الكويت تحطم تمثال الهندوس: لماذا لا نرضى بممارسة الآخرين شعائرهم في بلداننا؟
«اتصلت على عمليات الداخلية وأخبروني بأنها حرية شخصية، أهذه حرية شخصية؟!»
هكذا عبرت المواطنة الكويتية أمل المنصور عن استيائها لعدم تفاعل وزارة الداخلية مع شكواها ضد مجموعة من الآسيويين الذين قاموا بممارسة طقوس عبادة على أحد الشواطئ الكويتية.
يذكر الخبر قبل أيام بأن مجموعة من الآسيويين في الكويت قد قاموا بنصب تمثال لأحد الآلهة الهندوسية وسط البحر مما أثار استياء المواطنة، فقامت بتقديم بلاغ لوزارة الداخلية، التي كان ردها ابتداءً بأنها حرية شخصية لا يمكن التدخل فيها، إلا أن المواطنة تحركت بنفسها لإزالة التمثال، وأثارت الموضوع إعلاميًا عن طريق أحد شيوخ الدين الشهيرين، الدكتور محمد العوضي، مما حدا بوزارة الداخلية التراجع عن موقفها السابق ومحاسبة الموظفة التي أبدت عدم قبول البلاغ بحجة «الاستهانة بالبلاغات الجدية».
ماذا عن الدستور الكويتي؟
أحدَث هذا الخبر صدى واسعًا في الكويت أنتج جدلًا حول حرية الاعتقاد فيها، وهي الدولة التي يُفترض أنها تحترم كافة الشعائر والأديان وبها مساحة من الحريات الدينية؛ إذ ينص الدستور الكويتي في مادته رقم 35 على أن «حرية الاعتقاد مطلقة وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان»، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي انضمت له دولة الكويت ينص في مادتيه رقم 10 و12 على أنه «لا يجوز إيذاء أي شخص بسبب آرائه ومنها معتقداته الدينية».
إلا أن هذا الحق مُقيَّد، فقد اشترط الدستور الكويتي في نفس المادة السابقة ألا يكون هذا المعتقد مخلًا بـ«النظام العام والعادات المرعية والآداب العامة»، كما أن المذكرة التفسيرية للدستور حددت حرية الأديان بـ«الأديان السماوية»، وهي المسيحية والإسلام واليهودية، بالإضافة إلى الإعلان العالمي الذي وضع في نصه «شريطة أن لا تكون المجاهرة سبباً للإخلال بالنظام العام المحدد بالقانون».
هذه الشروط المتعلقة بـ«النظام العام والآداب والعادات» تربط الحرية الدينية بمصطلحات مطاطة غير محددة تُترك لتقدير الجهات القضائية والأمنية، ويمكن إدراج أي نوع من الممارسات تحتها بأي شكل تراه الجهة السياسية، وذلك إما لأهداف تراها أو خضوعًا لرغبات بعض فئات المجتمع.
كما أن التفسير بتحديد حرية ممارسة الشعائر فيما يتعلق بالأديان السماوية الثلاث ربما لا يعتبر حرية دينية في عالم مليء بالأفكار والمعتقدات القديمة منها والمتجددة. وفي بلد مليء بالمهاجرين والعمالة المهاجرة والتنوع الثقافي والديني، لا يعود هذا التفسير صالحًا لهذا الزمن ولا متماشيًا مع متطلبات الحرية والانفتاح على الآخر.
إنهم يعبدون بوذا!
كان الجدل الدائر حول الموضوع يتمحور حول تقبلنا للاختلاف، لمن لا يشبهنا بأفكاره أو معتقداته أو طريقة الحياة. ما الذي يدعو الشخص لرفض من يختلف معه؟ وما الذي يدفعه لإخضاع الآخر لقواعده وطريقة حياته وأفكاره التي يعتقدها؟
المواطنة التي أبلغت عن التمثال كانت تكرر: «إنهم يعبدون بوذا»، رغم أن التمثال لم يكن لبوذا إطلاقًا.
الملفت للنظر أن كثيرًا ممن رفضوا حرية ممارسة هذه العقائد كانوا يجهلون ماهية هذه العقيدة أصلًا؛ المواطنة التي أبلغت عن التمثال كانت تكرر: «إنهم يعبدون بوذا»، رغم أن التمثال لم يكن لبوذا إطلاقًا، بل كان جزءًا من طقس ديني لعيد يسمى «جهاثي بوجا»، والذي يصادف السادس من نوفمبر؛ إذ ترتدي بموجبه النساء الزي التقليدي ويغطسون في المياه مساءً ومعهم بعض الفواكه والحلويات يقدمونها لإله الشمس عند الهندوس (واسمها سوريا، إله طاقة الحياة) مع أمنيات بالرفاه والازدهار والتقدم، ولعل الجهل هنا يشكل الجانب الأكبر من الدافع للتعصب.
ويذكر الرافضون لوجود هذه الممارسات بأن البلاد «أرض إسلامية» من غير المقبول وجود مشاهد شِرك فيها، لكنهم رغم ذلك لا يمانعون في ممارسة الصلوات والطقوس الإسلامية في «بلدان الشرك» وفي الأماكن العامة فيها، ويعتبرون أي قمع لها هو كراهية وعنصرية يجب مقاومتها. نموذج ذلك هو الشيخ الدكتور محمد العوضي نفسه الذي أثار قضية التمثال؛ إذ كتب في تغريدة سابقة له عن عنصرية الفرنسيين تجاه الحجاب الإسلامي في فرنسا، مشيرًا إلى خلع «العنصريين» حجاب بعض المسلمات عُنوة.
من المؤسف أن نرى عيدًا يتمنى «الرفاه والازدهار والتقدم» يُواجه بهذا التخلف والرجعية والقمع، لنكشف بذلك عن أزمة مجتمعاتنا المصابة بالازدواجية؛ إذ نتظاهر بالتسامح ونَصِف غيرنا بالتعصب، بينما نحن في الحقيقة لا نختلف عنهم في ذلك. وبدلاً من الاحتفاء بالتنوع الذي تحظى به مجتمعاتنا، نمارس الاستعلاء على الآخر باعتبارنا مُلاك للحقيقة المطلقة. «الرفاه والازدهار والتقدم» لا يُفترض أن تكون شعارات نرفعها في مجالسنا لمظاهر «نأمل أن نراها في مجتمعاتنا» بينما لا نتصرف على هذا الأساس؛ فمعيار التقدم هو في مدى تقبلنا للآخر وتسامحنا وانفتاح مجتمعاتنا لتنمية الفكر والعقل. وإذا كنا نرى أن ديننا هو الحق وأننا على ثقة من إيماننا، فما ضير ممارسة بعض الناس عباداتهم في أراضينا ما دمنا نطالب بحقنا في ممارسة عباداتنا لديهم؟
شيخة البهاويد