«تسلا» ضد «أوبك»: كيف تهدد السيارات الكهربائية اقتصاد دول الخليج؟
نُشِرَ هذا المقال على مدونة (re:Kuwait). كتبه المهندس والمدوِّن الكويتي برَّاك البابطين، وترجمه لـ«منشور» أحمد الشربيني.
يسير البشر باستمرار في طريق إدماج أشكال مختلفة من التكنولوجيا في حياتهم، ويؤدِّي هذا إلى إخراج منتجات أكثر كفاءة وأقلَّ تكلفة، وهو ما قد يمتد قريبًا إلى وسائل المواصلات وطُرُق تصميم المدن. سيتغير كل شيء في السنوات العشر القادمة، وسيكون هذا كارثيًّا بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لكن كيف؟
بعد الهواتف الذكية، انتظروا السيارات الكهربائية
تتقدم التكنولوجيا بسرعة هائلة، إذ لم تحتَج الهواتف الذكية إلا إلى بضع سنوات ليتعاظم إنتاجها وتصبح جزءًا أساسيًّا من حياتنا اليومية، بعد أن كانت قبل ذلك مظهرًا للرفاهية.
حدث هذا جرَّاء اندماج تقنيات مختلفة في منتج واحد أدَّى إلى تحسُّن في حياة الناس. يُعرف هذا في الاقتصاد بـ«المنحنى السيني» (S-curve)، فعندما تصل كفاءة التكنولوجيا إلى مرحلة بعينها يزيد الطلب عليها بقدرٍ كبير, وعلاوة على ذلك ترتفع الزيادة اليوم بسبب العولمة.
يتكون الهاتف الذكي من أجزاء عديدة: إلكترونيات أصبحت أقل تكلفة وأصغر حجمًا، مع كاميرات أكثر تطورًا ونظام GPS وأجهزة استشعار وWiFi وشاشات تعمل باللمس. اجتمعت هذه التقنيات لإنتاج الهاتف الذكي، وهو منتَج تعجز الهواتف التقليدية عن منافسته لأن فوائده فاقت كلفته بكثير، وكان اختيار المستهلكين بسيطًا: فور انخفاض الأسعار عن حدٍّ معيَّن، اشترى الجميع هواتف ذكية.
تقترب السيارات الكهربائية اليوم من نموذج مشابه، إذ ينخفض سعر التقنيات التي تدخل في إنتاجها بدرجة تسمح لها أخيرًا بمنافسة السيارات التقليدية التي تعمل بإحراق الوقود.
السيارات الكهربائية هي المستقبل
وصف «تقرير المستهلكين» السيارة «تسلا-S» بأنها أفضل سيارة اختبرها في تاريخه.
من المتوقع أن يقل سعر بطارية السيارة عن مئة دولار لكل كيلووات/ساعة بحلول 2020، وأن يستمر في الانخفاض بعد ذلك سنويًّا.
البطاريات هي أغلى أجزاء السيارة الكهربائية حاليًا، لكن بانخفاض سعرها ستنخفض تكلفة إنتاج السيارة، ويصير سعرها كسعر العربات التقليدية المتاحة في السوق. ولا ينطبق هذا فقط على عربات «تسلا» (Tesla)، أهم شركة تصنيع سيارات كهربائية في العالم، إذ تُطوِّر كبرى شركات السيارات حاليًا عربات كهربائية لدخول هذه المنافسة، وهو ما سيجعل السيارات الكهربائية أرخص كثيرًا.
كذلك تُعتبر صيانة السيارة الكهربائية أسهل بكثير من صيانة نظيرتها التقليدية، إذ يمكن تفكيك الأولى لدستة من القطع المتحركة تقريبًا، بينما تتكون السيارة التقليدية من آلاف الأجزاء المتحركة، وكلما قلَّت الأجزاء المتحركة كانت الصيانة أسهل، لهذا ستكون السيارة الكهربائية أيسر في صيانتها.
للمحركات الكهربائية صوت منخفض وتسارع عالٍ، ويجعل هذا قيادتها ممتعة للغاية. وتحقِّق السيارات الكهربائية معدَّل تسارع يتفوق على السيارات الرياضية الفاخرة التي تعمل بالوقود، مثل «مازيراتي» (Maserati) أو «ماكلارين» (McLaren). وقد منح تقرير المستهلكين السيارة الكهربائية طراز «تسلا-S» العلامة الكاملة، ووصفها بأنها «أفضل السيارات التي اختبرها التقرير أداءً»، الأمر الذي يؤكِّد أن السيارات الكهربائية أكثر متعة في قيادتها.
