هل تحتاج الكويت للجوء إلى الخصخصة؟
لا يزال موضوع خصخصة منشآت القطاع العام والخدمات المقدمة منه يحظى بقدر كبير من الجدل واللغط، نظرًا لتعدد التفسيرات والأمثلة منها الناجحة ومنها غير الناجحة، ونظرًا للتفسيرات السياسية المختلفة. تتمحور الجدلية القائمة حول الغايات المنشودة من عمليات التخصيص، وهل سيسهم التخصيص فعليًا في إصلاح اقتصادي وتنويع الدخل وتحقيق الكفاءة وتخفيف الأعباء عن القطاع العام؟
أصل النقاش يرجع إلى تعريف دور الدولة في الاقتصاد، إذ يتجاوز الجدل الخلاف حول الخصخصة إلى ما هو أبعد من ذلك، الدور الأنسب للحكومة في ظل النظام الاقتصادي الريعي في الكويت. ومن ثم يذهب النقاش إلى فائدة التخصيص. وهنا لا بد من التوقف عند الغاية الأساس منه، والتي في أصلها تمثل انتقالًا من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، إذ أن المحرك الأساسي هو قوى العرض والطلب وليس الدولة. وعليه فإن الانتقال من النظام الاقتصادي الذي يدار بشكل أكثر مركزية إلى نظام اقتصادي موجه نحو السوق يجعل من الخصخصة وسيلة لتحقيق هذا الانتقال، وهنا تكمن الجدلية حول جدوى التخصيص والأهداف المرجوة.
مع الخصخصة أو ضدها؟
ينظر المؤيدون للخصخصة إلى الحكومة على أنها عائق في الانتقال إلى اقتصاد حر وأكثر فعالية. وعليه فإن إعادة توزيع الموارد من خلال الخصخصة وسيلة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي أو تسهيل العملية الانتقالية إلى «اقتصاد السوق الحر»، من خلال رفع الإنتاجية والكفاءة لكل المؤسسات والقطاعات المستهدفة، ما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.
في المقابل ينظر المعارضون إلى الحكومة على أنها لاعب أساسي في تحقيق ما هو أبعد من الكفاءة وحسب، بل ضمانة لحفظ الموارد والثروات. ويحتج المعارضون بأن للخصخصة تكاليف اقتصادية وأعباء مالية على المواطن، وما هي إلا إعادة توزيع الموارد لصالح التجار والمحتكرين على حساب المستهلك، ما يعزز النظام الرأسمالي المجحف اقتصاديًا بحسب رأيهم.
ومن هنا نجد أن هذا الاستقطاب بين الفريقين اقترن بمفهوم غير مرن لعلاقة القطاع العام بالخاص، مرتكزًا في صلبه على تراجع وتقليص دور القطاع العام غير الفعال والسلبي، مقابل بروز القطاع الخاص الأكثر كفاءة في إدارة الموارد. وهنا يبرز الاستقطاب السياسي-الاقتصادي بين المفهوم النظري والذي يؤكد دور القطاع الخاص، كما ترتأيه «النيوليبرالية» في الإصلاح الاقتصادي من ناحية، ومن ناحية أخرى الفريق المتوجس من نقل الأملاك العامة والموارد العامة والتي هي ملك للشعب لفئة معينة، ما يترجَم إلى خسارة للشعب.
الخصخصة بين الكلاسيكية والخصوصية الريعية
في المفهوم الكلاسيكي، تعني الخصخصة انتقال الملكية أو إدارة الأملاك العامة التابعة للدولة إلى الملكية الخاصة أو الإدارة الخاصة من قبل القطاع الخاص بشكل عام. أما بالمفهوم الأدق، فالخصخصة تعني انتقال إنتاج السلع والخدمات التي توفرها الدولة إلى القطاع الخاص. ولذا نظريًا؛ تؤطر الخصخصة في إطار الحل الأمثل والوحيد للإصلاح الاقتصادي، وأن ما يحدث هو نقل شركات أو أملاك أو خدمات من فشل الإدارة العامة إلى نجاح الإدارة الخاصة. ولذلك تقيَّم الحاجة وفعالية الخصخصة من خلال نجاح العملية في زيادة الكفاءة والإنتاج، وتقليص دور الدولة في إدارة النظام الاقتصادي.
