شالوم عليخم: التدين ومعضلة «الدولة اليهودية» في إسرائيل
لوقت طويل كنت أتصور أن إسرائيل دولة اليهود، وأن الشعب الإسرائيلي هم أولئك الذين يرتدون قبعات سوداء على مؤخرات أدمغتهم ويطيلون لحاهم وسوالفهم، ثم أدركت متأخرًا أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، وأن الإسرائيليين أنفسهم ليسوا يهودًا متدينين في معظمهم، وأن ما يقرب من ثلثي يهود العالم تقريبًا لا يسكنون في إسرائيل، وأن «الشعب الإسرائيلي» مقسَّم بحدة من الداخل.
لكن كي أفهم هذه الانقسامات الداخلية، كان عليَّ أن أعود بالزمن إلى الوراء كثيرًا.
المسيا/المسيح/الماشيح
المسيا صيغة للكلمة العبرية (מָשִׁיחַ)، التي تُنطق «ماشيح»، ومعناها ممسوح أو مسيح، والكلمات الثلاث (مسيا/مسيح/ماشيح) تدل على معنى واحد، لكن عادة ما تُستخدم كلمة «مسيح» للدلالة على المسيح الذي يؤمن به المسيحيون والمسلمون، بينما يستخدم البعض مصطلح «مسيا» أو «ماشيح» للدلالة على المفهوم اليهودي لهذه الكلمة.
ويؤمن اليهود والمسيحيون والمسلمون بالمسيح مع اختلافات في تصورهم عنه. فبينما يوقن المسلمون بأنه نبي الله عيسى الذي جاء بعد موسى وقبل محمد، يؤمن المسيحيون أنه يسوع المسيح ابن الله.
أما اليهود فيعتقدون يقينًا أن المسيح لم يأتِ بعد، وهو في التصور اليهودي يشبه المهدي المنتظر عند المسلمين؛ سيأتي آخر الزمان وتمتلئ الأرض على يديه بالعدل والرحمة والسلام.
ويؤمن اليهود أن المسيح رسول من الله سيكون من نسل داوود وسليمان، يحافظ على التوراة ويقيم الشريعة ويعيد بناء الهيكل ويجمع شتات اليهود في أرضهم؛ «أرض إسرائيل»، ويصبح ملكًا عليهم، ويعيد العصر الذهبي لإسرائيل ويجمع العالم على عبادة الله الواحد إله إسرائيل، وغيرها من نبوءات موجودة في بعض أسفار العهد القديم المسماة «التوراة»،، بالذات في سفر أشعياء.
لذلك، عندما بدأت الحركة الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود وجمعهم في فلسطين، رأت بعض التيارات اليهودية ذلك خطأ فادحًا؛ لأن الذي يُنهي شتات اليهود ويعيد جمعهم في أرض الميعاد هو «المسيا/المسيح»، وبالتالي فإن إنشاء دولة لليهود في فلسطين يُعتبر تَعديًا على الدور الخاص بالمسيح المنتظر.
«على اليهودي ألا ينضم إلى الأشرار الصهاينة»
كان اليهود في أوروبا العصور الوسطى مجموعات منعزلة عن شعوب البلاد التي يعيشون فيها، يقيمون في أماكن خاصة بهم «غيتو» (Ghetto)، ويعملون في وظائف لا يشغلها غيرهم، ويعانون في أوقات كثيرة من القمع والتمييز والاضطهاد على يد الحكومات أو الشعوب، وكتب كثير من المفكرين الأوروبيين الكبار؛ أمثال دوستويفسكي (Fyodor Dostoyevsky) وماركس (Karl Marx) وسارتر (Jean-Paul Sartre)، عمَّا عُرف وقتها بـ«المسألة اليهودية».
وتفاعل اليهود مع الحراك السياسي والاجتماعي في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، إذ ظهرت بينهم حركات تنوير وتجديد ديني مثل حركة «الهسكلاه»، وغيرها من الحركات الإصلاحية التي دعتهم للاندماج في البلاد التي يعيشون فيها، كما ظهرت حركات دينية محافظة ومتشددة، ثم خرجت الصهيونية مع ازدهار الأفكار القومية خلال القرن التاسع عشر في أوروبا، كحركة سياسية في صفوف البرجوازية اليهودية، هادفةً إلى إنشاء وطن قومي لليهود.
