تراكم فوق تراكم: العلاقة بين العبودية وحوادث العنف في أمريكا
في كل مرة تحدث مذبحة، مثل الأخيرة التي وقعت في مدرسة «سانتا» الثانوية بولاية تكساس، عندما فتح طالب ثانوي النار، وقتل 10 أفراد، يتجدد الجدل حول التعديل الثاني للدستور الأمريكي. ولعل الصورة التي تأتي في أذهان كثير من المواطنين الأمريكيين حينها هي صورة البندقية التي كانت تحملها ميليشيات المستعمرين في معارك مدينتي لكسينغتون وكونكورد بولاية ماساتشوستس إبان حرب الاستقلال الأمريكية في القرن الثامن عشر.
يستعرض مقال نُشِرَ على «نيويورك تايمز» الملابسات التي أحاطت بتعديل الدستور الأمريكي، وكيف أنها مهدت الطريق لصور العنف التي يعاني منها المجتمع الأمريكي اليوم، ففي رأي كاتب المقال، وهو أستاذ قانون أمريكي، أن البندقية التي كان يحملها مُلَّاك العبيد، هي السبب وراء قيام «جيمس ماسون»، عضو الكونغرس الذي أصبح الرئيس الرابع للولايات المتحدة الأمريكية، بتضمين الحق في حمل السلاح عندما دخل الكونغرس ووضع وثيقة حقوق الولايات المتحدة (التعديلات الـ10 الأولى لدستور الولايات المتحدة)، والتي اشتملت على مادة سهلت عملية حمل السلاح، لإحكام السيطرة على العبيد، وتعقب الهاربين منهم.
بدأت الحكاية في يونيو 1788 عندما انعقد مؤتمر في مدينة ريتشموند لاتخاذ قرار بشأن المصادقة على الدستور الذي وضع مسودته الآباء المؤسسون قبلها بعام. ثمانية من الولايات التسعة المطلوب توقيعها لتمرير الدستور كانت قد صدَّقت عليه بالفعل، ولم يكن محتمَلًا أن تُوقِّع أيٌّ من ولايات رود آيلاند أو كارولاينا الشمالية أو نيوهامبشير أو نيويورك، ما جعل الآمال معلقة على ولاية فرجينيا.
شهد مؤتمر «فرجينيا» نقاشًا حادًّا بين الفيدراليين الذين أيدوا التصديق على الدستور، ومعارضي النظام الفيدرالي الذين وقفوا ضد تمريره. وقف ماسون، المؤيد للفيدرالية وأحد أبرز من شاركوا في وضع الدستور، في مواجهة «جورج مايسون»، الزعيم الفكري لمعارضي الفيدرالية، ومعه «باتريك هنري»، حاكم فرجينيا والخطيب الشهير.
قدم كلٌّ من مايسون وهنري أسبابًا كثيرة لرفض التصديق على الدستور، كان أحدها يخص الميليشيات. ولكن لكي نفهم وجهة نظرهما ينبغي أن نضع في الاعتبار ثلاثة أسباب تتعلق بتوقيت المناقشة ومكانها.
لماذا واجه الدستور معارضة؟
- كانت الأغلبية من سكان شرق فرجينيا من السود المستعبَدين، وعاش البيض في خوف دائم من ثورة العبيد. كان الناس يعرفون بتمرد العبيد في عام 1739 في جنوب غرب «تشارلستون» حين اقتحم السود متجرًا وقتلوا أصحابه واستحوذوا على مسدسات وبارود، ثم ساروا في الشوارع يحملون الرايات ويقرعون الطبول وهم يهتفون: «الحرية». انضم قرابة مئة شخص إلى حركة التمرد تلك قبل أن يشتبك معهم فريق من الميليشا المسلحة على ظهور الخيل، ودارت معركة قُتِلَ فيها كثيرون.
- كانت الميليشيات هي الوسيلة الأساسية للسيطرة على العبيد. في العموم، كانت ولايات الجنوب الأمريكي، ومنها فيرجينيا، ترفض إرسال الميليشيات إلى حرب الاستقلال ضد البريطانيين خوفًا من أن يستغل العبيد غيابها ويثورون. ولكن، بينما كانت الميليشيات فعالة في السيطرة على العبيد السود، لم يكن في مقدورها محاربة جيش منظم.
- الميليشيات كانت أدوات تتبع حكومات الولايات، لكن الدستور غيَّر ذلك، فقسَّم السلطة على الميليشيات بين حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية (الحاكمة للبلد كله)، وأعطى الكونغرس نصيب الأسد من السلطة، بما في ذلك تنظيم الميليشيات وتسليحها وإصدار الأوامر إليها.
