كيف تتأثر الكويت والدينار من انخفاض الدولار الأمريكي؟
برزت إلى الواجهة أخيرًا تحذيرات من تأثر قوة ومتانة الدينار الكويتي جراء الرؤية التشاؤمية تجاه الاقتصاد الأمريكي، بسبب عجز الميزانية الأمريكية الآخذ بالنمو إلى مستويات قياسية، واستمرار الدين العام للولايات المتحدة في تحليقه الصاروخي، حيث وصل إلى 31.38 تريليون دولار بحسب آخر البيانات على موقع وزارة الخزانة الأمريكية، أضف إلى ذلك شدة السياسات والعقوبات الأمريكية وتزايدها في السنوات الأخيرة، ما وَلَّدَ نواة حركة دولية متسارعة لتخطّي التعامل بالدولار ومؤسساته، وهو الأمر الذي ينذر بتغيير النظام المالي العالمي، مع توجه مزيد من دول العالم إلى التخلي تدريجيًّا عن "الدولار القوي" مقابل سلة عملات، أو استخدام اليوان الصيني في التبادلات التجارية، ما يثير القلق من بداية انهيار عصر الدولار.
ولا بد من التوضيح هنا أن الدينار الكويتي يتربّع على عرش أقوى العملات في العالم، بناء على عوامل عدة، أهمها:
- الميزان التجاري (قيمة الصادرات أكبر من الواردات) ما يؤدي إلى فائض في ميزان المدفوعات أي أن (الأموال التي تدخل البلد أكثر مما تخرج منه) ما يجعل الكويت في غنى عن خفض عملتها لدعم الصادرات غير النفطية.
- تتمتّع الكويت بمصدّات مالية كبيرة جدًّا، وباحتياطات هائلة من العملات الأجنبية، وعلى رأسها الصندوق السيادي الذي ناهزت قيمة أصوله 769 مليار دولار.
- السياسات النقدية الحصيفة لبنك الكويت المركزي، بربط الدينار بسلة عملات وتقليل معدلات التضخم والحفاظ على استقرار العملة من خلال التوازن بين العرض والطلب.
- الكويت تمتلك 10 في المئة من احتياطي النفط في العالم، بما يعزّز من قوة العملة.
- الثقة الكبيرة بالدينار باعتباره وعاء ادخاريًّا.
ومن المعروف أن سعر صرف الدينار الكويتي مربوط بسلة من العملات الرئيسية التي تتاجر معها الكويت (ربطت الكويت منذ منتصف عام 2007، سعر صرف الدينار بسلة غير مفصح عنها ومرجحة من العملات العالمية لأهم شركائها التجاريين والماليين)، وفكّت ارتباطها بالدولار بسبب انخفاض العملة الخضراء آنذاك ما أدّى حينها إلى ارتفاع كلفة الواردات، وارتفاع التضخم.
وبما أن الدولار يشكل أكبر وزن في سلة العملات، وبحكم أن النفط يباع بالدولار ويشكل أكثر من 90 % من إيرادات الكويت، فإن الدولار القوي مفيد للكويت، إذ يزيد قيمة الصادرات، وبالتالي يعزّز من إيرادات الدولة والمالية العامة ويؤدي إلى تخفيض أسعار الواردات، إلى جانب تعزيز تقييم الأصول المقومة بالدولار، وكل هذا ينعكس على استقرار الدينار وقوته.
لكن إذا هبط سعر صرف الدولار بشكل كبير، ستكون الكويت أمام سيناريوهات عدة، كل منها له تأثير على ميزان المدفوعات وعجز الميزانية وتضخم الأسعار، وقيم الأصول وعوائد الاستثمار:
السيناريو الأول: إذا انخفض سعر الدولار مقابل الدينار بينما أسعار النفط ثابتة، ستستمر الكويت بالحصول على نفس كمية الدولارات مقابل نفطها ولكنها دولارات ذات قيمة أقل بالعملات الأخرى، والأخطر هو أنها ستحصل على كمية أقل من الدنانير للصرف الداخلي.
السيناريو الثاني: انخفاض سعر الدولار أمام الدينار لكن مع ارتفاع أسعار النفط، سيؤدي لارتفاع أسعار النفط العالمية تعويضًا لهبوط الدولار الذي يُسَعَّر بها. أما حجم هذا الارتفاع فمتروك لعوامل السوق. وفي هذه الحالة، ستحصل الكويت على كمية أكبر من الدولارات ذات قيمة منخفضة، وكمية دنانير أكبر أو أقل حسب مقدار ارتفاع أسعار النفط.
السيناريو الثالث: انخفاض سعر الدولار مع تراجع أسعار النفط بشكل كبير، وهو من أسوأ السيناريوهات للكويت، لكنه مستبعد جدًّا أن يحدث، وسبق أن حدث وانخفضت أسعار النفط وأسعار صرف الدولار في 1985 و2001.
وكما أسلفنا، فإن لهذه السيناريوهات تبعات كبيرة على عجز الميزانية، وميزان المدفوعات، وتضخم الأسعار، ومصير قيمة الاحتياطي المسعر بالدولار، وعوائد الاستثمار، وقيمة الأصول المقوّمة بالدولار، وكلفة الدفاع عن سعر صرف الدينار.
باختصار، إذا انخفض سعر صرف الدولار بشكل دراماتيكي ستنخفض القيمة الرأسمالية للاستثمارات الكويتية المقوّمة بالدولار (تعتبر الاستثمارات الكويتية بالولايات المتحدة الأضخم من حيث التوزع الجغرافي) منها 46.3 مليار دولار استثمار في سندات بنهاية 2022، وستنخفض إيرادات الدولة باعتبار أن النفط أحد أهم مصادر الدخل للكويت، حيث يشكل أكثر من 90% من صادرات البلاد، ونحو 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي، على اعتبار أن النفط يتم تداوله بالدولار الأمريكي وقد يتسبب ذلك في عجوزات كبيرة إذا رافق انخفاض قيمة الدولار انخفاض بأسعار النفط، إلى جانب تأثيره على الحساب الجاري للكويت الذي سجّل خلال 2022 فائضًا بنحو 18.1 مليار دينار.
ويظل السؤال الأبرز، هل سيتحقق سيناريو انخفاض الدولار بشكل كبير إلى الحد الذي يشكل هزة قوية في الأسواق أم أن الاقتصاد الأمريكي أقوى مما يتوقع البعض وسيحافظ الدولار على هيمنته العالمية رغم انخفاض قيمته أو ارتفاعها بهوامش بسيطة، لاسيما وأن حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي خلال 2022 سجّلت 58.36 في المئة من تلك الاحتياطيات؟
فريق منشور