وكان المُنظِّرون الأوائل للصهيونية يرون اليهودية على أنها قومية وتراث مشترك يجمع اليهود وليست دينًا. كان زعماء الحركة الصهيونية أبعد ما يكونون عن التدين، وكانت فكرتهم عن الوطن القومي لليهود هو دولة علمانية حديثة على الطراز الأوروبي، ويمكن رؤية هذه الأفكار بوضوح عند أبي الصهيونية «تيودور هرتزل» (Theodor Herzl).
ففي كتابه «الدولة اليهودية»، الذي صدر عام 1896، يضع «هرتزل» الدين على الهامش، إذ يعتبر دور الحاخامات هو فقط الشحن والدعم الروحي للمواطنين، ويطرح فلسطين أو الأرجنتين وطنًا قوميًّا مقترحًا ويعدد مزايا كل منهما؛ فيشير إلى الأرجنتين باعتبارها أرضًا خصبة، وإلى فلسطين على أنها الوطن التاريخي لليهود، فيما لا يعطي أهميةً للدين اليهودي إلا باعتباره مصدرًا للأساطير التاريخية.
ويؤكد «هرتزل» في كتابه أن الدولة الصهيونية لن تكون ثيوقراطية (يحكمها رجال الدين)، فيقول: «سنمنع أي اتجاهات ثيوقراطية تتصدر قيادتنا من جانب الكهنوت، سنحصر كهنتنا داخل حدود المعابد، كما سنحصر بالمثل جيشنا داخل حدود معسكراته. لسوف يتلقى جيشنا وكهنتنا منا كل احترام رفيع بقدر ما تستحقه وظيفتهما القيمة، ولكنهما يجب ألا يتدخلا في إدارة شؤون الدولة التي نخلع عليها مكانة سامية، وإلا فسيجلبان علينا صعوبات في الداخل والخارج».
واجهت الأفكار العلمانية القومية للحركة الصهيونية اعتراضات كثيرة من الحاخامات الذين عاصروا نشأتها، ورفضوا فكرة وجود شعب يهودي يرتبط برابطة القومية. فالحاخام الأكبر لبريطانيا «هرمان أدلر» (Hermann Adler) قال عام 1887: «إننا بكل بساطة إنجليز أو فرنسيون أو ألمان، نمارس بالضرورة بعض العقائد الدينية الخاصة بنا، لكننا لا نختلف في هذا الشأن مع المواطنين الذين يعتنقون أي دين آخر».
وكذلك أصدر مؤتمر يهودي عُقد في مدينة بيتسبرغ الأمريكية سنة 1885 قرارًا بأن اليهود لا يعتبرون أنفسهم أمة بل مجرد جماعة دينية، وعلى هذا «لا نفكر في العودة إلى فلسطين، ولا نرغب في إحياء أي قوانين متعلقة بالدولة اليهودية».
كما هاجم الحاخامات الصهيونية باعتبارها حركة تهدم الدين. ويقول الحاخام «حاييم هاليفي» من مدينة بريست في جنوب بيلاروسيا، التي كانت مقرًّا لإحدى المدارس الدينية اليهودية الكبرى: «بالنسبة لطائفة الصهيونيين فقد نُظِّمت الآن بقوة، وأعلنت أن هدفها اقتلاع أسس ديانتنا (...) على شعب إسرائيل ألا ينضم إلى مغامرة تهدد بتدمير الدين».
ويصرح الحاخام «شنيئرسون» قائلًا: «إن من يتمسك بالتوراة وبالوصايا لا يمكن أن يقبل هذا الشكل من مغادرة المهجر بالقوة والخلاص بقوة الذات، إن هذا السلوك يتعارض مع عقيدة إسرائيل وطموحاتها، ونحن نتمنى وننتظر الخلاص بقدوم المسيا»، فيما يؤكد الحاخام «غور» أنه «على اليهودي ألاَّ ينضم إلى الأشرار، أولئك هم الصهاينة».
ويمكن تبيُّن مواقف المتدينين الإسرائيليين من خلال حزب «أغودات يسرائيل» (Agudat Yisrael)، ويعني «جمعية إسرائيل»، الذي شكَّله متدينون يهود في بولونيا الإيطالية عام 1912، إذ يقول الحزب في بيان له إنه «يرفض رفضًا باتًّا كل محاولة لنزع القدسية عن أرض إسرائيل، ويعتبر اقتراح إقامة دولة يهودية علمانية في فلسطين تهديدًا للمهمة السامية للشعب اليهودي كأمة مقدسة».