إلا أن الدول ذات أنظمة الاقتصاد الريعي كالكويت، يعود دور الدولة في إدارة الاقتصاد وحفظ الموارد والتوزيع العادل فيها إلى مقدمة النقاش والجدل، فلا تعود الكفاءة المنطلق الوحيد لتقييم الحاجة إلى الخصخصة فحسب. ومن هذا المنطلق يندرج النقاش تحت عناوين متعددة يدور حولها الجدل. تتمحور الجدليات حول: الملكية وحقوق الملكية، إعادة توزيع الثروات، العمالة، المقايضة بين الربحية والامتيازات المعيشية والاجتماعية، الأثر على موازنة الدولة بشكل خاص في حالة الدولة الريعية، النتائج من التجارب العالمية.
الجدلية الأولى: الملكية وحقوقها
يدور الجدل تحت هذا العنوان بشكل خاص في مسألة تخصيص موارد الدول الطبيعية، والانتقال الشكلي من احتكار الدولة إلى احتكار فئة معينة من التجار، التي لديها القدرة على شراء أسهم العامة التي نُقلت الملكية لها. في هذا الإطار وفي مسألة حقوق الملكية تحديدًا، يشير خبير الاقتصاد الكويتي الدكتور عباس المجرن في بحثه حول خصخصة القطاعات الإنتاجية إلى قطاع النفط تحديدًا، فيقول إن «غالبية المعارضين لخصخصة هذه القطاعات يرفضون فكرة التخصيص ما لم توجد آلية أو إطار قانوني يضمن أن الموارد المخصخصة ستعود الفوائد المالية منها إلى المالك الحقيقي، أي الشعب».
بالإضافة إلى ذلك، يشير المجرن إلى أن الاعتراض على خصخصة مثل هذه القطاعات الاستراتيجية خصوصًا من خلال بيعها لشركات أجنبية أو مستثمرين من خارج الدولة، يهدد الحقوق السيادية للدولة. ولذلك كان قطاع النفط أحد القطاعات المستثناة في قانون التخصيص الكويتي.
يدعي المعارضون أن الخصخصة تؤدي إلى إعادة الهيكلة بالنسبة للتوظيف في المؤسسات الحكومية، ما ينتج عنه عمليات تسريح غير متكافئة لفئات معينة من العمال.
أما في ما يخص احتكار فئة قليلة لملكية هذه القطاعات أو الخدمات المخصخصة، فيستدل الاقتصادي توماس بيكيتي في كتابه «رأس المال في القرن الواحد والعشرين» بما حصل في روسيا في التسعينيات إثر نقل ملكية رأس المال/الثروة الوطنية من القطاع العام إلى قلة من الأفراد بعد الخصخصة، ما أدى إلى تنامي ثروة طبقة الأثرياء الذين مكنتهم القوة المالية من احتكار الملكية عبر شراء أسهم العامة، ما يؤدي إلى احتكار هذه الفئة لموارد الدولة أو لعوائد هذه القطاعات المخصخصة.
إلا أن المؤيدين للخصخصة يفندون الحجج حول الملكية وحقوق الملكية من منطلق أن نقل الملكية لا يعني نقل الثروات. كما أن عملية نقل الملكية من القطاع العام إلى الخاص تعتمد على كيفية النقل، أي طريقة الخصخصة من القوانين الموضوعة، وهل تُوزَّع أسهم مجانية على الشعب أم تُطرح في طرح عام يمكِّن نسبة محددة من الشعب من تملك الأسهم، بالإضافة إلى توزيع أسهم على العمالة في هذه القطاعات. وفي هذا الصدد جاء قانون التخصيص الكويتي بشروط عدة في مسألة تملك الأسهم في الطرح العام وتحديد نسب محددة، بالإضافة إلى مدة زمنية ملزمة تحول دون بيع الأسهم. أما الجدوى من فعالية هذه الشروط فمحل نقاش آخر.
الجدلية الثانية: إعادة الهيكلة
يدعي المعارضون أن الخصخصة تؤدي إلى إعادة الهيكلة بالنسبة للتوظيف في المؤسسات الحكومية، ما ينتج عنه عمليات تسريح غير متكافئة لفئات معينة من العمال. أما بالنسبة لمؤيدي الخصخصة فإنهم يفندون هذا الادعاء بأنه على المدى القصير قد تؤدي الخصخصة إلى عمليات تسريح وإلغاء لما هو في الأصل تضخم في العمالة، ولكن مع زيادة كفاءة هذه المؤسسات والقطاعات وإنتاجيتها سيشكل ذلك تلقائيًا نموًا حقيقيًا في الوظائف وزيادة في الطلب على العمالة، ما يعني أن نسبة العمالة ستتعافى تلقائيًا.
