وجه غاندي القبيح: كره النساء والأفارقة وفرَّق بين أبناء جنسه

ندى حنان
نشر في 2017/04/03

الصورة: Darren Robb

من منا لا يُكِنُّ الاحترام للمهاتما غاندي، ذلك الرجل الهزيل التقي ذو الروح النقية، الذي أرسى قواعد المقاومة بغير عنف في الهند، وساعدها على الهروب من بين فكي الاحتلال البريطاني؟ لا أحد تقريبًا. لقد أصبح غاندي بالنسبة إلينا رمزًا لكل ما هو خير، وصار الإيمان بملائكية أفعاله وأقواله يقينًا لا يدخل إليه شك.

ازدادت هذه الصورة الخلابة للمهاتما غاندي قوةً بعد اغتياله عام 1948، فنُظِّف تاريخه من كل الشوائب، ودُفنت مساوئه من غير نقاش، وكان سهلًا على أتباعه التغاضي عن تناقضاته وطمس وجهه القبيح.

لكن هل تعلم أن غاندي كان يمارس العنصرية ضد الأفارقة السود، وضد النساء؟ كما لم يرغب في تخليص «الداليت»، الذين يمثلون «الطبقة الدنيا» في التسلسل الهرمي للطوائف الهندوسية، من الاضطهاد الطائفي الذين يتعرضون له؟

يتطرق مقال على موقع «Broadly» إلى هذا الوجه الآخر لغاندي، ويعرض لنا بعض تفاصيله الصادمة.

أيُّ أفارقة سود؟ غاندي يدافع عن الهنود فقط

غاندي مع الدوق الإنجليزي «ماونتباتن» وزوجته - الصورة: Universalis

قضى غاندي أكثر من 20 عامًا في جنوب إفريقيا يعمل بالمحاماة، مدافعًا باستماتة عن حقوق الهنود ولا أحد غيرهم. لم يجد المهاتما غضاضةً في التعبير بصراحة عن رأيه في الأفارقة السود، فهم في نظره بالكاد يرتقون إلى مكانة البشر، كما كان يرثَى لحال الهنود ويتألم لمعاناتهم لأن الاحتلال يساوي بينهم وبين أولئك «الهمج» من الأفارقة، حسب تعبيره.

يبدو أن المهاتما عمل على طمس هذه الآراء العنصرية وإخفائها عند كتابة سيرته الذاتية، فتعمد مثلًا عدم ذكر العريضة التي أصدرها عام 1895 للاعتراض على الوضع القانوني المتدني للهنود، والتي عبَّر فيها عن خشيته من أن يفسد هذا الوضع عاداتهم المتحضرة، ويدفعها إلى التدهور حتى تصبح كعادات السكان الأصليين لجنوب إفريقيا.

اقرأ أيضًا: مَن يُصلح ما فشل فيه مانديلا؟

طالب غاندي بطرد السود من جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا.

كان غاندي يستخدم لفظة «كافر» لوصف السود، وهي كلمة يُقصد بها الحَطُّ من قدر ذوي البشرة السمراء وإهانتهم، وليس الإشارة إلى معتقداتهم الدينية المختلفة كما يستخدمها العرب.

عُرف غاندي عمومًا بصرامة آرائه إذا تَعلَّق الأمر بالمساواة بين الهنود والأفارقة، فقد عبَّر مثلًا عن استيائه الشديد من الأوروبيين الذين يقللون من شأن الهنود، ويعاملونهم مثل «الكُفار البدائيين الذين لا يعرفون وظيفة سوى الصيد، ويقتصر طموحهم على جمع أكبر عدد من الماشية لشراء زوجة، ثم يُمضون ما يبقى من حياتهم عراةً غارقين في الكسل».

غير ذلك، استشاط المهاتما من الغيظ حين عرف بسماح السلطات للأفارقة بالعيش جنبًا إلى جنب مع الهنود في مدينة جوهانسبرغ، ورأى في ذلك ظلمًا شديدًا لأبناء جنسه، وطالب بطرد السود من البلد.

وفي عام 1903، نادى غاندي بضرورة هيمنة العِرق الأبيض على السكان في جنوب إفريقيا، وبعدها بخمس سنوات، حين زُجَّ به في السجن، احتجَّ على إيداع المساجين الهنود في زنازين مع الأفارقة بدلًا من البيض.

قد يهمك أيضًا: حقوق الإنسان تولد على شواطئ الكاريبي.. ماذا تعرف عن ثورة هايتي؟

عفوًا، غاندي يدافع عن الهنود الذكور فقط

تمثال للمهاتما وزوجته في متحف غاندي في الهند - الصورة: BockoPix

كان غاندي ينام عاريًا بجوار النساء ليتأكد من حصانته ضد الإثارة الجنسية.

