صناعة الخيال: كيف تعيد دبي رسم مستقبل البشرية؟

ندى حنان
نشر في 2017/05/29

الصورة: Buena Vista Images

أغمض عينيك لثوانٍ وتخيل أنك في عام 2050، أنت في دبي المستقبل، تراها مألوفة وغريبة في آن واحد. هناك، يدير الذكاء الاصطناعي التخطيط العمراني للمدينة من مقرٍّ على ناطحة سحاب، وتتأكد المرايا الذكية في دورات المياه من صحة مستخدمي الحمامات، ويمكنك التواصل مع الحكومة عن طريق «هولوغرام» يمثل شابًّا إماراتيًّا أنيقًا.

تحقق هذا المشهد المستقبلي بالفعل خلال القمة العالمية الحكومية التي تُعقد سنويًّا في دبي بالإمارات العربية المتحدة، وتستضيف عشرات المتحدثين وما يزيد عن أربعة آلاف مشارك، ويعتبرها منظموها أكبر قمة جامعة للحكومات في العالم، وتهدف إلى «صناعة الأمل، وبناء الحياة والمستقبل، وإسعاد الناس»، حسب ما قال حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

في أثناء انعقاد القمة الثانية، كان ذكاء العمران الصناعي وهولوغرام الشاب الإماراتي ودورة المياه الذكية جزءًا من متحف الخدمات الحكومية المستقبلية، الذي يضم مجموعة من النماذج التفاعلية الافتراضية عُرضت للحضور كي توضح الخدمات التي ستقدمها الحكومة لمواطنيها بعد عقود قليلة.

وأورد موقع «The Verge» تقريرًا عن القمة وعن متحف المستقبل، الذي أنشأته الإمارات ليقدم صورة تخيلية لمستقبلها.

ماذا ستجد في متحف دبي للمستقبل؟

جولة في «متحف المستقبل»

يسعى متحف المستقبل إلى بناء مصانع تعالج ندرة المياه العذبة ومدن تبني نفسها بنفسها.

بدأت وكالة التصميمات التكنولوجية «تِل آرت» العمل على تصميم متحف المستقبل عام 2000، وهي شركة صغيرة يقع مقرها الرئيسي في ولاية رود آيلاند الأمريكية، ويعمل بها 38 موظفًا فقط حتى الآن. 

تلك النماذج الافتراضية التي شاهدها رجال الأعمال والموظفون الحكوميون وساسة الإمارات وكبار الشخصيات الأجنبية في متحف المستقبل غير متوفرة حتى الآن، لأن وظيفة «تِل آرت» تقتصر على تقديم تصورات مستقبلية ثلاثية الأبعاد وقابلة للبناء توافق احتياجات عملائها، الذين من بينهم شركة غوغل وأكاديمية كاليفورنيا للعلوم.

سيضم المتحف أقسام مثل «فيتزينيا»، وهي لعبة رياضية يحمل ممارسها كرة معدنية ثقيلة ويبدأ بالحركة داخل مجال افتراضي يتم التحكم فيه بتقنيات معرفة الوجه، و«فارما كافيه»، وهو مقهًى يقدم الأدوية التي يحتاجها مرتادوه في صورة مشروبات مثلجة، وكذلك ربات منزل يعملن بالذكاء الصناعي.

يسعى متحف المستقبل إلى إعادة النظر في مشكلة تغير المناخ، عن طريق اقتراح حلول مستقبلية تشمل مزارع آلية بالكامل لعلاج نقص الغذاء، ومصانع عملاقة تعالج ندرة المياه العذبة بخلط جينات قناديل البحر ونباتات الأيكة الساحلية، بالإضافة إلى مدن تبني نفسها بنفسها كحل للأزمة العمرانية.