الجدلية الثالثة: بين الربحية والامتيازات
نقصد بها علاقة الخصخصة بين ربحية المؤسسات والتأثير على المستهلك، وتحديدًا المواطن. ففي حين يُرجى من الخصخصة تحسين الكفاءة والعائدات والأرباح من خلال إلغاء الدعم وزيادة الأسعار، يكون التأثير الأول والمباشر من خلال رفع الأسعار وإعادة هيكلة التوظيف على الأفراد. ولذلك يرى المعارضون أن الخصخصة ستؤدي لزيادة أسعار الخدمات والسلع.
هنا تجدر الإشارة إلى أنه في حين أن النظرة السائدة والتجارب العديدة أوحت بأن زيادة الأسعار واقع لا بد منه بعد الخصخصة، إلا أنه في الأصل يوجد اتجاهان للأسعار بعد الخصخصة: إما الزيادة، في حين كون أسعار الخدمات المقدمة في أصلها دون مستوى استرداد التكلفة، أي ذات خسارة، أو إزالة الدعم عنها. أما الاحتمال الآخر فقد تؤدي الخصخصة إلى انخفاض أسعار الخدمات، إذا ما كانت مصحوبة بزيادة في المنافسة وتحسين في الإدارة يحسن الكفاءة الإنتاجية، ما يمكن أن ينتقل إلى المستهلكين.
الجدلية الرابعة: الأثر على موازنة الدولة
بينما تسهم الخصخصة في خفض مختلف أنواع الدعم أو إزالته، مما قد يساعد في خفض العجز المالي، فإن كثيرًا من الجدل المحيط يشير إلى أنها في المقابل ستؤثر بشكل غير مباشر على فئات الدخل المنخفض، ما سيزيد من أعباء الدولة في إعانات العلاوات الاجتماعية أو علاوة الغلاء المعيشي، وقد يكون له تأثير سلبي على الدخل الحقيقي للفرد.
الجدلية الخامسة: التجارب العالمية
يتوجب علينا التوقف مليًا عند ما يتعلق بتجارب الخصخصة في العالم منذ الثمانينيات، خصوصًا في الدول المتقدمة وفي طليعتها المملكة المتحدة، والتي كانت رئيسة وزرائها آنذاك مارغريت تاتشر من أكبر مؤسسي نهج الخصخصة إلى يومنا هذا. فقد أبقت هذه التجارب على تلك الجدلية حول الجدوى من عمليات التخصيص ونجاحها، نظرًا لاختلاف النتائج عبر الدول والقطاعات المختلفة، ما لم يحسم النتائج المرجوة والحتمية من التخصيص ودورها في تحقيق الأهداف العامة من حيث الانتقال إلى أنظمة اقتصادية حرة، إلى الغايات المحددة من حيث إصلاح هذه القطاعات والمؤسسات وتعزيز أدائها.
وقد برزت دراسات عديدة منها دراسات برعاية البنك الدولي وجامعات عريقة مثل أكسفورد، شملت دراسات تقنية اقتصادية علمية بنيت على إحصاءات من مئات الشركات ومختلف القطاعات والدول، على أسس علمية مختلفة، وخلصت إلى أن النتائج اختلفت عبر القطاعات.
ففي القطاع المالي أثبتت التجارب بشكل عام أن عمليات التخصيص أسهمت إجمالًا في تحسين أداء المؤسسات المالية تحديدًا من حيث الربحية والفعالية. أما في القطاعات الخدمية وعلى رأسها الكهرباء والماء فكانت النتائج تشير إلى نجاح أو تطور محدود في أداء هذه المؤسسات والقطاعات المخصخصة. وبالنسبة لقطاع الاتصالات فقد خلصت الدراسات إلى عدم وجود اتجاه واضح بين النجاح أو الإخفاق، وقد كان التباين في الأداء نظرًا لخصوصية المناطق والدول. ففي أمريكا الوسطى وإفريقيا وآسيا كانت النتائج أكثر إيجابية مقارنة بتخصيص قطاع الاتصالات في أمريكا اللاتينية وبعض دول إفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية.
