بتوجيهات مشعل الإصلاح.. الكويت تعيد هندسة مستقبلها
في الذكرى الثانية لتولي حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم، وهي ذكرى ترتبط تاريخيًا بإعلان المناداة في 16 ديسمبر 2023 وأداء القسم الدستوري في 20 ديسمبر 2023، تقف الكويت أمام محطة مفصلية تقيم فيها مدى نجاح قدرتها على تحويل زخم القرار إلى نتائج قابلة للقياس، فالمرحلة لا تُقرأ كحزمة إجراءات متفرقة، بل كإعادة تموضع لمنظومة الدولة حول أولويات واضحة وهي الاستدامة المالية وكفاءة الإنفاق والحوكمة وتطوير رأس المال البشري.
اقتصاديًا.. كان التحدي المزمن في السنوات الماضية هو محدودية الأدوات التمويلية داخل بيئة تشريعية متعثرة، بما قيّد مرونة السياسة المالية رغم الاحتياجات التنموية المتراكمة، واليوم تظهر مؤشرات انتقال نحو إدارة مالية أكثر قابلية للتخطيط، عبر إطار قانوني يوسع مساحة القرار ويضع حدودًا واضحة للمخاطر، فضلاً عن تهيئة البيئة الاستثمارية القادرة على استقطاب الرأسمال الأجنبي.
تشريعيًا.. تتقدم الكويت بخطاب نهضة تشريعية تستهدف تحديث منظومة القوانين وتبسيط الإجراءات، بما ينعكس مباشرة على العدالة والحوكمة والمناخ الاستثماري، وتظهر الخطة الوطنية لتحديث المنظومة التشريعية أرقامًا لافتة، إذ يُشار إلى وجود 983 قانونًا ساريًا مع إنجاز مراجعة وتعديل وإصدار 181 قانونًا خلال نحو ثمانية أشهر بنسبة تقارب 18% ورفع سقف الطموح للوصول إلى مراجعة 25% عبر استهداف 150 قانونًا إضافيًا خلال 15 شهرا مقبلة.
أما الضلع الثالث فهو المواطن الكويتي، فالتنمية المستدامة لا تقوم على المال والقانون فقط بل على رأس مال بشري قادر على تحريك الاقتصاد الجديد، لذلك تكتسب رسائل التكريم للمتفوقين وربط التعليم بمهارات المستقبل ورعاية البحث العلمي والابتكار معناها الاستراتيجي، عندما تتحول إلى سياسات تهتم بتحديث المناهج وحوكمة جودة التعليم ومسارات تقنية ومهنية واستثمارات مستمرة في القدرات الرقمية والبحث التطبيقي.
إن خلاصة المرحلة التي تعيشها الكويت بقيادة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله ورعاه-، تشير إلى أن البلاد قد وضعت أدواتها على الطاولة وأن التحدي التنفيذي الآن يكمن في إدارة التحول بعقلية محفظة مشاريع لا بعقلية قائمة رغبات، يكون الاستناد فيه على مؤشرات أداء علنية لكل مشروع ممول ونموذج حوكمة يوضح من يقرر ومن ينفذ ومن يراقب، وربط التمويل بأثر اقتصادي قابل للقياس وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص القادر والمؤهل لإضافة عنصري الكفاءة والفاعلية، عطفا على حماية المال العام بآليات شفافية، ليصبح التمويل أداة للإنتاج والتشريع دعامة للعدالة وبناء الإنسان ضمانة للاستدامة في عهد ترتسم ملامحه إيجابية على درب هندسة الآفاق الواعدة.