الاتفاق النووي مع إيران: من يخادع من؟
«لقد أضعت ساعات طويلة في مشاهدة المفاوضات حول الاتفاق النووي، والآن أنا نادم». هكذا يبدأ المصور الصحفي الإيراني «بهرام» عن الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
يضيف بهرام لـ«منشور»: «كنا نراهن على مستقبل أفضل واقتصاد أقوى بعد سنوات عديدة من العقوبات والعزلة، لكن إلى الآن لم يحدث أي تغيير. الآن أنا محبط ولا أريد أن أفكر مرة أخرى في هذا الاتفاق، حتى إن أُلغي، لا أبالي».
في عام 2015، نزل آلاف الإيرانيين إلى الشوارع للاحتفال بانتهاء المفاوضات والتوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول 5+1، لكن بعد عامين على الاتفاق، وتولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتبادل شبه اليومي للاتهامات والتهديدات بين إيران وأمريكا، ماذا تبقى للإيرانيين من هذا الأمل؟
تنازلات كثيرة ومكاسب قليلة
يقول أحمد كسرى، أستاذ السياسة الدولية في جامعة طهران، إن «إيران قدمت تنازلات كبيرة من أجل إتمام هذا الاتفاق، لكنها لم تحصل إلا على الفتات حتى الآن».
يرى كسرى، خلال حديثه لـ«منشور»، أن وجود شخص مثل ترامب على رأس السلطة في الولايات المتحدة كفيل بهدم أي أمل، وكان يجب على الساسة الإيرانيين توقع هذا الأمر، بدلًا من إيهام الشعب الإيراني بآمال وطموحات لن يتحقق منها الكثير.
لا يمكن إنكار الانتعاش الاقتصادي لإيران بعد الاتفاق، حتى وإن كان طفيفًا ولا يُرضي طموحات الشعب الإيراني، ففي عام 2016، صدّرت إيران النفط إلى أوروبا لأول مرة بعد رفع جزء من العقوبات، وبدأ المستثمرون الأوروبيون في ضخ مبالغ مالية كبيرة إلى حدٍّ ما في السوق الإيرانية.
كذلك، لا تخلو الصحف الإيرانية من أخبار متواترة عن عقد صفقات مع مستثمرين أجانب، مثل تعاقد إيران مع شركة «رينو» الفرنسية للسيارات، وصفقة شراء طائرات من شركة «بوينغ» الأمريكية، إلى جانب الصفقة الأهم: توقيع عقد مع شركة «توتال» الفرنسية لتطوير حقل بارس للغاز، التي تعتبر أكبر وأهم الصفقات في مجال الطاقة التي عقدتها إيران منذ إبرام الاتفاق النووي.
ترامب ينتهك الاتفاق النووي
منذ حملته الانتخابية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يفوِّت فرصة لانتقاد الاتفاق النووي مع إيران، واصفًا إياه بأنه أسوأ اتفاق عقدته الولايات المتحدة في تاريخها. وحتى بعد انتخابه، هدد ترامب مرارًا بإلغاء الاتفاق، أو على الأقل تغيير بعض بنوده، واتهم إيران بانتهاك بنود الاتفاق بإصرارها على تطوير مشروع الصواريخ الباليستية.
يرى الرئيس روحاني أن فرض عقوبات على إيران سيكون انتهاكًا للاتفاق النووي، فليس من حق أحد منع إيران من تطوير منظومتها الدفاعية طالما أن هذا خارج بنود الاتفاق.
«الاتفاق النووي أفضل ما فعله روحاني وظريف لإيران، لكن تهديدات ترامب تفسده». هكذا يقول «آرشام اسفنديار»، أستاذ الاقتصاد في جامعة أصفهان.
يضيف «آرشام» لـ«منشور» أن المستثمرين الأوروبيين يريدون دخول السوق الإيرانية، لكن تهديدات ترامب كل فترة بفرض عقوبات جديدة جعلتهم يخشون الإقدام على تلك الخطوة.
قبل الاتفاق، بحسب اسفنديار، كانت غرامات مالية تُفرَض على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إيران، لكن «لو تكرر الأمر وقرر ترامب العبث بالاتفاق النووي وفرض عقوبات أكبر على إيران بحجة انتهاك حقوق الإنسان أو دعم جماعات إرهابية، سيجد المستثمرون أنفسهم يدفعون ملايين الدولارات غرامات بدلًا من ربحها، ولذلك فخوفهم طبيعي».
صحيح أن الولايات المتحدة كانت قد رفعت جزءًا من العقوبات التي كانت مفروضة على إيران بعد الاتفاق النووي، لكنها أبقت على العقوبات المفروضة على المعاملات المصرفية، التي تشكل محورًا مهمًّا من الاتفاق، بجانب أن تلك العقوبات تصعِّب الأمر على الشركات الأجنبية التي تريد الاستثمار في إيران.