وعندما نشأت إسرائيل عام 1948، توصل هذا الحزب إلى موقف مَفادُه أنه لا يستطيع معارضة قيام دولة إسرائيل علنًا، كما لا يستطيع دعم قيامها؛ لأنَّها ستكون دولة علمانية.
التيارات الدينية الصهيونية وغير الصهيونية
ينقسم اليهود حاليًا إلى ثلاثة اتجاهات مختلفة في الموقف من الصهيونية ودولة إسرائيل:
1. المعادون تمامًا للصهيونية ووجود دولة إسرائيل، وهؤلاء كانوا التيار الغالب بين المتدينين اليهود في البداية، لكن نفوذهم تضاءل مع الزمن، وتمثله الآن الطائفة المسماة «أتباع ساتمار» أو «حسيدية ساتمار»، الذين يعارضون بشدة وجود دولة إسرائيل ويعتبرون إقامتها عملًا من أعمال الشيطان، بل ويصل بعضهم إلى المطالبة بتدمير وزوال دولة إسرائيل باعتبارها ذنبًا كبيرًا يخالف أوامر الله.
ويمثل هذا التيار منظمة «ناطوري كارتا» (Neturei Karta) المعادية لإسرائيل، التي تعترف بالسلطة الفلسطينية باعتبارها الحكومة الشرعية لفلسطين.
ويتوزع أعضاء هذا التيار على مناطق مختلفة من العالم أبرزها مدينة نيويورك، وبعضهم يقيم في القدس، لكنهم لا يحملون لا الجنسية ولا جوازات السفر الإسرائيلية.
2. التيار اليهودي غير الصهيوني «الحريديم» (متدينون متشددون)، وهو التيار الأكبر بين اليهود، وكان في البداية رافضًا لدولة إسرائيل ومعاديًا للصهيونية، كما أشرنا إلى موقف حزب «أغودات يسرائيل»، لكن التوجه العام في الأوساط اليهودية المتدينة بدأ يتحول بالتدريج إلى موقف أكثر مرونة، فصاروا يعترفون بالدولة الإسرائيلية ويحملون جنسيتها ويعيشون فيها ويتعاملون مع مؤسساتها، لكنهم لا يُقرُّون بشرعيتها لأنها مخالفة للشريعة اليهودية.
ويمثل المتدينين «الحريديم» حاليًا تحالفُ «يهدوت هتوراه» (United Torah Judaism)؛ الذي تكوَّن من اندماج «أغودات يسرائيل» مع حزب ديني آخر هو «ديغل هتوراه» (Degel HaTorah).
ويرفض الحزب تولي مناصب وزارية؛ لأنه يعتقد بحرمانية المشاركة في المسؤولية عن قرارات مخالفة للشريعة، لكنه يشارك في الائتلافات الحكومية برئاسة لجان برلمانية مهمة أو تولي منصب نائب وزير.
وفي عام 1984، انشق ممثلو الطوائف الدينية «السِّفاردية» («السِّفارديم» (Sephardim) هم اليهود الشرقيون الذين ترجع أصولهم إلى الدول العربية وآسيا) عن حزب «أغودات يسرائيل»؛ لأنهم شعروا بالتهميش من قِبل اليهود «الأشكناز» (Ashkenazi) القادمين من أوروبا، وشكَّلوا حزب «اتحاد السفارديم حراس التوراة»، المعروف اختصارًا بحزب «شاس» (Shas).
ويختلف «شاس» عن الحزب «الحريدي» الآخر «يهدوت هتوراه» في أنه منفتح أكثر على الجمهور التقليدي من غير «الحريديم» المتدينين، ويشارك في الائتلافات الحكومية مع اليمين أو اليسار، ويقبل تولي الحقائب الوزارية، أما موقفه من الصهيونية فملتبس؛ إذ يعتبر بعض قادته أنفسهم صهاينة، فيما يؤمن قادة آخرون داخل الحزب نفسه أن الصهيونية كفر.
