الحرب والسلام في ليبيا: هل تؤدي المفاوضات إلى حرب أهلية؟
في الأشهر الأولى من عام 2017، صارت أطراف الصراع الليبي غير ملتزمة إزاء الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، في الوقت الذي تصاعد فيه العنف تدريجيًّا وتسارع الانهيار الاقتصادي، لكن حالةً من التفاؤل سرت بين الدبلوماسيين والسياسيين عقب ورود أنباء عن اجتماع عُقد في أبو ظبي في مايو، توسطت فيه دولة الإمارات بين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية، والقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، الذي يسيطر على جزء كبير من شرق ليبيا.
أنباء عن اتفاق ليبي في الإمارات
سُرِّبت نقاط عديدة من الاتفاق إلى الإعلام العربي بعد انتهائه بساعات، كما يورد «ماتيا تولدو»، باحث السياسة في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في مقال له على موقع «ميدل إيست آي».
كانت أهم نقاط الاتفاق هي:
- تشكيل مجلس رئاسي يضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، بالإضافة إلى خليفة حفتر.
- قبول حفتر رقابة السُّلطة المدنية مقابل بقائه قائدًا للجيش.
- إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول عام 2018.
- إدراج بعض الجماعات كمنظمات إرهابية، مثل «سرايا الدفاع عن بنغازي»، وهو تنظيم مقرب من وزير دفاع حكومة سراج، المهدي البرغثي، وموالي لحكومته.
جاء الاتفاق عقب زيارة حفتر وسراج إلى القاهرة قبل ذلك بأسبوع، وبمباركة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
تبعات الاتفاق المزعوم
يرى كاتب المقال أنه لم تحدث أي اتفاقات، بدليل أن معظم التسريبات التي نشرتها وسائل إعلامية مقربة من دول الخليج ومصر أشارت إلى وجود نية عند حفتر للتفاوض فقط، وليس إلى وجود اتفاق، كما استغرق المكتب الإعلامي لسراج قرابة 24 ساعة قبل نشر بيان يشير إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار جنوبي البلاد (حيث تدور معارك بين قوات حفتر ومسلحين من مصراتة مواليين لسراج) وانتقال سلمي للسلطة.
أدت هذه التسريبات إلى نتيجتين متضاربتين في رأي الكاتب، لأن ما فُهم منها كان قبول حفتر للتفاوض بعد رفضه لما يزيد عن سنة، لذا دار الحديث في معظم العواصم الغربية والإقليمية عن حدوث تقدم هائل، وبالتالي الحاجة إلى تسريع العملية السياسية عبر تضمين حفتر في الاتفاق السياسي الليبي وإجراء انتخابات في غضون أشهر.
على الجانب الآخر، ظهر إجماع بالتركيز على تسريع العملية السياسية عن طريق إجراء اجتماع يضم مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة في طرابلس، لوضع خارطة طريق تحدد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإتمام ذلك وفقًا لما تقره الأمم المتحدة.
ميليشيات ليبيا تعارض الاتفاق
رغم ذلك، أسفر اجتماع أبو ظبي كما يرى كاتب المقال عن رد فعل معارض في طرابلس ومصراتة، إذ كانت مدن الغرب الليبي أول من وقَّع على الاتفاق السياسي في ديسمبر 2015، كما كانت في الوقت نفسه موطنًا لتجمع المتشددين.
ربما لو استمر فايز السراج في المفاوضات لا يتمكن من العودة إلى طرابلس.
تصاعدت حدة التوترات في طرابلس، فرفضت الميليشيات شروط الاتفاق المزعوم، وظهرت التوترات السياسية مع تزايد العداوة بين الميليشيات في طرابلس ونظيراتها في مصراتة، ممَّا قد يؤدي إلى إحداث تحول في توازن القوى بين الميليشيات التي تدعم سراج وتلك التي تدعم حكومة الإنقاذ الوطني.
يذكر الكاتب أن الجماعات الموالية لحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس هُمِّشت عقب وقف إطلاق النار في منتصف مارس، إلا أنها تستغل اجتماع أبو ظبي كفرصة للعودة إلى العاصمة.
في مايو 2017، عُقد اجتماع في طرابلس بحضور 45 من أعضاء مجلس النواب، حاول سراج فيه التقليل من شأن اجتماعه مع حفتر، وطمأنة النواب بعدم نيته إنهاء أي اتفاق في القاهرة. ووفقًا لمراقبين مطَّلعين على تطور الأحداث في طرابلس، غدا افتقار سراج لقاعدة قوية تساعده على عقد اتفاق مع حفتر وفق شروطه واضحًا، لذا فربما لو استمر في المفاوضات لا يتمكن من العودة إلى طرابلس، بحسب الكاتب.
خطة حفتر الجديدة، والبديلة
رغم عدم حدوث اتفاق في أبو ظبي، أسفر هذا الاجتماع عن تغير استراتيجية حفتر، وأتى ذلك عقب ضغوط من حلفائه في المنطقة، أي مصر والإمارات، إذ كان رافضًا لمبدأ التفاوض مع سراج طالما يدعمه راديكاليون وإرهابيون من وجهة نظر حفتر.