وعليه فإن ما كان جليًا في هذه الدراسات أن العامل الأساسي الذي يوضح أسباب التباين في أداء القطاعات والدول هو في مجمله قوة المؤسسات الرقابية والبنية التحتية القانونية والرقابية، فضلًا عن التنوع في المنافسة الفاعلة الموجودة، والاختلاف في المعايير التعاقدية ونوعية الجهات الخاصة المتملكة لهذه المؤسسات المخصخصة (أي نوعية التخصيص).
وعليه، ففي ظل عدم حسم هذه الجدلية: كيف المشهد حاليًا؟ وما الممكن البناء عليه؟
التأثيرات العالمية على الخصخصة
هل يمكن رفع سلطة القطاع العام بشكل تام؟ رغم عدم وجود نتائج حاسمة حول الخصخصة، فإن نبرة الجدل حول هذا الموضوع تغيرت مع مرور الوقت، خصوصًا بعد أن أصبحت فكرة التخصيص مقرونة أكثر بالتأثير الذي تحظى به المؤسسات المالية العالمية، مثل البنك الدولي، والذي كان له دور في الترويج للخصخصة باعتبارها إحدى ركائز الإصلاح الاقتصادي، في ما يعرف بإجماع واشنطن للإصلاحات الاقتصادية المرتبط بـ«النيوليبرالية الاقتصادية». واقترنت الخصخصة أيضًا بجذب الاستثمارات إلى الدول، ما جعلها أقرب إلى الواقع المحتم في ظل تنافس الدول في جذب الاستثمارات.
وعليه فقد تطور النقاش فأصبح التركيز على السياسات الاقتصادية، وصارت استراتيجيات سياسة الاقتصاد المتبعة هي المنطلق، وكيف يمكن تطويعها وتوظيفها لتهيئة الأرضية الصحيحة لإنجاح عمليات الخصخصة، من خلال تقوية المؤسسات الرقابية ووضع القوانين ذات الصلة بالخصخصة، والتي تسهم في حفظ حقوق المساهمين والعامة، كون ما الخصخصة في الأصل تستهدف خدمات ومؤسسات تعنى بالمال العام.
الخصخصة في الكويت: إلى أين؟
تطرقت غرفة تجارة وصناعة الكويت في بيانها المتعلق بقانون التخصيص إلى انتقال مسؤولية الدولة في ظل المضي في التخصيص من دور «التزويد والتوريد» إلى «الرقابة والتنظيم»، الأمر الذي تمحور حوله النقاش العام سواء في المحافل الاقتصادية أو الدراسات المقدمة من البنك الدولي إلى البحوث الأكاديمية والعلمية.
الخصخصة كأغلب أدوات السياسة الاقتصادية، تتضمن تأثيرات جانبية عديدة بجانب الهدف المرجو منها.
وبالحديث عن الإدارة وأهمية إصلاح مكامن الخلل في الدولة إداريًا، تحدث حول هذه الجزئية دكتور الاقتصاد في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بالكويت عبد العزيز العصيمي إلى «منشور»، وذكر أهمية إصلاح الفوضى الإدارية في الدولة أولًا، إذ أنه «من الصعب في الكويت اقتراح سياسة اقتصادية عامة، أو التعليق بشكل فني على أي مقترح اقتصادي، فإدارة الدولة الفوضوية تجعل كل معالجة اقتصادية قد تبدو فعالة نظريًا (كخصخصة بعض القطاعات الاقتصادية) أمرًا غير منطقي، بل تجعلها كأي تغيير في هذا المناخ الفوضوي عاملًا جديدًا لزيادة سوء الوضع العام، ومنبعًا آخر للفساد».
يضيف العصيمي أن «الخصخصة كأغلب أدوات السياسة الاقتصادية، تتضمن تأثيرات جانبية عديدة بجانب الهدف المرجو منها (رفع كفاءة توزيع الموارد الاقتصادية). وعليه فإن استخدامها يجب أن يكون بشكل حذر».
كما أن «ضعف بنية التشريع والرقابة (الحقيقية لا الشكلية) في الكويت، يعد مبررًا لتخوف الكثيرين من خطط الخصخصة». ولذلك فالحل الأمثل قبل المضي في أي من عمليات التخصيص أو تعديل على القانون هو إجراء إصلاح سياسي اقتصادي، بالتزامن مع وضع النقاش في سياق أوسع يبتعد عن الاستقطاب ويركز في صلبه على دور الدولة وشكل النظام الاقتصادي المستقبلي.
