نظرة في تاريخ المجلس: كيف نشأ قانون المختارية؟
لم يتضمن النظام الاجتماعي في الكويت وتحديدًا فترة ما قبل النفط وصف «مختار» أو دور للمختارين، ولكن في اوائل الستينيات وبعد الاستقلال مباشرة، صدر مرسوم أميري (9 لسنة 1960) بقانون المختارين (قبل أول انتخابات لمجلس الأمة). كان هذا القرار من ضمن عدة قرارات تهدف إلى مدْيَنة الكويت وتقسيمها إلى أحياء سكنية، ونابع من الحاجة إلى متابعة أوضاع المناطق السكنية الجديدة وإدارتها. جاء تعيين المختار ليعزز من مركزية الدولة، ولكن ما مدى ملاءمة المختارية لنا؟ ولماذا لا توجد انتخابات للمختارين؟
في الغالب تأثرت الكويت بالدول العربية المجاورة مثل العراق ولبنان ممن لديهم نظام مختارية، بسبب دراسة الكثيرين منذ بدايات القرن العشرين في بلدان عربية مجاورة أو تلقيهم التعليم في مدينة الكويت من مدرسين عرب.
انعكس ذلك جليًا في المذكرة التفسيرية لمشروع قانون سنة 1964، الذي قدمته الحكومة إلى مجلس الأمة، إذ ذكر أن المختارية «ليس دخيلًا على مجتمعنا العربي، بل له نظير في بلاد عربية أخرى كالعراق ولبنان». ثم توسع المشرع في شرحه لتكييف دور المختار وملاءمته لظروف البلد وحاجاتها. فجاء أول مرسوم ونظم اختصاصات المختار آنذاك بمساعدة الدوائر الحكومية ومتابعة احتياجات أهالي المنطقة، وتقديم الخدمات المطلوبة في عمل الإحصاء (مثل الوفيات والمواليد وغيره)، والتبليغ عن الجرائم التي تحصل في المنطقة، ومساندة الشرطة في الضبط وإجراء التحريات، ومعاونة أهالي المنطقة في تحديد مناهج ورسم آليات الإصلاح الاجتماعي والثقافي والتعليمي في المنطقة، وحثهم على العمل التطوعي، وغيره.
أول تحدٍ: مختار منتخب أم معيّن؟
في البداية أتى المرسوم الأميري بآلية التعيين في عام 1960، وأثناء فترة مجلس الأمة التشريعي الأول، وفي سنة 1963، تقدمت مجموعة من النواب تضم يوسف المخلد وراشد التوحيد وسليمان الحداد وجاسم القطامي وعبد الرزاق الخالد باقتراح لتعديل القانون ليكون عن طريق الانتخاب. وبالإضافة لهذا التعديل، تقدمت الحكومة بمشروع قانون بصيغة تعيين المختار لا انتخابه. وبعد ذلك وافقت لجنة الشؤون الداخلية لدى مجلس الأمة على انتخاب المختار، وإحالة التقرير إلى المجلس لمناقشته والتصويت عليه.
كان ذلك التقرير بداية نقاشات مطولة جميعها مسجلة في محاضر جلسات مجلس الأمة، حول مركزية المختار وتبعيته. ففي الجلسة رقم 82 أ بتاريخ 4 مايو 1965، وافق المجلس من ناحية المبدأ على انتخاب المختار، وناقش تقرير اللجنة الخاص بشأن المختارين. كانت الجلسة حول مشروع قانون المختار وعن تفاصيل الانتخاب وآليته، ودار النقاش بين النواب والحكومة حول مواضيع مثل تقسيمات الحي والمنطقة، إذ يمكن للمنطقة أن تتضمن عدة أحياء، ولكل حي مختار، فيكون للمنطقة أكثر من مختار بناء على الكثافة السكانية. إلا أن النسخة الأخيرة من القانون لم تتضمن ذلك التعديل ولا تعديل النواب بشأن انتخاب المختار، فما الذي تغير؟
صراع الديمقراطية: مختار معيّن
كانت نقطة الخلاف لدى الفريق المعارض للانتخاب هي كيف يمكن لمختار معيّن أن يحوَّل إلى لجنة تأديبية بقرار من وزير الداخلية.
