حراك الريف: القشة التي قد تقصم ظهر الحكومة المغربية
«هل أنتم حكومة أم عصابة؟»، هكذا جاء رد المحتجين في مدينة الحُسَيمة المغربية على التصريحات الحكومية الأخيرة التي وصفتهم بـ«الانفصاليين»، والتي اتهمت نشطاء الحراك الشعبي بتلقي أموال من جهات خارجية هدفها زعزعة وحدة البلاد.
هذه العبارة التي رُفعت في المسيرة الأخيرة في 18 مايو 2017، وسط إضراب عام شل حركة المدينة، تعكس حالة الغضب العارم الذي يعم صفوف المحتجين بعد تخوينهم من الهيئات الحكومية، رغم أن مطالبهم لم تتعدَّ تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة، ورفع حالة التهميش والعزلة التي تشهدها منذ فترة طويلة.
في ظل هذه الظروف صار وضع الحكومة المشكلة حديثًا حرجًا، فهي مطالبة بالتوصل لحلول مُرضية تخفف من وتيرة الاحتجاجات، بعيدًا عن استخدام العنف والقمع لتفريق المظاهرات، لتجنب انتشار شرارتها إلى باقي مناطق المملكة التي تعاني أوضاعًا مماثلة، خصوصًا أن ذكرى حركة 20 فبراير لا تزال حاضرة في الأذهان.
ويعرض الباحث المغربي المتخصص في علم الاجتماع السياسي، محمد مصباح، في مقاله على موقع «ميدل إيست آي»، خلفية هذا الحراك والأسباب التاريخية والاجتماعية التي أسهمت في انطلاقه، كما يشير إلى السياسة التي يجب على السُّلطة اتباعها كي تتفادى تأزم الأوضاع أكثر.
الشرارة التي أطلقت حراك الريف
خلص التحقيق إلى اعتقال بعض الموظفين العموميين، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى إخماد غضب المحتجين.كان السبب وراء الاحتجاجات وفاة بائع السمك محسن فكري في الثامن والعشرين من أكتوبر 2016. لقي فكري مصرعه بطريقة شنيعة مسحوقًا داخل شاحنة جمع قمامة، في أثناء اعتراضه على مصادرة السُّلطات شحنة الأسماك التي اشتراها.
لا تزال التفاصيل الدقيقة للحادثة مجهولة، رغم التداول الواسع لـهاشتاغ #طحن_مّو على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يربط بين الأمر بالطحن والشرطي الذي كان حاضرًا في المكان.
أثارت الحادثة موجة احتجاجات في عديد من المدن المغربية ضد انتهاكات المؤسسات الحكومية المستمرة، فدعا الملك محمد السادس إلى إجراء تحقيق شامل لكشف ملابساتها ومتابعة المسؤولين عنها. خلص التحقيق إلى اعتقال بعض الموظفين العموميين، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى إخماد غضب المحتجين.
ردًّا على هذا، رفع المتظاهرون وتيرة الاحتجاجات وطالبوا بتغييرات جذرية لإصلاح الوضع السياسي، وتوفير البنيات التحتية الضرورية من مستشفيات وجامعات، وزيادة حجم الاستثمارات في منطقة الريف، التي تشهد معدلات بطالة مرتفعة.
التاريخ الثوري لمنطقة الريف
عند الحديث عن الاحتجاجات الحالية، لا ينبغي أن نتجاهل التاريخ السياسي الثوري للمنطقة منذ حقبة الاستعمار.
يوضح الباحث محمد مصباح أنه في عشرينيات القرن الماضي، وفي فترة الحماية التي قسمت البلاد بين فرنسا وإسبانيا، أعلنت منطقة الريف استقلالها عن المغرب وأنشأت ما عُرف حينها بـ«جمهورية الريف»، تحت رئاسة قائد الثورة ضد الاستعمار الإسباني، محمد بن عبد الكريم الخطابي.
بعد سنوات من الحرب بين الريفيين والإسبان، هُزمت الجمهورية الوليدة وأُعيدت إلى كنف النظام الملكي العلوي، ومنذ ذلك الحين ظلت علاقتها مع الحكومة المركزية متوترة، حتى بعد إعلان استقلال المغرب عام 1956.