بيان غرفة التجارة عن الخصخصة
بالعودة إلى غرفة تجارة وصناعة الكويت، فقد أشارت في بيان لها في عام 2010 إلى نقد لبعض مواد قانون تنظيم برامج التخصيص الذي أقره مجلس الأمة آنذاك. انتقد البيان المادة 14، التي أجازت «للمجلس الأعلى للتخصيص أن يقرر مجانية الأسهم المطروحة للاكتتاب العام، وطرحها لجميع المواطنين بالتساوي».
مثل هذا «الجواز» سيصبح «وجوبًا» دائمًا، نزولًا عند الضغوط السياسية. فمن حق الحكومة أن تدفع لكل المواطنين وبالتساوي ثمن ما يمكن أن يحصلوا عليه من أسهم. والأكثر من ذلك، للمواطنين أنفسهم أن يقرروا بعد ذلك الاكتتاب من عدمه. أما الاكتتاب المجاني فهو الأسلوب الذي يشوه معنى المشاركة في الملكية، ويميّع مفهوم الشركة المساهمة، ويفتح الباب على مصراعيه لتمركز ملكية الأسهم في «أيد قليلة».
أما الثغرة الأخرى التي أشار إليها بيان الغرفة، والتي هي محط نقاش أيضًا في ما يتعلق بنقل الملكية والجدوى من التخصيص، فهي ثغرة موجودة في قوانين الخصخصة ليس فقط في الكويت فحسب، وتتعلق بمبدأ «السهم الذهبي» (المادة 16 في قانون التخصيص الكويتي). يعنى هذا المبدأ بإعطاء الدولة القدرة التصويتية التي تمكنها من الاعتراض على قرارات مجلس إدارة الشركة التي تأسست نتيجة التخصيص، أو قرارات الجمعية العامة للشركة، حمايةً للمصلحة العامة.
ولذا نظريًا، يضمن السهم الذهبي السيطرة النهائية على الشركة المخصصة، لممارسة حق النقض على القرارات ذات الأهمية الاستراتيجية والعامة، ما يشير إلى عدم وجود تغيير جذري في سلطة القطاع العام على هذه المؤسسات. وفي أصله، تجد هذا المبدأ محل نقاش وجدل عام في أوساط عالمية منها الاتحاد الأوروبي، إذ أشارت محكمة العدل الأوروبية إلى أن وجود هذا البند يعد أداة للاحتفاظ بسيطرة الدولة على الشركات المملوكة لها بشكل رئيسي.
وفي ظل نص قانون التخصيص الكويتي على «السهم الذهبي»، يعود النقاش حول الجدوى من التخصيص، إذ لا تزال الدولة قادرة على التأثير، ما يجعل التخصيص صوريًا لانتقال الملكية. وفي حين لم يرفض بيان الغرفة المبدأ في أساسه، إلا أنه وصفه بأنه «يشكل انحرافًا ضارًا بمفهوم السهم الذهبي وغايته، وهو انحراف طارد للاستثمارات الأجنبية، ومحبط للمستثمر الوطني، لأنه يخلق قلقًا مبررًا من أن يقترن تخصيص الملكية بتأميم الإدارة».
يبدو أن اشتمال القانون على مبدأ السهم الذهبي هو الأمر الذي سمح له بالمرور بشكله في حينها، إلا أن بيان الغرفة أصاب في وصفه، كون هذه المادة تسبب شبه تعطيل كامل لعملية الخصخصة الحقيقية. والسؤال الأهم للخروج من هذا الحلقة المفرغة: كيف يمكن سد هذه الثغرة في القانون؟ ولعله السؤال الأصعب والأهم من حيث الجدوى من الخصخصة. إذا كانت الدولة تملك حقًا كهذا، هل سينجح التخصيص في تحقيق الأهداف الموضوعة؟ وكيف يمكن الأخذ بالسياق الأوسع للحالة الاقتصادية والإدارية والسياسية في الكويت، والنظر لما هو أبعد من اليوم والغد؟ النظر لشكل النظام الاقتصادي المستقبلي للدولة.
سمية الجزيري