يرى آرشام أن هذا ليس العقبة الوحيدة، فهناك عقبة الفساد المحلي وعدم اهتمام الحكومة الإيرانية بوضع خطة محكمة وتسهيلات للمستثمرين الأجانب، فبعد كل العقبات، من الطبيعي أن لا يشعر المواطن الإيراني بأي تحسن في حياته، فالطريق ما زال طويلًا أمام تحقيق أي مكاسب من وراء الاتفاق النووي.
نستطيع التخلي عن الاتفاق النووي خلال ساعات
في أغسطس 2017، وخلال إحدى جلسات البرلمان الإيراني، أعلن الرئيس روحاني أنه إذا فرضت أمريكا عقوبات جديدة، ستعتبر إيران تلك العقوبات انتهاكًا للاتفاق النووي، وستنسحب منه خلال ساعات، وأنه إذا كانت الولايات المتحدة تدّعي أن تلك العقوبات بسبب البرنامج الصاروخي، فليس من حق أي دولة أن تمنع إيران من تطوير منظومتها الدفاعية طالما أن هذا الأمر خارج بنود الاتفاق.
«تصريحات المسؤولين الإيرانيين النارية بشأن رغبتهم في حرق الاتفاق النووي ليست صادقة، فهم أكثر الناس حرصًا على الاستفادة من ورائه».
يرى المحافظون في إيران أن الاتفاق النووي ما هو إلا خطوة لإذلال إيران، ولا فائدة منه على الإطلاق، فإيران تنازلت عن برنامجها النووي، وسَمحت لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول أهم منشآتها النووية، وفي المقابل، يخرج ترامب كل يوم ليهدد ويهين الشعب الإيراني.
المرشد الأعلي للثورة الإيرانية، علي خامنئي، سبق أن أعلن أن الولايات المتحدة هي العدو الأول لإيران، ولا يمكن الوثوق في اتفاق تكون طرفًا فيه.
كل ذلك أثّر في الاستثمارات الأجنبية في إيران، فسحبت بعض الشركات الأجنبية أموالها التي كانت قد ضختها سابقًا، وأقربها صفقة شركة «توتال»، التي تريد فسخ عقدها مع إيران بعد كل تلك الصراعات والاتهامات المتبادلة مع الولايات المتحدة.
لماذا يتمسك الاتحاد الأوروبي بالاتفاق النووي؟
«الأوروبيون متمسكون بالاتفاق النووي ليس حبًّا في إيران، بل من أجل مصالحهم الشخصية». بهذه الجملة يفسر الصحفي «شهبد» (اسم مستعار) سبب دعم الاتحاد الأوروبي للاتفاق النووي.
يوضح شهبد لـ«منشور» أن «الشركات الأوروبية تضغط على حكومات بلادها من أجل الإبقاء على الاتفاق لما يحققه لها من أرباح هائلة. كذلك، الاتفاق سيحقق للنظام الإيراني الكثير والكثير، لكن ليس للشعب، لذلك لا أصدق المسؤولين الإيرانيين حين يخرجون علينا بتصريحات نارية عن رغبتهم في حرق وإلغاء الاتفاق، على العكس، فهم أكثر الناس حرصًا على الاستفادة من الاستثمارات التي ستأتي من ورائه».
«فيديريكا موغيريني»، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تؤكد أن إيران ملتزمة تمامًا بالاتفاق النووي، وأن من الخطأ محاولة مناقشة أي بند من بنود الاتفاق مرة أخرى، وتبرهن على كلامها بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتش دوريًّا على المنشآت النووية الإيرانية، وفي كل مرة تؤكد التزام إيران وعدم وجود أي انتهاكات.
لكن المثير للدهشة هو ما أعلنه المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية، من أن الرئيس الأمريكي طلب الاجتماع بنظيره الإيراني على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس 2017، لكن روحاني رفض.
وسط كل تلك التهديدات والعقوبات والتصريحات، يبدو أن كثيرًا من الإيرانيين فقدوا الأمل في أن الاتفاق النووي قد يحقق أي تغيير ولو بسيط في حياتهم، بينما يرى آخرون أن المشوار لا يزال طويلًا، ولن يتحقق الانتعاش الاقتصادي بين ليلة وضحاها، فالعقوبات استمرت لسنوات عديدة ولا يمكن محو آثارها بسهولة، وعلى الأقل هناك بارقة أمل. وبعيدًا عن هؤلاء وأولئك، يستمر بعض الإيرانيين في ترديد أن الاتفاق النووي سيُحرق قريبًا، فلا فائدة ولا أمل.
شيماء محمد