«وما هو هذا الانقلاب؟»، بهذه الكلمات ختم النائب أحمد الخطيب نقطة نظامه أثناء جلسة مجلس الأمة (مضبطة رقم 92 أ لسنة 1965)، خلال مناقشة مدى دستورية الرجوع عن قرار المجلس، فكان الخبير الدستوري أثناء الجلسة يرى أن باستطاعة المجلس الرجوع عن قراره بقرار جديد. وعليه تقدم النواب زيد الكاظمي وعبد العزيز الخالد وأحمد الفوزان وخالد المضف وأحمد السرحان بطلب خلال الجلسة بالعدول عن قرار المجلس السابق، واختيار المختار بالتعيين. استمر النقاش حول تعيين المختار أو انتخابه لنحو 40 صفحة في المضابط، بين مؤيد للرجوع عن قرار الانتخاب ومعارض له.
استنكر النائب أحمد الخطيب هذا «الانقلاب»، وربط التغيير المفاجئ وقبول المجلس والحكومة بذلك بأنه يعكس حالة الجو العام في البلاد، وأنها «سلسلة من الحلقات لتكبيل أفواه المواطنين وتقييد حرياتهم»، مرتبطة بالقوانين الأخرى ذات صلة وانتهت بشكل أقل من الطموح، مثل قانون جمعيات النفع العام وقانون المطبوعات والنشر وغيرها.
من بين مقدمي الاقتراح الأصلي لانتخاب المختار كان النائب راشد التوحيد، والذي ذكر أثناء الجلسة أنه «من المؤسف أنه كلما درجت هذه البلد نحو الديمقراطية، نجد في هذا المجلس (...) أن العجلة ترجع إلى الوراء». أما عن مساوئ التعيين فقد ذكر النائب محمد الرشيد أن اختيار المختار يكون بناء على رأي وزير الداخلية، بحيث يقع الاختيار على «من يريد وعلى من يطيعون الأوامر»، في إشارة إلى أن آلية الانتخاب هي الأفضل والأشمل للمختارية من التعيين الذي قد يساء استخدامه.
كان نقاش أعضاء مجلس الأمة في الجلسة واللجنة البرلمانية والاجتماعات التي تمت مع الحكومة منذ تقديم الاقتراح الأول كلها منسجمة مع بعضها من حيث المبدأ على الانتخاب، إلا أنه وخلال فترة سنتين منذ أول اقتراح وحتى جلسة المجلس هذه، تبدلت آراء الحكومة وبعض النواب الذين رأوا في التعيين آلية أفضل. كانت نقطة الخلاف لدى الفريق المعارض للانتخاب هي كيف يمكن لمختار معيّن أن يحوَّل إلى لجنة تأديبية بقرار من وزير الداخلية، فذلك يخالف مبدأ الانتخاب والاستقلالية. بينما يرى الفريق المؤيد للانتخاب أن هذه المواد قابلة للتعديل الآن أو في اللجنة لتتماشى مع مبدأ الانتخاب.
القرار النهائي: معيّن؟
بعد تلك الجلسة، وبعدول المجلس عن قرار الانتخاب والعودة إلى التعيين، تأجل نقاش القانون حتى الدور الذي يليه من المجلس. وبنهاية الدور الثالث، تقدم ثمانية نواب باستقالات جماعية بسبب ما تمرير الحكومة وأغلبيتها البرلمانية قوانين مقيدة للحريات في نظرهم.
خلال الدور الرابع، وفي جلسة 110 ب لسنة 1966، دار النقاش بين النواب مجددًا حول الانتخاب والتعيين، فذكر النائب يوسف المخلد أن «المواطن الذي يذهب ليسجل اسمه في قيد الانتخابات (...) ينتظر ساعة ونصف حتى يتمكن من قيد اسمه، لماذا؟ (...) لو كان منتخبًا من قبل الشعب، هل كان يستطيع أن يتصرف بهذا الشكل؟ باب القيد فُتح بتاريخ 2 من الشهر، والمختار لم يحضر إلا بتاريخ 10 من الشهر».
تقدم من جديد ثلاثة نواب هم محمد الرشيد وحمود النصف ويوسف المخلد باقتراح بإعادة الانتخاب إلى قانون المختارين، إلا أن المجلس رفضه، وظل اختيار المختار بالتعيين، وجرت مناقشة مواد القانون من جديد على أساس التعيين والتصويت عليه، وبذلك انتهى الأمر بالتعيين.
الوضع اليوم
هناك ستة مختارين انتقلوا إلى جوار ربهم، ولم يعيَّن أحد بدلًا منهم.