خلال وجوده في جنوب إفريقيا، عبَّر غاندي عن كراهية واحتقار للمرأة استمرَّا معه طَوَال حياته، فقد حدث في هذه الفترة أن تحرش شاب بفتاتين من أتباعه، فلم يكتف المهاتما بتحميلهما كامل الإثم عمَّا حدث، وإنما عمد بنفسه إلى قص شعرهما حتى يضمن أنهما لن يثيرا شهوة أي رجل مستقبلًا.

اعتقد غاندي أن الرجل غير قادر على التحكم في غرائزه، وأن المرأة هي المسؤولة بالتالي عن تحفيز هذه الغرائز، وعليها تحمل النتائج.

قد يعجبك أيضًا: 3 مشاهير احتقروا النساء وعظَّمتهم الجماهير

كان غاندي يؤمن أن المرأة الحائض روحها مشوهة، وأن السيدة التي تستخدم موانع الحمل هي مجرد عاهرة، وأن الفتاة المُغتصَبة تنازلت عن آدميتها عندما تعرضت لاعتداء مُغتصِبها.

أخذ غاندي فيما بعد قرارًا بالتوقف عن ممارسة الجنس كي يصل إلى أقصى «درجات الطهارة»، لكنه لم يكترث برأي زوجته «كاستوربا» ولم يُناقشها مُطلقًا بخصوص الأمر، ثم شرع بعد ذلك في استخدام النساء، وبينهن فتيات قاصرات، كوسيلة لقياس قدرته على ضبط غرائزه، فكان ينام عاريًا بجوارهن دون تلامُس ليتأكد من حصانته ضد الإثارة الجنسية.

لا يبدو أن غاندي حمل أي احترام لزوجته بوجه عام، فقد كتب عنها لأحد أصدقائه حين كانت تعتني به خلال مرضه قائلًا إنه لا يقوى على النظر إلى «وجهها الذي يُشبه الوجه الغبي لبقرة».

ربما تعتقد أن هذا التشبيه مقبول لأن البقرة مقدسة في الهندوسية، لكن سوء معامة غاندي لزوجته يتجاوز هذه الإهانة بكثير، فـعندما مرضت كاستوربا بالالتهاب الرئوي ونصحها الأطباء بتناول الأنسولين، رفض المهاتما إعطاءها الدواء لأنه مادة غريبة عن طبيعة جسمها في رأيه، فماتت زوجته بعد فترة تحت تأثير المرض.

تعلَّم غاندي من أخطائه بعدها، وعندما أصيب لاحقًا بالملاريا واظب على تناول العلاج حتى شُفي.

غاندي يُدافع عن الهنود الذكور، باستثناء الداليت المنبوذين طبْعًا

غاندي مع وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند

يعيش الداليت في معاناة الآن بسبب تخاذل غاندي عن مساعدتهم.

رغم كون الداليت، أو المنبوذين، فئة من فئات الشعب الهندي، إلا أنهم لم يحصلوا على دعم المهاتما لقضيتهم، فلم يرَ داعيًا للدفاع عنهم، ولم يستحقوا في نظره أي تمثيل سياسي في البرلمان، كما طالبهم بالرضا عن وضعهم الحالي، لعل المستقبل يحمل لهم خيرًا.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد اتهم غاندي الداليت بالعمالة لصالح بريطانيا والعمل على تفرقة الأمة الهندية عندما طالبوا بحقوقهم، وأضرب عن الطعام حتى أوشك على الموت للاعتراض على القرار البريطاني بضمان حق الداليت في الانتخابات، ورأى أن هذا القرار يضرب وحدة الهنود في مقتل. اضطر الممثل الرسمي لطائفة الداليت آنذاك، «بهيمارو أمبيدكار»، إلى الخضوع لرغبة غاندي في عدم تمرير هذا القرار، الذي كان سيغير حياة المنبوذين إلى الأبد.

قد يعجبك أيضًا: كيف تعني «الوطنية» كُره الآخر؟

ظل الداليت في معاناة مستمرة منذ ذلك الوقت بسبب تخاذل المهاتما غاندي عن مساعدتهم، فلا تزال هذه الطبقة محرومة من حقوق البشر الأساسية، مثل الحصول على مياه الشرب، واستخدام المرافق العامة، والالتحاق بالمدارس والجامعات، ودخول المعابد الهندية.

وبينما استمر حرمان الداليت من حقوقهم، ظلت صفحات التاريخ متسامحة مع غاندي، فأزالت عنه كل سقطاته، واعتبرتها زلَّات لا ينبغي إعارتها الكثير من الاهتمام، كما تحولت في أحيان أخرى إلى دلائل إيجابية على «بشرية» المهاتما، هذا الرجل العادي الذي أفنى حياته في خدمة البشرية.

لكن بالنسبة إلى هؤلاء الذين لا زالوا يعانون تبعات اختيارات غاندي وسقطاته، يصعب النظر إلى هذه «الهفوات» بنفس التفاؤل.

تُرى كَم غاندي مرر التاريخ «هفواته» من قبل؟

ندى حنان