زِد على ذلك أن القمع الوحشي الذي واجهت به القوات المسلحة أبناء الريف في انتفاضة عامي 1958 و1959 أسهم في تعميق الهوة أكثر بين سكان هذه المنطقة والسُّلطة الحاكمة.
ما زال صدى هذه الأحداث التاريخية يتردد في ذاكرة الريفيين، الذين عانوا على مدى عقود من سياسات التهميش والقمع والتجاهل، ولم تساعد الأحداث الأخيرة إلا في تأجيج مشاعر «الحكرة» (الإحساس بالظلم الفج) التي راكمها أبناء المنطقة، وإحياء روح الاحتجاج كَرَدٍّ مشروع على الأوضاع المزرية.
اقرأ أيضًا: حرب الريف وانتفاضات «الأوباش»: تاريخ المغرب المجهول
الفساد وراء كل حراك شعبي
يذكر مصباح أن من الأسباب الأخرى للغضب الشعبي الحالي الاستبداد المتزايد في البلاد، والشطط في استخدام السُّلطة، والفساد المستشري داخل المؤسسات الحكومية، لذا لم يكن مستغرَبًا أن تتزامن الاحتجاجات مع الفشل في تشكيل الحكومة، الذي استمر ستة أشهر بعد حسم نتيجة الانتخابات.
ملأت وزارة الداخلية الفراغ الذي خلفته الحكومة بأن لجأت إلى تدابير قمعية لتفريق المتظاهرين، بدل الاستماع لمطالب المحتجين والتحاور معهم، مثل ما حدث في الاحتجاجات التي شهدتها مدينة طنجة عام 2015.
يشكل الفساد الذي ينخر في جسد المؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد، والذي يقوم على المحسوبية والرشاوي عوضًا عن الجدارة والشفافية، عائقًا إضافيًّا في وجه أي إصلاحات جادة، وهو ما أشار إليه المحتجون، الذين اعتبروا أن استغلال السُّلطة والإفلات من العقاب وغياب المحاسبة هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وفاة محسن فكري.
ينبغي على المملكة أن تختار الحوار بدلًا عن القمع.
رغم أن الملك محمد السادس ألقى خطابًا قبل أسبوعين فقط من حادثة محسن فكري، حذر فيه من استغلال المواطنين وانتقد أوجه القصور في المؤسسات الإدارية وافتقارها إلى الكفاءة اللازمة، فإن ما جاء في الخطاب لم يلقَ آذانًا مُصغية من موظفي الدولة، الذين لم يتوقفوا عن إساءة استخدام سلطتهم وفقًا لما جاء في المقال.
قد يهمك أيضًا: من يحفظ تاريخ المغرب المسكوت عنه؟
الحوار.. الحوار
مع استمرار الاحتجاجات في الريف، لم تعُد المسألة منحصرة في إجراء تحقيق موثوق به يكشف ملابسات وفاة محسن فكري، إنما يقتضي الأمر التركيز على حل المشاكل التي تعرفها المنطقة، لإعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية إلى المواطنين.
ينبغي على المملكة، في رأي مصباح، أن تختار الحوار بدلًا عن القمع. وكدليل على حسن النية، يجب عليها أن تستجيب لمطالب المحتجين بإلغاء مرسوم 1958 الذي يصنف إقليم الحسيمة منطقة عسكرية، إذ ستثبت هذه الخطوة الرمزية أن المؤسسة الملكية ترغب في إصلاح الأوضاع.
مع ذلك، لا يمكن إلا لإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة أن تطفئ غضب المحتجين. ويعني هذا أن على الحكومة تحمل مسؤولياتها في الإشراف على الإدارة العامة للبلاد، وأن على المؤسسة الملكية أن تتوقف عن التدخل في الشؤون السياسية اليومية، وهو ما يحدث عندما يرشح الملك المقربين إليه لمناصب سياسية حساسة.
على ما يبدو، قررت الحكومة المغربية مؤخرًا انتهاج أسلوب الحوار كاستجابة لتصاعد الاحتجاجات، إذ وصل وفد وزاري إلى الحسيمة وعقد لقاءً مع المواطنين، تطرقوا فيه إلى قضية تسريع المشاريع التنموية في المنطقة وخلق فرص عمل، فهل تفلح هذه السياسة الجديدة؟
إدريس أمجيش