الدستور الجديد يهدد بإسقاط العبودية
خلال النقاش الذي دار في «ريتشموند»، دفع كلٌّ من مايسون وهنري بأن الدستور الجديد أعطى الكونغرس سلطة إسقاط نظام العبودية عن طريق نزع سلاح الميليشيات.
رأى مايسون وهنري أنه بما أن الدستور أعطى الحكومة الفيدرالية سلطة تسليح الميليشيات، فليس بوسع أحد سواها أن يفعل ذلك. فقال هنري: «إذا تجاهلوا أو رفضوا أن يدربوا ميليشياتنا أو يسلحوها، فإنها ستكون بلا جدوى لأن الولايات ليس بوسعها فعل الأمرَين معًا، فقد أُسنِدَت هذه السلطة إلى الكونغرس».
كان هنري مقتنعًا بأن السلطات الممنوحة للحكومة الفيدرالية، طبقًا للدستور الجديد، قد تحرم الولايات المأهولة بعدد كبير من العبيد، من الميليشيات التي تردعهم. كان هنري يعرف أن موقف الأغلبية في الشمال الأمريكي يعارض العبودية، لذا خشي أن تُستخدَم السلطات الواردة في الدستور الجديد لتحرير العبيد في الجنوب.
كان التصويت صعبًا، ولكن فرجينيا وقعت، كما وقعت نيو هامبشير أيضًا، ومُرِّر الدستور.
ماسون يكرس للحق في حيازة السلاح
هل يمكن أن يفكر الأمريكيون اليوم بشكل مختلف في التعديل الثاني إذا أدركوا أن نشأته ارتبطت بالحفاظ على شكل من أشكال طغيان الدولة؟
في الخريف، ترشح ماسون لانتخابات الكونغرس، وانتقده منافسه السياسي الصاعد «جيمس مونرو» لأنه لم يُضَمِّن الدستور «وثيقة حقوق». كان ماسون يرى أن الحكومة أفضل كيان يحافظ على الحقوق، ولهذا عارض وثيقة الحقوق في السابق. ولكنه كان مترشحًا في دائرة كانت مسألة وثيقة الحقوق تحظى فيها بشعبية، فغيَّر موقفه ووعد ناخبيه بأن يكتب وثيقة حقوق لدى انتخابه.
وضع ماسون الحق في حمل السلاح في الوثيقة، ولكن أربعة فقط من دساتير الولايات الـ13 هي التي تضمنت هذا البند. أما إعلان فرجينيا للحقوق، والذي كتبه مايسون في عام 1776، حين كانت الميليشيات تحت سيطرة الولايات، فلم يتضمن بند السلاح هذا. اقترح مؤتمر ريتشموند أن يبحث الكونغرس أمر إصدار إعلان يتضمن 20 حقًّا، من ضمنهم حق حمل السلاح، و20 تعديلًا للدستور تشمل إعطاء الولايات سلطة تسليح الميليشيات إذا لم يعطها الكونغرس هذا الحق.
يرى كاتب المقال أنه من المحتمل جدا أن ماسون أراد أن يصلح المشكلة التي اشتكى منها مايسون وهنري في ريتشموند، ليضمن ردع العبيد، ففي المسودة الأولى للتعديل الثاني، كانت الصيغة التي وضعها ماسون تنص على أن وجود ميليشيا منظمة تنظيمًا جيدًا أمر ضروري لأمن «البلد الحر»، وأنه لا يجوز انتهاك حق الأشخاص في الاحتفاظ بالسلاح وحمله، ولكنه بدَّلها إلى أخرى أوضح للتأكيد على حق «الولاية» في الاحتفاظ بميليشياتها، لتتحول إلى الصيغة التي هي عليها الآن، والتي تقول: «إذ إن وجود ميليشيا منظمة تنظيمًا جيدًا ضروري لأمن الولاية الحرة، فإنه لا يجوز انتهاك حق الأشخاص في حيازة السلاح وحمله».
لم يكن ماسون حينها يدرك أنه سيكرس بعد ذلك حق شركات تصنيع الأسلحة في تصنيع السلاح وبيعه لاستخدامه في قتل أطفال المدارس.
واليوم يُمجَّد التعديل الثاني باعتباره «ضمانة ضد الطغيان» حتى إن المحكمة العليا استخدمت هذا التعبير في عام 2008 حين رأت، لأول مرة، أن هذا التعديل يمنح حقًّا لا علاقة له بالميليشات، وفق كاتب المقال.
فهل يمكن أن يفكر الأمريكيون اليوم بشكل مختلف في هذا التعديل إذا أدركوا أن نشأته ارتبطت، ولو جزئيًّا، بالرغبة في الحفاظ على شكل من أشكال طغيان الدولة؟ وأنه يُستخدَم اليوم لقتل الأطفال؟
دينا ظافر