قد يهمك أيضًا: لماذا تغادر الشركات الكبرى دبي؟

كيف أصبح الخيال صناعة؟

لا حدود للابتكار.. هيا نتخيل شكل المستقبل

تقف شركة «تِل آرت» في صدارة صناعة ناشئة لم تحصل على اسم بعد، يطلق عليها بعضهم اسم «الخيال المُصمَّم» أو «تصميم الخيال»، أي صناعة النماذج المستقبلية الأولية.

ظهر «الخيال المُصمَّم» على يد مجموعة كبيرة من الشركات والفنانين والمهندسين والمصممين، الذين يسعون لتوقُّع أشكال التكنولوجيا والمجتمع في المستقبل وتقديم نماذج لها على أرض الواقع.

سيمكِّننا هذا من رؤية التكنولوجيا التي سيتمتع بها أحفادنا في الغد القريب، وشكل العالم الذي سيعيشون فيه، حتى إن لم نتمكن من معاصرته. بتلك الطريقة، يتحول الخيال العلمي إلى حقيقة نلمسها في معارض تفاعلية وكاتالوجات للمنتجات المستقبلية.

قد يعجبك أيضًا: التكنولوجيا عدو أم صديق؟

مستقبل له تاريخ

جولة في معمل «كروم» للويب

تعمل «تِل آرت» على مشاريع قليلة لكل فترة، ويأتي معظم أرباحها من هذا النوع من المتاحف المستقبلية التخيلية، التي تتراوح تكاليفها بين مئة ألف دولار للمشاريع الصغيرة، وثلاثة ملايين دولار للمشروعات الضخمة مثل التي في دبي.

كان أهم مشاريع الشركة معمل «كروم» للويب عام 2012، إذ صممت «تِل آرت» ما يشبه حديقة حيوان للروبوتات في متحف العلوم بلندن، مستخدمةً تقنيات لم تكن متصوَّرة آنذاك، سمحت لمستخدمي الموقع الإلكتروني بالتحكم في أوركسترا ميكانيكية داخل المتحف، كما وفرت للزوار فرصةً لرسم صورهم الشخصية على الرمال باستخدام روبوتات.

جذب المعرض اهتمام كثيرين وكان سببًا في تعاقد حكومة الإمارات مع الشركة، التي بدأت تلعب أدوارًا أكبر كل عام، إذ تترجم السياسات المقترحة إلى معارض مستقبلية يمكن التفاعل معها.

اقرأ أيضًا: قريبًا يودعنا الهاتف الذكي.. ينتظرنا عالم أكثر ذكاءً

على «تِل آرت» أن تضع بعض الخصوصيات الثقافية الإماراتية في الاعتبار، فمثلًا يجب تصميم نظارات الواقع الافتراضي بطريقة تسمح للنساء بارتدائها مع الحجاب، كما ينبغي بناء ممرات واسعة بما فيه الكفاية كي تتيح للرجال والنساء أن يمرُّوا بسهولة ودون تلامس، وكذلك يجب أن تكون التصميمات مزخرفة أكثر، وليست بسيطة تمامًا كما يفضلها معظم الغربيين.

لماذا نخشى المستقبل؟

الصورة: DrCartoon

يظن «مات كوتم»، أحد مؤسسي «تِل آرت»، أنه من السهل حقًّا أن نصدم الناس بالخيال العلمي، وبالتالي يصير التخيُّل مسؤولية كبيرة، ويقول إنه «في أثناء صنع صورة عالية الدقة من المستقبل، نتمكن من توسيع خيال الناس ليشمل كل ما هو ممكن، لكننا نستطيع كذلك الحدَّ من آفاقهم وتحديد اختياراتهم المتاحة».

قدم كوتم نموذجًا من متحف المستقبل كدليل على ذلك، إذ سلَّم ضيوف المتحف مناشف دافئة ليمسحوا أيديهم كما يحدث في الفنادق الفاخرة، ثم أخبرهم أنه سيستخدم ماسحًا ضوئيًّا لكشف الآثار العالقة بالمناشف بغرض تحديد هويات الزوار وخلفياتهم، ومن ثَمَّ عرض على الشاشات تصورًا افتراضيًّا لأجساد المشاركين وما إذا كانوا مصابين بأمراض خطيرة ومعدية أم لا.

