كيف هرب ستة أسرى فلسطينيين من أشد السجون حراسة؟
حين تقرأ الخبر للوهلة الأولى في ساعات الصباح الباكر: «هروب ستة أسرى أمنيين فلسطينيين من سجن الجلبوع في إسرائيل من خلال حفر نفق في الأرض»، ستظن أنها كذبة، أو فيلمًا من أفلام هوليوود، شيء شبيه بفيلم The Shawshank Redemption، الذي يحكي قصة سجين اتُّهم بالقتل ولم يتمكن من إثبات براءته، وخلال أعوام طويلة ظل يحفر نفقًا في أرضية السجن من خلال فتحة المجاري، ليهرب مستنشقًا حريته.
لم يُكذب الأسرى الفلسطينيون خبرًا، وصنعوا من أفلام هوليوود واقعًا، وأكدوا حقيقة أن الثورة تبدأ من الأرض وإلى الأرض.
نجح الأسرى في الفرار، وبقيت صورة الجنود ومفتش السجون مع شروق الشمس وهم ينظرون داخل النفق بذهول، معلقةً أمام حرية من يناضل لأجل حريته وحرية بلاده.
سجن الجلبوع
بُني السجن عام 2004 بجانب سجن شطة في منطقة بيسان الفلسطينية، وذلك كرد فعل على محاولة هروب أسرى أمنيين من سجن شطة عام 1998. شُيد السجن في شمال فلسطين المحتلة بالقرب من الضفة الغربية، وكان بناؤه من خلال خبراء أيرلنديين بما يشبه طبيعة السجون الأيرلندية، التي يعتقلون فيها أفرادًا من الجيش السري الأيرلندي.
مع افتتاح سجن الجلبوع، أعلن قادة الاحتلال إدخال «عنصر سري» تحت أرضيته يغير لون أرضية الغرفة إذا تم محاولة حفر خندق.
يعد السجن ذا طبيعة أمنية مشددة، ويوصف بأنه الأشد حراسة في المنطقة قاطبة، إذ تسجن إسرائيل داخله الأسرى الأمنيين الذين نفذوا عمليات في الداخل الفلسطيني، والتي توصف بأنها أشد العمليات خطورة على الكيان المحتل. ومع بداية افتتاحه، نُقل إليه 70 أسيرًا من مختلف التنظيمات، والذين اعتبروا من النواة الصلبة للعمليات، وذلك ضمن مخطط إسرائيلي يستهدف عزل النشطاء من الأسرى في هذا السجن، الذي يخضع لإجراءات أمنية مشددة ومعقدة.
يقول منير منصور عميد الأسرى في الداخل الفلسطيني والأسير الأمني السابق لـ«منشور»: «هذا السجن بناء حديث تابع لسجن شطة المعروف وسيئ الصيت والسمعة، في الأصل كان عبارة عن إسطبل خيل ومستراح لحاكم الانتداب البريطاني، وحولته إسرائيل إلى سجن عند احتلالها البلاد. ومن المعروف أن هذا السجن كان عبارة عن سجن للأمنيين في خمسينيات القرن الماضي، وبالذات المتهمين بالتخابر مع سوريا ومصر، وقد كان فيه سجناء مصريون وسوريون أيضًا».
ومع افتتاح سجن الجلبوع، أعلن قادة الاحتلال إدخال «عنصر سري» تحت أرضيته يمنع الحفر، وأنه لو أخرج أحد السجناء جزءًا من الخرسانة التي تغطي أرض السجن، فإن لون أرضية الغرفة سيتحول إلى لون آخر يشير إلى محاولة حفر خندق.
يوضح منصور أنه «في عام 1958، وقع انقلاب داخل السجن أدى إلى هروب عدد من السجناء، ومقتل عدد من السجناء والضباط الإسرائيليين، أما صاحب خطة الهروب فقد كان ضابطًا مصريًا. من هنا نستشف أن هذا السجن لديه تاريخ من محاولات الهرب والانقلابات، إذ وقعت حادثة معروفة بمحاولة بناء نفق والهرب في عام 2014، لكن أُلقي القبض على السجناء ولم يتمكنوا من الفرار».
لم تكتف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما هو قائم من سجون ومعتقلات من حيث العدد والبشاعة، فكان بناء سجن جلبوع إضافة إلى سجون ومعتقلات ومراكز توقيف وصل عددها إلى قرابة 28 سجنًا ومعتقلًا ومركز توقيف.
وحول سوء سمعة هذا السجن، يؤكد منصور أنه «انتشر بيننا نحن السجناء أن من ينتقل إلى هذا السجن فقد انتقل إلى المسلخ، بسبب سوء إدارته وسجانيه، وسوء معاملة الأسرى».