3. التيار اليهودي الصهيوني، الذي انفصل مبكرًا عن التيار الديني ودعَم الصهيونية على يد الحاخام «إفراهام كوك» (Abraham Isaac Kook)، وبرر ابنه الحاخام «تسفي يهودا كوك» هذا التأييد بأن «الصهيونية استجابة لنداء الرب، بل هي الإرادة الإلهية نفسها وقد تجسدت على شكل حركة علمانية، والعلمانيون الصهيونيون ينفِّذون إرادة الله دون أن يدركوا ذلك في وعيهم الذاتي، وما يريدونه لا يعلمونه هم أنفسهم».
وينقسم اليهود الصهاينة إلى عدة تيارات؛ منها ما يرى أن المتدينين الآخرين أخطأوا فهمَ النصوص المقدسة المتعلقة بالمسيا، وأن انتصار الصهيونية وتجمع اليهود في فلسطين شرط لقدومه، لا العكس كما تؤمن التيارات الأخرى، وأن على اليهود الاجتماع في إسرائيل لتحقيق شروط قدوم المسيا.
وهناك اتجاه يُؤوِّل الظهور المنتظر بأنه ليس شرطًا أن يكون المسيا شخصًا بعينه، بل ربما يكون زمنًا يسود فيه العدل والسلام، وقد يحدث هذا في رأيهم بانتصار الصهيونية التي حققت كثيرًا من وعود المسيا؛ فجمعت شتات اليهود، وحررتهم من حكم «الأغيار» (غير اليهود)، وأحيت أرض إسرائيل، وغير ذلك من مظاهر قدوم المسيا.
ومثَّل هذا التيار حزبا «همزراحي» (HaMizrachi) و«هبوعيل همزراحي» (Hapoel HaMizrachi)، لكنهما توحدا في 1956 لتأسيس حزب «مفدال» (Mafdal)، الذي تحول فيما بعد إلى كتلة «البيت اليهودي» (The Jewish Home)، وهي الكتلة الممثلة للمتدينين الصهاينة والمتطرفين اليمينيين.
اقرأ أيضًا: تأملات يهودية عربية: صراع الهوية بين الدين والعرق
المتدينون في إسرائيل
بحسب مركز «بيو» للأبحاث، يُعرِّف الإسرائيليون أنفسهم بالانتماء إلى واحدة من خمس مجموعات؛ أوَّلها تضم غير اليهود (العرب)، وتشكِّل 19% من السكان البالغين.
أما المجموعات الأربع الأخرى فيهود؛ ويشكِّل المتدينون المتشددون «الحريديم» 8% من السكان، والمتدينون «الداتي»، الذين يشبهون «الحريديم» لكنهم أكثر انخراطًا في المجتمع، نسبة 10%، أما التقليديون «ماسوراتي»، الذين يلتزمون ببعض التقاليد الدينية مثل الختان والطعام الحلال (الكوشر) والذهاب للكنيس مرة في الأسبوع واحترام يوم السبت، لكن بدرجة أقل من المتدينين، فنسبتهم 23%، فيما لا تعبأ النسبة الأكبر من السكان (40%) بالدين، ويسمُّون «حيلوني».
اليهود المتشددون «الحريديم» غير ملحوظين؛ بسبب انعزالهم في أحياء ومستوطنات معينة لا يسكنها غيرهم؛ مثل «بناي براك» قرب تل أبيب، و«مئة شعاريم» في القدس.
ويشدد هؤلاء على قوانين الفصل بين الرجال والنساء في الشوارع والمواصلات العامة، ويدرسون في مدارس خاصة بهم «يشيفات»، تخضع لإشراف رجال الدين وليست للحكومة أي سلطة عليها، ويدرس الطلاب فيها المواد الدينية فقط، ولا يدرسون «العلوم الدنيوية» كالرياضيات والعلوم واللغات الأجنبية إلا للضرورة، ولديهم وسائل إعلام وشركات نقل خاصة بهم تطبق القوانين اليهودية بصرامة.
ويتميز «الحريديم» بارتداء زي خاص؛ يتكون من معطف طويل أسود وقبعة سوداء عريضة للرجال، ويُرخون لحاهم وتتدلى على آذانهم خصلات من الشعر المجدول، أما النساء فيرتدين أزياء محتشمة ويغطي شعرهن بما يشبه الحجاب، وبعضهن يكتفي بارتداء شعر مستعار (باروكة)، أما المتشددات فيرتدين زيًّا يسمى «الفرومكا» يشبه النقاب ويغطي الجسد بالكامل.