قد يهمك أيضًا: هكذا حطمت التكنولوجيا المسافات والقدرات المحدودة في العلاقة الحميمة
حوادث أقل، عوادم أقل
يمكن للسيارة الكهربائية أن تعمل دون سائق اعتمادًا على تقنيات مثل LiDar، كما أن خرائطها أفضل، وبها أجهزة استشعار وكاميرات.
بعد ذلك، سيتوقف الناس عن شراء السيارات ويلجؤون إلى خدمات تعاونية توفر لهم سيارات لتنقلاتهم، يستطيعون تأجيرها في مواعيد ثابتة للذهاب إلى أعمالهم أو مدارسهم، ويحدث هذا فعلًا في عدد من مدن العالم الكبيرة. لقد أصبح امتلاك سيارة مكلفًا للغاية؛ فلماذا ندفع ثمن الوقود والتأمين والانتظار إذا كان بإمكاننا طلب «أوبر» أو «ليفت» (Lyft)؟
تتوقف السيارات في ساحات الانتظار وعلى جوانب الطرق لنحو 95% من الوقت، وهذا إهدار هائل للموارد، لكن تحويل السيارات من مُنتَج نقتنيه إلى خدمة نستعملها سيُحدِث تغييرًا جذريًّا في مفهومنا عن التنقل، كما سيطوِّر تصميم المدن ويحرِّر مساحات الانتظار ويقلِّل عدد السيارات على الطريق.
يخطِّط بعض الدول مثل الهند والصين بالفعل لاستثمار مكثَّف في وسائل النقل الكهربائية. سيتجه المستهلكون الجدد إلى شراء سيارات كهربائية على الأرجح، وهذا جيد للاقتصاد وللبيئة، لأن السيارات الكهربائية لا تسبب تلوُّثًا. ستكون السيارات الكهربائية إذًا أفضل للبيئة.
اقرأ أيضًا: لماذا تدعونا الأرض لإسقاط النظام؟
طاقة نظيفة ومُستدامة
كفاءة الطاقة الشمسية تزداد باستمرار، وبالتالي سيصير توليد الكهرباء أسهل من ذي قبل، وستصبح أخيرًا رخيصة بما يكفي لتنافس مصادر الطاقة التقليدية. أصبح بناء محطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أقل تكلفةً في بعض البلدان من بناء محطة كهرباء تعمل بالوقود، مثل النفط أو الغاز الطبيعي.
من المتوقع أن يستمر سعر الطاقة الشمسية في الانخفاض كل عام، لكن المشكلة ستكون حاجتنا لعدد كبير من البطاريات لتخزين الطاقة الفائضة من أجل استخدامها في الليل، وهنا يمكن للسيارات الكهربائية أن تخزن الكهرباء خلال النهار وتعيد بيعها للمحطات ليلًا إذا كان عددها كافيًا، أي أن العربات الكهربائية ستصير بطاريات للمدن.
السيارات الكهربائية ليست المستقبل، بل الحاضر
التغيير يحدث فجأة، ويبدو أن دول الخليج غير مستعدة لمواجهته.
هذه التغييرات ليست طموحات ولا أحلام للمستقبل، بل تحدث الآن، إنها الحاضر. كل هذا رائع، فما الذي يجب أن يدعو الدول الخليجية إلى القلق؟
إن الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية يعني أننا لن نحتاج إلى الوقود البترولي قريبًا، وأن الناس ستستخدم عددًا أقل من العربات، وبحلول عام 2030 ستكون أكثر السيارات الجديدة كهربائية.
يعتمد أغلب دول مجلس التعاون الخليجي على اقتصاد نفطي، وتصل مصروفات الحكومة الكويتية مثلًا في العام إلى 21.2 مليار دينار كويتي (قرابة 70 مليار دولار أمريكي)، تحصل على معظمها من تصدير النِّفْط، فماذا سيحدث إذا لم يحتَجِ الناس إلى كل هذا البترول؟
لسنا مستعدين لذلك، ويبدو أننا نرفض مواجهة الواقع، حتى إن «أوبك» (منظمة الدول المصدِّرة للبترول) أصدرت تقريرًا يتوقع أن تشكل نسبة السيارات الكهربائية 1% فقط من مُجمَل السيارات عام 2040، وهذا جنون.
ربما نعتقد أن أمامنا عقودًا لنستطيع معالجة مشكلاتنا، لكن هذا غير صحيح، فالتغيير يحدث فجأة، ويبدو أننا غير مستعدِّين لمواجهته.
برَّاك البابطين