بعد انتهاء العرض، جاءت سيدة إماراتية حامل من المشاركين إلى كوتم وأعربت عن قلقها إزاء تأثير المسح الضوئي على جنينها، رغم أن التجربة لم تكن إلا مجرد محاكاة لما قد يحدث في المستقبل، أي أن الماسح الضوئي لم يُستخدم لتحليل بيانات بيولوجية فعلية، ومع ذلك خلَّفت التجربة انطباعًا مخيفًا لدى تلك السيدة عن المستقبل الذي تحمله التكنولوجيا.

رغم هذا الخوف، يُعد التنبؤ بالمستقبل مهمة أبدية حاول البشر في كل زمان ومكان إنجازها، لكن محاكاة التنبؤات وإخراجها في صور قابلة للتجربة أمر حديث العهد ولم يحدث في الماضي.

في معرض نيويورك العالمي عام 1939 الذي حمل اسم «عالم الغد»، قدمت شركة «جنرال موتورز» عرضًا ظهرت فيه مجموعة من الطرق السريعة تربط أنحاء الولايات المتحدة بعضها البعض، وبنايات مصنوعة من الفولاذ والزجاج تطل على طرق مزدحمة بالسيارات، وهذا ما تحقق بالفعل لاحقًا، في العصر الحالي.

قد يهمك أيضًا: السماء شبكة مواصلاتك: رحلة في مستقبل صناعة السيارات

وظيفة «تِل آرت» والشركات المشابهة أن تعمل كوكالات دعاية وترويج للتقنيات المستقبلية كي يبدأ الناس في استيعابها وتقبُّلها، فربما لو شاهدتَ استخدامًا لتقنيات معرفة الوجوه في متحف الخدمات الحكومية اليوم لن تشعر بصدمة كبيرة عندما تفاجأ بها في مطار دبي غدًا، لأن ما عُرض عليك في المتحف ساعدك على تقبُّل المستقبل.

لنعد إلى دبي الآن

مدينة دبي - الصورة: nelson ebelt

تستمر «تِل آرت» في تصور مستقبل متفائل لا يضطرنا إلى هجرة كوكب الأرض كله.

تُعد العلاقة مع «تِل آرت» ذات أهمية استراتيجية خاصة للإمارات، التي اعتمد اقتصادها بالكامل على النفط منذ سبعينيات القرن العشرين، وأصبحت الآن في حاجة إلى صناعة وطنية جديدة ربما تجدها في التكنولوجيا، وفي هذه الحالة تساعد الشركة في إعادة تقديم الإمارات للعالم كدولة «مستقبلية».

تقدم الشركة خدمة أخرى بالإضافة إلى ذلك، هي طمأنة واحدة من أكثر الدول ثراءً وأفقرها بيئيًّا في الوقت نفسه. ففي المستقبل الذي تتصوره الشركة للإمارات، استطاعت أموال البترول حلَّ كل المشكلات التي قد تصيب اقتصادًا نفطيًّا، وصارت الصحراء جنة بفضل التكنولوجيا.

قد يعجبك أيضًا: كيف ستكون دبي دون محمد بن راشد؟

يعمل متحف المستقبل على تأكيد أن مشكلات البيئة ستجد حلًّا، رغم أن هذا قد لا يكون مضمونًا، ولا يمكن تصور انتقال هذه الحلول نفسها إلى مناطق أخرى من العالم، أقل غِنًى.

مع هذا، تستمر «تِل آرت» في تصور مستقبل متفائل لا يضطرنا إلى هجرة كوكب الأرض كله، ويقودها في ذلك اعتقادٌ مفاده أن إعمال خيالنا في المستقبل ربما يكفي لتوجيهه.

ندى حنان