منو ياينا هالحزة: ما هي مشكلة الوافدين في الكويت؟
«الوزارة ستتخذ جميع الإجراءات المتبعة تجاه أي مقيم حال تجاوزه القانون، بالمشاركة في مسيرات احتفالية في أعقاب المباريات الرياضية تؤدي إلى عرقلة حركة السير، أو القيام بأعمال فيها خروج على الآداب العامة أو تسبب اختناقًا مروريًّا».
هذا ما أعلنته وزارة الداخلية الكويتية في بيان وجَّهته للجالية المصرية والبوركينية، عقب مباراة نصف النهائي لكأس الأمم الإفريقية، وسبقته عدة إجراءات مشابهة بإبعاد 213 وافدًا لمخالفتهم قواعد المرور، إضافة إلى قرار بإبعاد كل وافد لا يلتزم بالأماكن المخصصة للتدخين.
فما الذي يحدث في الكويت؟ ولماذا تُتخذ هذه الإجراءات في مواجهة الجاليات دون المواطنين؟
مشكلة التركيبة السكانية
بحسب الهيئة العامة للمعلومات المدنية، فإنه حتى عام 2017 بلغ عدد سكان الكويت 4 ملايين و445 ألفًا و334، منهم مليون و340 ألفًا و863 كويتيًّا، و3 ملايين و104 آلاف و471 غير كويتي.
وتصنف جنسيات غير الكويتيين إلى أغلبية آسيوية (%62 من إجمالي الوافدين) مقابل %33.5 للجنسيات العربية مجتمعة، أما الأفارقة فنسبة %2.8، ويشكل الأوروبيون والأمريكيون والأستراليون في مجموعهم %1.7، إضافة إلى فئة البدون (غير مُحدَّدي الجنسية) الذين يقدَّر عددهم بنحو 90 ألف نسمة، ويشكلون ما يقرب من 3% من إجمالي غير الكويتيين.
نظام الكفالة يسمح باستقدام العمالة بوظائف وهمية.
هذه الأرقام تُشكِّل خللًا حقيقيًّا في التركيبة السكانية الكويتية؛ لأن نسبة كبيرة من العمالة المهاجرة المسماة محليًّا بالوافدين، وأغلبها آسيوية، عمالة سائبة تُكلِّف الدولة خصوصًا في قطاعات الماء والكهرباء، وبسبب عدم وجود عمل ثابت لها، تُشكِّل خطرًا على الأمن وتعد مصدر قلق كبير للسكان.
قد يهمك أيضًا: لماذا لا نرضى بممارسة الآخرين شعائرهم في بلداننا؟
ما سبب خلل التركيبة السكانية؟
يرجع هذا الخلل إلى عدة أسباب؛ أولها الاستقدام الكبير للعمالة لشغل وظائف لا يشغلها الكويتيون، إما لأنها عملية بسيطة وغير مقبولة اجتماعيًّا؛ كالتنظيف و الحراسة وخدمة المنازل، أو لأن المخرجات التعليمية من الكويتيين لا تكفي لسد حاجة سوق العمل؛ كالتعليم والطبابة والتمريض، أو بسبب تفضيل القطاع الخاص العمالة الأجنبية الأرخص أجرًا.
ثاني الأسباب هو نظام الكفالة، الذي يسمح بالاستقدام تحت اسم العمل بوظائف وهمية مع عدم وجود وظيفة حقيقية، وهو ما يسمى «العمالة السائبة»، وينمي هذا النمط «تُجَّار الإقامات».
يكفي أن تسأل أيًّا من الوافدين في أي بلد خليجي عمَّا تكبَّده للخروج من بلده والعمل في بلد آخر، إذ يدفع العامل مبلغًا من المال للكفيل المحلي الذي يستقدمه إلى البلاد، إلا أنه يُفاجأ بعدم وجود عمل حقيقي، ويُترَك ليهيم في شوارع البلد يتدبر أمره؛ إما بالبحث عن عمل أو بمخالفة القانون.
وفي الأحوال كلها، يضطر العديد من العمال إلى الاستمرار في دفع مبالغ مالية لتجار الإقامات الذين استقدموهم؛ للوفاء بالالتزامات المالية الصارمة والمكلفة، فيضيع الكثير مما يستطيعون تحصيله جرَّاء ذلك.
وعادة ما يكون هؤلاء التجار رجال أعمال، أو أشخاص قادرين على الحصول على أذونات عمل عديدة دون محاسبة، بل حتى من أفراد الأسرة الحاكمة في البلاد.
لعب المعلمون من فلسطين والأردن ومصر وسوريا أدوارًا مهمة في بناء النظام التعليمي الكويتي.
