مسلمو بورما: قصة الاضطهاد في ميانمار بين حرب الإنترنت و«حرق» الواقع
لطالما روَّج «نشطاء الإنترنت» لفكرة أن الشبكة العنكبوتية التي غزت العالم بإمكانها الحَثُّ على التغيير الديمقراطي، وبالنسبة إلى الروهينغيا، الأقلية المسلمة المضطهَدَة في ميانمار جنوب شرق آسيا (تُعرف أيضًا باسم بورما)، أصبحت تلك الفكرة طوق النجاة الذي يتشبثون به كي لا تبتلعهم أمواج القمع والاضطهاد.
يعلق الروهينغيا آمالًا عريضة على أن ينجح الإنترنت في توصيل صوت معاناتهم إلى العالم، غير أن الرقابة والمواقع الإخبارية المزيفة والضجة الإعلامية المضادة تقف حَجَرَ عثرة في طريق ذلك.
ويشير المقال الذي كتبه «أوستن بوديتي» لموقع «MotherBoard» إلى أنه منذ الهجوم الذي يُزعم أن الثوار الإسلاميين نفذوه على أحد أقسام الشرطة في أكتوبر 2016، يستهدف جيش ميانمار المسلمين المدنيين، ولا يتوانى عن قصف القرى، وحرق المنازل، وتهجير المواطنين، وذبح الرجال واغتصاب النساء.
وفي شهر يناير 2017، انتشر مقطع فيديو على موقع فيسبوك يصور ضابطًا بوذيًّا من شرطة ميانمار يضرب معتقلين مسلمين، فيما اعتُبر تحديًا لمزاعم حكومة الدولة الجنوب شرق آسيوية، بأن ممارسات الاضطهاد هذه ليست إلا احتياطات أمنية.
جذور الصراع في ميانمار
يتراوح عدد الروهينغيا بين مليون إلى مليوني نَسَمة، وهم أكبر جالية مسلمة في ميانمار، ويعيش معظمهم على الساحل الغربي للبلاد في ولاية راخين مع السكان الذين اشتُقَّ اسم الولاية من اسمهم، والذين يعتنقون الديانة البوذية على غرار معظم سكان ميانمار.
ويتعامل سكان راخين مع الروهينغيا على أنهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش، لكن الروهينغيا يصرُّون على أن أجدادهم عاشوا على أرض الراخين منذ بداية القرن التاسع عشر، وأن أنسابهم تصل إلى مستكشفين عرب، فيما تقف الحكومة، التي صارت عسكرية منذ عام 2011، إلى جوار الراخين وتعتبر أن الروهينغيا ليسوا مواطنين.
وصلت الأزمة إلى ذروتها في يونيو 2012، عندما اغتصب عدد من الروهينغيا امرأةً من الراخين وأشعلوا أعمال الشغب في العاصمة سيتوي. أسفر الشغب عن مقتل العشرات من الجانبين وتدمير المنازل والمحال، ويزعم الروهينغيا أن الحكومة ساعدت الراخين على تدمير ممتلكاتهم.
حرب بورما في العالم الافتراضي
في الوقت الذي تدور فيه الحرب على الأرض، ثمة معركة أخرى دائرة في العالم الافتراضي. فبحسب ما جاء في المقال، استخدم نشطاء الروهينغيا منتديات الإنترنت لينقلوا أخبارًا على نطاق واسع، مفادها أن مفتعلي أحداث الشغب من الراخين قتلوا الآلاف من أبناء جلدتهم، في حين كان العدد الحقيقي هو عشرات، وانتشرت صور غير حقيقية عن العنف والاضطهاد الذي يواجهه الروهينغيا.
أما في المعسكر الآخر، فقد أخذت وسائل الإعلام التي تملكها الحكومة في الترويج لقصة أن الروهينغيا، الذين تُطلِق عليهم «بنغاليين»، ليسوا إلا مهاجرين غير شرعيين يتطفلون على الراخين ويحاولون الاستيلاء على أراضيهم. أثبتت هذه الدعاية مدى فعاليتها، إذ أصبح لدى حكومة ميانمار السلطة والقوة لترحيل الروهينغيا أو حبسهم في معسكرات اعتقال كما فعلت من قبل.
الطريق إلى المجتمع الدولي مفروش بالعقبات
بعد أن زجَّت حكومة ميانمار بالروهينغيا في معسكرات الاعتقال عقب أحداث 2012، لم يجد الروهينغيا سبيلًا لتوصيل صوتهم إلى العالم إلا من خلال الإنترنت، لكن هذا الطريق لم يكن خاليًا من العقبات، لا سيَّما في تلك المنطقة النائية الفقيرة التي تحرص حكومة ميانمار على عزلها عن العالم وتقييد حريتها.
وقد التقى كاتب المقال، أوستن بوديتي، شابًّا داخل أحد تلك المعسكرات في ضاحية نائية بولاية راخين، يُدعى سيد الأراكاني، وهو ناشط من الروهينغيا يبلغ 31 عامًا، ويحاول أن يكون همزة وصل بين الروهينغيا والعالم الخارجي، لينقل معاناتهم ويحاول الوصول إلى دعم أو مساعدة.
قلة خدمات الهاتف والإنترنت تعيق التواصل بين نشطاء الروهينغيا.
