية ومنطق العدمية.
ولكن.. في رواية أخرى فإن أول ما يلفت الانتباه في هذا التقرير الحكومي هو الجرأة في المصارحة، فأن تعترف الحكومة بنفسها بمواضع القصور فذلك تجاوز لمنطق التبرير والدفاع إلى منطق التقييم والتطوير، فهذه الشفافية تترجم التزامًا حقيقيًا بمبدأ الحوكمة الرشيدة الذي يقوم على وضوح الأرقام والنتائج وتحديد المسؤوليات، بعيداً عن التجميل الإعلامي أو الخطاب الإنشائي الذي لا تتعدى رسائله السطور التي دوّنت حروفه المنمقة.
الإفصاح عن الأداء الحكومي بهذه الشفافية الكبيرة التي تعترف بما تحقق وما تعطل، يعزز الشعور لدى المواطن بأن صانع القرار الحكومي يحترم عقل المواطن وإدراكه، وهو ما تتميز به الدول التي تتعامل مع شعوبها كشركاء في صناعة القرار وليس كمتلقين أو مستهلكين للقرارات، فضلاً على أن نشر التقرير بهذه الطريقة يخلق حافزًا داخليًا للأجهزة الحكومية لتطوير آدائها لأن كل وزارة تدرك أن نتائجها ستعرض للرأي العام بما يكرس ثقافة التنافس الإيجابي والمساءلة الذاتية، وهي رسالة ضمنية مفادها أن زمن الغموض الإداري قد ولى إلى غير رجعة، وأن معيار البقاء هو الكفاءة والنتائج لا المناصب والأسماء.
ولا يمكن إغفال الأثر الأوسع لهذه الخطوة على الحياة السياسية والإعلامية والمجتمعية، لأن تقرير متابعة الخطة السنوية الصادر عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، يفتح الباب أمام مراكز البحث والمجتمع المدني والإعلام لممارسة دورهم في تحليل الآداء وتقديم المقترحات، ما يعزز النقاش المجتمعي ويجعل الرقابة تشاركية ويحول الإصلاح إلى مشروع وطني جامع.
إن صدور تقرير حكومي بهذه الدرجة من الشفافية هو إشارة إلى نضج سياسي وإداري، ودليل على أن الدولة تمتلك من الثقة والوعي ما يؤهلها للوقوف أمام نفسها قبل أن يحاسبها الآخرون، فالحكومات القوية لا تداري سوءاتها ولا تجمل نفسها بالزيف، بل تعلن أخطاءها وتواجه تقصيرها لتصحيح مسارات عملها في تنفيذ خططها الإصلاحية بخطى واثقة ومدروسة ضمن رؤية واضحة، تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتحسين جودة الحياة للمواطنين بما ينسجم مع رؤية الكويت 2035.
ومن باب الإنصاف في تحليل مضامينه غير السوداوية، يُظهر التقرير تحسنًا واضحًا في آداء الشركات التابعة لهيئة الاستثمار الكويتية، نتيجة سياسات مالية أكثر انضباطًا وتوجهًا نحو الكفاءة، كما أنه من اللافت أن تنجح الحكومة في خفض معدلات الهدر المالي دون التأثير على الخدمات المقدمة للمواطنين، مع الاستمرار في تنفيذ المشاريع الكبرى في الكهرباء والمياه والبنية التحتية والطاقة النظيفة، بما يؤكد أن الإصلاح المالي في الكويت لا يهدف فقط إلى سد العجز، بل إلى تحسين كفاءة الإنفاق وتوجيه الموارد إلى المجالات المنتجة.
ومع استمرار العمل بروح التعاون والمسؤولية، تبقى الكويت نموذجًا لدولة توازن بين التنمية الاقتصادية والاستقرار المجتمعي في مسار إصلاحي يضع مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة الأولويات.