أكبر عقبة أمام حفتر هي استحالة دخوله طرابلس سلميًّا مع اجتماع أغلب فصائل المعارضة المسلحة ضده.
تقتضي استراتيجية حفتر الجديدة الالتزام باتفاق سياسي ليبي معدل يضمن دوره كقائد عسكري ومدني، مع وجود انتخابات رئاسية مبكرة مطلع عام 2018. لو فاز في الانتخابات، سيحق له المطالبة بدعم المجتمع الدولي وسحق خصومه ودخول طرابلس.
غير أن خطته قد تواجه العديد من العقبات في رأي الكاتب، فعقد انتخابات رئاسية يعني أن يوافق البرلمان على مسوَّدة الدستور سريعًا، ثم يُستفتى الشعب عليها كذلك، لأن التشريع القائم لا يتضمن رئيس دولة منتخب مباشرةً، ويتعيَّن على مجلس النواب الموافقة على القوانين التي تنظم الاستفتاء والانتخابات، لكن هذا يتطلب وجود عدد كبير من المحافل وحضورًا كبيرًا، وكلاهما كان مفقودًا إلى حد كبير في العامين الأخيرين.
مع ذلك، يمكن إزالة كل هذه العقبات إذا كان هناك إجماع دولي على الموافقة على الدستور ثم إجراء الانتخابات مباشرةً، إلا أن هذا الإجماع والزخم الذي ولَّده اجتماع أبو ظبي لم يتمكنا من إزالة أكبر عقبة أمام حفتر، وهي استحالة دخوله طرابلس سلميًّا في ظل اجتماع أغلب فصائل المعارضة المسلحة ضده، بالإضافة إلى عدم كفاية قواته المسلحة لشن حرب في العاصمة.
هنا تأتي خطة حفتر البديلة، إذ أجاب على سؤال أحد كبار المسؤولين الدوليين الذين زاروه مؤخرًا بأن السيطرة على طرابلس ليست بالضرورة أولويته، بل انتخابه رئيسًا لليبيا، أو أن يصبح أحد الأعضاء الثلاثة في مجلس الرئاسة، وحينها فقط سيتمكن من طلب مساعدات دولية لمحاربة أعدائه في طرابلس وإقامة عاصمته في «الجفرة»، التي تدور فيها الحرب منذ أشهر، أو في بنغازي، حيث يُفترض وجود بعض المؤسسات مثل مجلس النواب طبقًا للقوانين الحالية.
سياسة حفتر هي الحرب
أثبتت الانتخابات كونها محركًا لتصعيد الحرب في ليبيا عام 2014.
يرى كاتب المقال أن استراتيجية حفتر لا تقتضي أن يترك الحرب ليدخل إلى مجال السياسة، بل أن يستخدم السياسة لتعزيز قواته العسكرية التي لا يستطيع إحراز أي تقدم بها في ظل الوضع الراهن. وبالنسبة له، ليست الحرب استمرارًا للسياسة بوسائل أخرى، بل إن السياسة وسيلة لتوسيع قاعدة دعمه ومواصلة القتال.
ينصح الكاتب أمريكا وأوروبا بإعادة التفكير قبل تسريع المفاوضات، لأن هذه المفاوضات ربما لا تؤدي إلى سلام، بل إلى تجدد القتال، نظرًا لاصطدام حفتر بعد تقويته وإعطائه الشرعية بالميليشيات المسلحة في غرب ليبيا.
لم تأتِ مسوَّدة الدستور الحالي نتيجة مشاورات واسعة، لذا فمن الممكن أن تثير جدلًا، خصوصًا أن الانتخابات أثبتت كونها محركًا لتصعيد الحرب في ليبيا عام 2014، والخطر هو أنه بدلًا من أن تكون هناك بطاقات اقتراع تحل محل الرصاص، يمكن أن يكون لدينا مرة أخرى بطاقات اقتراع معظمها فارغة تنتج مزيدًا من الرصاص.
الصفقة تعني حربًا أهلية
عقد صفقة في ظل هذه الظروف ربما يؤدي إلى مزيد من الحرب الأهلية.
ما لم يغير حفتر رأيه، يجب على أوروبا وأمريكا اتباع استراتيجية لتحقيق الاستقرار مع إبقاء الباب مفتوحًا أمام العملية السياسية، والتركيز بدلًا من ذلك على وجود حكومة في طرابلس أكثر فعالية وقدرة على إيصال الليبيين إلى ما يتوقون إليه منذ فترة طويلة: الأمن الأساسي، وبعض الرخاء الاقتصادي والخدمات العامة.
يجب على أوروبا خصوصًا، في رأي الكاتب، أن تدعم الليبيين الذين يسعون لاتفاق اقتصادي من أجل تقاسم الثروة النفطية والقضاء على دوافع النزاع الرئيسية.
من المؤكد أن خطة تحقيق الاستقرار قد تكون أقل جاذبيةً للسياسيين من «صفقة السلام» التي وُضعت على مدى قصير الأجل، في ظل حرصهم على الدعاية بدلًا من النواتج الفعلية، لكن الوقت ملائم لاستدعاء التدخل المصري الإماراتي، فوجود صفقة في ظل هذه الظروف ربما يؤدي إلى مزيد من الحرب الأهلية.
أحمد حمدي مسلَّم