أخذ موضوع المختارية وآلية اختيار المختار بالتعيين أو الانتخاب ثلاث سنوات من النقاش منذ تقديم الاقتراح الأول بتعديله، إلا أنها لم تنجح في النهاية في الدفع بالتغيير نحو مزيد من الحرية لدى سكان المناطق في تحديد مختارهم، وبالتالي تفكيك مركزية السلطة وإعادة إدارة الأحياء إلى أهلها.
بالنظر إلى اليوم، نجد أن أغلب ما جاء في اختصاص المختار لم يعد من اختصاصه، فقد أُنشئت هيئات وإدارات مستقلة معنية بمتابعة الأمور المخصصة للمختار آنذاك، مثل الإدارة المركزية للإحصاء، والهيئة العامة للمعلومات المدنية، وإدارة السجل المركزي للمواليد والوفيات، وإدارة تنمية المجتمع، وغيرها. ويعني هذا أن دور المختار اليوم ليس كما كان عليه في الستينيات، بل يمكننا القول بأن دوره حاليًا يتمحور حول تسجيل القيد الانتخابي لمجلسي الأمة والبلدي فقط. انعكس هذا الوضع على حالة المختارية اليوم، فنجد أن هناك ستة مختارين انتقلوا إلى جوار ربهم، ولم يعيَّن أحد بدلًا منهم.
أما بالنسبة لآلية التعيين فتتم عن طريق قرار من مجلس الوزراء، إذ ترشح إدارة شؤون المختارين عدة أشخاص بناء على السمعة لوظيفة المختار. إلا أن هذه الطريقة تغيرت بعض الشيء بعد تحرير الكويت سنة 1992، وسُمح لأهالي المنطقة بالتقدم لترشيح أنفسهم لهذه الوظيفة عن طريق كتاب رسمي لإدارة شؤون المختارين والمحافظ. وعليه تختار الإدارة خمسة مرشحين كحد أقصى وتعرضهم على مجلس الوزراء، والذي بدوره يصدر قرارًا بتعيين المختار لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.
وبالحديث مع أحد مختاري محافظة العاصمة عن دور المختار، أكد لـ«منشور» أهمية هذا الدور في الحفاظ على أمن المنطقة، ونوه إلى أن قانون المختارية يحتاج إلى تطوير ومزيد من الاختصاصات، مشيرًا إلى أنه «في السابق، لم يكن باستطاعة أحد أن يسكن في المنطقة إلا بموافقة المختار»، وهذا كان يقنن من عملية نقل القيود الانتخابية، إذ لا يجوز نقلها إلا بموافقة المختار على قرار السكن، لكنه ليس كذلك الآن.
المنافسة بين المناطق
نجد أن هناك تفاوتًا في مستوى المختارين من ناحية الأداء، إذ يذكر المختار الذي تحدثنا معه أنه «لا توجد على مستوى الكويت لجان في المناطق إلا من قبل بعض المختارين القليلين، مثل اللجنة الصحية واللجنة التعليمية واللجنة الاجتماعية، وغيرها».
وعن عضويات هذه اللجان يوضح المختار أنها «تتضمن رؤساء المراكز الصحية، ومديري المدارس، وأعضاء من مجلس إدارة الجمعية التعاونية في المنطقة». ويعلل ذلك بأن «هذه الأمور (أي اللجان) وهذا النشاط من اختصاصات المختار، ويجب أن يحصل عليها بالقانون».
هناك تفاوت بين أداء المختارين، فبعضهم يعمل ويجتهد ويتواصل مع باقي الجهات في المنطقة لتحسينها، بينما نجد بعض المختارين «تحتاج إلى أن تسأل عنه لتعرف من هو مختار المنطقة، لأنه غير معروف»، وفق المختار.
لا يوجد تفسير واضح غياب المرأة عن المختارية غير افتراض أن هذه الوظيفة للذكور فقط منذ البداية، فحتى خلال نقاشات مجلس الأمة للقانون، لم يتطرق أحد إلى هوية المختار، وافترض الجميع أنه ذكر من البداية.
بالعودة إلى سؤال المقدمة: هل آن أوان مراجعة آلية اختيار المختار؟ وما مدى ملاءمة النظام الحالي للمختارية؟ هذه الأسئلة تتطلب إعادة طرح، واليوم بعد كل هذه السنوات وبعد تقنين اختصاصات المختار، يبدو أن علينا إعادة النظر في مفهوم المختارية من حيث الاختصاصات، وكذلك آلية الاختيار من حيث المبدأ، لإعادة مفهوم المنطقة والمشاركين في تطويرها.
عبدالله الخنيني