ويحاول «الحريديم» قدر الإمكان ألا يتحدثوا العبرية لأنها لغة مقدسة بالنسبة إليهم، ويستخدمون اللغة اليديشية (Yiddish) بدلًا منها، وهي خليط من العبرية والبولندية.
ويتهم العلمانيون المتدينين بأنهم رجعيون متطرفون، وتتكرر كثيرًا الإشارة إلى رغبتهم تحويل إسرائيل إلى دولة خُمينية (نسبة إلى الخُميني، أي يحكمها رجال الدين مثل إيران)، ويخوض المتدينون صدامات قوية مع الحكومة والعلمانيين من حين لآخر لأسباب مختلفة؛ من بينها مثلًا رفضهم التجنيد في الجيش الإسرائيلي، واعتراضهم على عمل وسائل المواصلات ودور السينما والملاهي يوم السبت.
وتشتهر في القدس ومناطق مختلفة من إسرائيل حروب يوم السبت، التي يتجمع فيها المتظاهرون المتدينون أمام دور السينما والمطاعم والمقاهي التي تعمل أيام السبت للمطالبة بإغلاقها، وكثير ما تحولت هذه المظاهرات إلى مصادمات مع الشرطة.
وبينما تركز دراسات إسرائيلية عديدة على الخطر الديموغرافي القادم من جهة العرب؛ الذين ينجبون أطفالًا بمعدلات أعلى من اليهود، تركز دراسات إسرائيلية أخرى على الخطر القادم من اليهود المتشددين، الذين تصل نسبة الإنجاب لديهم إلى سبعة أطفال في العائلة، أي بنسبة تفوق العرب الفلسطينيين في الداخل أيضًا.
لكن المشكلة الأكبر هنا أن نسبة كبيرة من الرجال «الحريديم» لا يعملون؛ إذ يقضون حياتهم في تعلم الدين، وهي مشكلة تؤرِّق الدولة وتضطرها لإعالة هؤلاء وأسرهم الكبيرة.
كيف تعمل «الدولة اليهودية»؟
تتفق كل الأحزاب في إسرائيل على يهودية الدولة، باستثناء حزب «القائمة المشتركة» (Joint List)، الذي يضم أحزاب عرب 48.
لكن معنى «يهودية الدولة» مختلف تمامًا بين هذه الأحزاب، فالأحزاب الصهيونية العلمانية تتعامل مع اليهودية باعتبارها دلالة على هوية قومية لها جذر ديني، أما المتدينون فلا يتفقون مع الصهيونية، ويسعون إلى دولة يهودية دينية تحكمها الشريعة اليهودية «الهالاخاه».
وتسيطر الأحزاب الدينية «الحريدية» على 13 مقعدًا في الكنيست (7 مقاعد لحزب «شاس»، و6 مقاعد لحزب «يهدوت هتوراه»)، يُضاف إليها 8 مقاعد لحزب اليهود الصهاينة «البيت اليهودي»، وبالتالي يصل إجمالي مقاعد المتدينين في الكنيست إلى 21 من 120 مقعدًا، وهو وزن ضئيل للغاية ويجعلها عاجزة عن تمرير تشريعات دينية يهودية.
لكن الأحزاب الدينية تلعب دورًا محوريًّا في البرلمان؛ فهي رمانة الميزان والمرجحة لأي ائتلاف حاكم، وتميل عادة إلى اليمين، وبفضلها يسيطر حزب «الليكود» اليميني على الحكم في إسرائيل للدورة الثالثة على التوالي، رغم أن مقاعد الأحزاب اليمينية العلمانية أقل من مقاعد أحزاب اليسار والوسط العلمانية.
وربما يكمن نجاح إسرائيل في أنها، رغم تنوع وتضارب واختلاف العرقيات المكونة لها بين «أشكناز» و«سفارديم»، والانقسام الحاد بين العلمانيين والمتدينين، استطاعت أن تحافظ على هذا التنوع وتدمجه في نظامها الديموقراطي المرن، الذي استوعب حتى عرب 48، ثالث أكبر كتلة في البرلمان.
لكن تبقى معضلة إسرائيل هي نظام الفصل العنصري الذي تمارسه ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، فهم ليسوا ضمن العملية السياسية، ولا تريد إسرائيل منحهم دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ولا تريد إدماجهم في إسرائيل لأن ذلك سيقضي على يهودية الدولة.
أحمد سمير