يصف أسرى سابقون في السجن أنه قلعة أمنية، وأن الهروب بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت ومن هذا السجن المحصن تحديدًا هو حدث أمني كبير يهز أركان الاحتلال الأمنية والعسكرية. ويؤكدون أنه كان يُقال لهم إن أرضية سجن الجلبوع مزودة بمجسات تكشف الاهتزازات وأعمال الطرق والحفر، وكان السجانون يأتون لتفقد الغرف أحيانًا لمجرد وقوع أي جسم على الأرض.
الأسرى المنطلقين إلى الحرية
نجح ستة أسرى أمنيين فلسطينيين في الهروب من «القلعة الأمنية» سجن الجلبوع، من خلال حفر نفق داخل السجن أخذهم إلى الحرية، ولم تكتشف مصلحة السجون وقوع خرق أمني في السجن إلا بعد ساعات من حصوله، من خلال تبليغ مزارعين في المنطقة للشرطة عن احتمالية وجود لصوص في الأراضي، لتكتشف مصلحة السجون لاحقًا وجود نفق داخل السجن يفضي إلى الخارج. وبحسب الاحتمالات الأولية للصحافة العبرية، فإن احتمال وصول الأسرى إلى جنين بات كبيرًا بسبب التأخر في اكتشاف فرارهم.
ينتمي الأسرى الفارون إلى فصائل فلسطينية مختلفة، وينفذون جميعًا أحكامًا بالسجن المؤبد، ومن أبرزهم زكريا الزبيدي القيادي السابق في كتائب شهداء الأسرى التابعة لحركة فتح، والذي ينحدر من مدينة جنين القريبة من السجن. وبالإضافة إلى الزبيدي، فقد هرب خمسة آخرون ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي، وهم محمود ومحمد العارضة من عرابة جنين، ويعقوب قادري من بير الباشا، وأيهم كممجي من كفردان جنين، ومناضل يفيعات من يعبد.
اتهم نفتالي بينيت رئيس الوزراء حكومة نتنياهو بتسهيل هروب الأسرى، لأن عملية الحفر استغرقت سنوات وليست وليدة اليوم.
يعلق منير منصور على هروب رفاقه قائلًا: «نتمنى لرفاقنا السلامة التامة، آملين أن يكونوا في منطقة آمنة بعيدة عن الاحتلال وعن أعين الجواسيس والمخبرين والتنسيق الأمني سيئ السمعة. ثمة احتمالات كثيرة الآن لما سيحدث، فمن الممكن أنهم قد هربوا إلى الضفة أو الأردن، أو تمكنوا من التواصل مع من هم في الخارج والهروب إلى غزة، رغم صعوبة الاحتمال. أما الاحتمال الأسوأ فهو اشتباكهم مع الاحتلال واستشهادهم، أو إعادة إلقاء القبض عليهم».
ويضيف: «من ناحية نحن فخورون جدًا بسبب ما فعلوه، ومن ناحية أخرى كان يجب على المفاوضين في صفقات تبادل الأسرى وضعهم ضمن الصفقات بسبب سنوات محكوميتهم الطويلة التي قضوها في السجن، لكن العملية التي نفذوها كانت عظيمة، ولا تقتصر فقط على شخوصها، بل على الاختراق الأمني لمنظومة تعد من أكثر المنظومات تطورًا في العالم، ودون اكتشافها أو الإحساس بها إلا بعد مرور ساعات طويلة».
تخبط السياسيين والإعلام الإسرائيلي
يلاحظ المتابع للأخبار الإسرائيلية منذ الصباح مدى التخبط الذي يعانيه المحللون ومسؤولو الأمن في مصلحة السجون والجيش، حول الفشل الهندسي والأمني في السجون، إذ قال وزير الأمن الداخلي إن الحدث الأمني اليوم يعد فشلًا هندسيًا كبيرًا، «فالزنازين مبنية على أعمدة، أي أن هناك فراغًا بين أرضية الزنزانة وسطح الأرض، مما سهل على الأسرى عمليات الحفر».
يقول منير منصور حول الوضع السياسي ورد فعل السياسيين، خاصة في ظل التوتر منذ تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل: «الوضع العام في الإقليم متوتر بسبب حادثة قتل الجندي الإسرائيلي على جدار قطاع غزة، وتوجه السفينة الإيرانية إلى شواطئ لبنان. وفي تصريح جانبي لنفتالي بينيت رئيس الوزراء في الصباح، اتهم حكومة نتنياهو بتسهيل هروب الأسرى، لأن عملية الحفر استغرقت سنوات وليست وليدة اليوم، ولكن من الممكن أن ينتقم بينيت من هذه الحادثة من خلال اغتيال أحد القادة البارزين أو تنفيذ رد عسكري».
ميساء منصور