ويعمل الأراكاني مترجمًا للصحفيين الأجانب الذين يزورون المعسكرات، ويُعدُّ لهم مقابلات داخل المعسكرات المتهدمة التي يعيش الروهينغيا فيها، وسبق أن نسَّق مع مراسلين من صحف عالمية بارزة، مثل «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وباستخدام هاتف ذكي فقط، يستطيع الأراكاني نشر المعلومات التي تصله حول الأزمات الإنسانية في المعسكرات عن طريق شبكات الأخبار العالمية، ويمكنه أن يجني أكثر من مئة دولار يوميًّا، وهو مبلغ ليس بالزهيد في ذلك البلد الذي يفتقر إلى السيولة.
لكن الحصول على الهواتف الذكية ليس أمرًا يسيرًا على الإطلاق. فعلى مدار العامين الماضيين، حاولت شركة الاتصالات التابعة لحكومة ميانمار تطوير البنية التحتية للاتصالات في البلد، وأسفر هذا عن تقدم محدود، فأصبح بالإمكان الحصول على شريحة الهاتف مقابل 1.5 دولار فقط بدلًا من 1500 دولار، لكن لا يزال الحد الأدنى للدخل اليومي 2.80 دولار، وصعوبة الوصول إلى خدمات الهاتف والإنترنت تجعل من الصعب التواصل والتنظيم بين النشطاء.
قد يعجبك أيضًا: كيف يمكن للإنترنت أن يُحدث ثورة حقيقية في حياتنا؟
ولا شك أن هذه التحديات تؤثر على عمل سيد الأراكاني، وتجعل من الصعب بالنسبة إليه التحقق من صحَّة المعلومات التي يحصل عليها، لأنه لا يثق على الإطلاق في الإعلام المحلي أو في إمكانية الحصول على معلومات حقيقية عبر الإنترنت، ومن ثَمَّ فإنه يعتمد على شبكة من المخبرين ينتشرون في مختلف أرجاء المعسكر، وعلى منصات التواصل مثل«واتساب» و«فايبر».
السلاح في يدك ويد عدوك
إن سلاح الإنترنت ليس حصريًّا في أيدي الروهينغيا، بل إنه متاح لأعدائهم كذلك، وأدى انتشار الإنترنت إلى تعريض الروهينغيا لمزيدٍ من خطاب الكراهية، لا سيَّما مع استغلال أعدائهم حرية الصحافة التي ترعاها الحكومة أيضًا.
فثمة صفحة على فيسبوك تصف بالتفصيل كيف «تدفق مهاجرون غير شرعيون من الصين وبنغلاديش (روهينغيا) إلى ميانمار» لاحتلال الأرض، وتدعو إلى ترحيلهم في حالة رفضهم الانصياع إلى الأوامر، كما تدعو إلى أن يحتفظ هؤلاء «المهاجرين» ببطاقات تعريف تشير إلى أنهم غرباء وليسوا من أهل البلد، كما كان يفعل النازيون قديمًا.
وفي أعقاب شغب 2012، صارت التعليقات على الأحداث عبر فيسبوك تعكس عنصرية شديدة. أحدهم علَّق على صورة شخص ميت بأن «قتله ليس بالعقاب الكافي»، وآخر كتب بعدما رأى صورة جثة سيدة يقول: «لا أدري ما إذا كان ينبغي أن أفرح أم أحزن لوفاتها، فأنا لا أعرف جنسيتها»، وبدأ أعضاء «اللجان الإلكترونية» التابعة لحكومة ميانمار يطلقون على أنفسهم أسماء وطنية، ويشيرون إلى الروهينغيا بأنهم «جهاديون مسلمون يسعون إلى تدمير الدين والوطن».
ليس هذا فحسب، بل أصبح بإمكان البوذيين الداعين إلى العنف الآن التشهير بالروهينغيا ووصفهم بأنهم مهاجرون غير شرعيين وإرهابيون إسلاميون على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات.
المتطرفون المسلمون يتعاطفون
على نشطاء الروهينغيا الآن أن يحاربوا في جبهتين: البوذيين والإسلاميين المتطرفين.
مع انتشار الحديث عن معاناة الروهينغيا في مختلف أنحاء العالم، أعرب متطرفون مسلمون من إندونيسيا وشرق إفريقيا عن تعاطفهم معهم، لكن هذا التعاطف لم يكن في صالح الروهينغيا على الإطلاق، إذ أثار تساؤلات وشكوك حول الطبيعة السلمية لأقلية الروهينغيا.
ترى الغالبية العظمى من الروهينغيا أن المقاومة السلمية أفضل سلاح للدفاع عن النفس ضد حكومة ميانمار، لكن أعداءهم يستغلون الربط بينهم وبين المتطرفين المتعاطفين معهم من أجل تقويض قضيتهم السلمية والدعم الدولي لها وتشويه صورتهم.
وهكذا، أصبح على نشطاء الروهينغيا المحاربة في على جبهتين: ضد البوذيين الداعين للعنف، وضد الإسلاميين المتطرفين الذين يُنسَبون إليهم. لكن النجاح الأبرز الذي حققوه كان عبور حدود البلاد، بل والقارة، والوصول إلى المجتمع الدولي، فقد أصبح العالم بأسره يعرف عن «الإبادة الجماعية التي تعرضنا لها عام 2012»، كما يصفها أحد الروهينغيا.