هذه «الفوبيا» التي تجتاح الكويت ودول الخليج بدأت في التعاظم مع تكرار أزمات انخفاض أسعار النفط والدعوات الحكومية للتقشف وتخفيض النفقات، الأمر الذي يراه الخليجي هجومًا شخصيًّا عليه، وبدلًا من مطالبة الحكومات بالبحث عن حلول لتنويع مصادر الدخل أو إيقاف الإهدار الحكومي الجنوني، يلوم العديد من المواطنين الوافدين بحجة أنهم من ينتزعون الفرص الوظيفية والخدمات من المواطن.
وتستجيب الحكومة في الكويت وتشجع هذه المطالبات، كونها أسهل من ملاحقة نفوذ تجار الإقامات، وبالتأكيد أيسر من البحث عن مصادر دخل جديدة وإيجاد حل حقيقي لمشكلة تفاقمت تحت رعايتها.
ومنذ نشأة الإمارات والممالك الخليجية وازدياد ثرواتها المعتمدة على النفط، بدأت تلك الدول الاستعانة بخيرة الخبرات العربية لبناء الدولة الحديثة، فلعب المعلمون من فلسطين والأردن ومصر وسوريا أدوارًا مهمة في بناء النظام التعليمي.
كما أسهم مهندسون من الدول ذاتها في بناء النهضة في مختلف المجالات، فيما لعبت العمالة الآسيوية من الهند وباكستان وبنغلاديش دورًا في أداء الأعمال اليدوية والشاقة حتى ينعم المواطن بالرخاء، خصوصًا أنه يعفُّ عن القيام بأعمال كالبناء أو تحضير المأكولات أو تنظيف الشوارع ورفع القمامة، إضافة لعدم قدرته على تدريس بعض المواد في المدارس أو القيام بأعمال محاسبية بتكلفة منخفضة أو كفايته لبعض القطاعات كالقضاء والصحة.
اقرأ أيضًا: 7 أسئلة تشرح لك نظام الكفالة المعتمد في دول الخليج
ما الإجراءات التي تتخذها الحكومة؟
وصل الأمر إلى اقتراح منع دفن موتى الوافدين وتخصيص المقابر للكويتيين فقط.
بدلًا من الحلول التي تعدل نسبة المواطنين إلى الوافدين وتحد من مشكلات التركيبة السكانية بالنظر إلى أسبابها الحقيقية، فإن الإجراءات التي تتخذها الحكومة الكويتية أو يقترحها مجلس الأمة ما هي إلا حلول سطحية، تبدو كأنها رهاب الأجانب أكثر من كونها حلولًا لتقريب النسب وتعديل الوضع السكاني.
فلحل مشكلات الخدمات الصحية وتأخرها وعدم كفايتها للسكان، بسبب قلة المستشفيات الحكومية الكبرى في الدولة، بُنِي مستشفى جديد وخُصِّص للمواطنين الكويتيين فقط، في تصرف لا يتسق مع العمل الطبي وإنسانيته ولا يطابق الأعراف المهنية.
كما أن الاقتراحات شملت مجالات أخرى، إذ اقترحت النائبة في مجلس الأمة الكويتي صفاء الهاشم حلًّا لأزمة المرور والاختناقات في الكويت، يقتضي دفع الوافدين ضريبة على الطرق التي يستخدمونها بسياراتهم.
كذلك، أصدرت بلدية الكويت قرارًا ترى أن من شأنه «الحفاظ على البيئة»، بالاتفاق مع وزارة الداخلية لإبعاد كل وافد يشوي في الحدائق العامة دون وجود عقوبة مماثلة للمواطن، وكذلك إبعاد كل وافد يقدم الشيشة في المقاهي لمن هم دون السن القانونية، حتى وصل الأمر إلى تقديم مساعد المدير العام لشؤون الخدمات في بلدية الكويت اقتراحًا بتخصيص الدفن في المقابر للكويتيين فقط.
هذه حلول لا تُفكك المشكلة الحقيقية ولا تقدم أي معالجة سوى تعويد المواطن عدم تقبل الآخر وعدم احترام إنسانيته، كما أن الإبعاد الذي يُستخدم بحق العمالة المهاجرة يكون غالبًا إداريًّا؛ يرحِّل العامل ويمنعه من حق التقاضي وينزع حقه في التظلم والدفاع عن النفس، وهو ما يشكل مخالفة للمواثيق الدولية.
ويذكر أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق جامعة الكويت، الدكتور محمد الفيلي، أن «خطورة هذا النوع من الإبعاد تأتي من أمرين؛ الأول أن المُشرِّع يضع حالات واسعة، منها مفهوم المصلحة العامة، دون وجود ضوابط محددة مثل تهديد جاد للنظام العام، كما هو موجود في دول أخرى يمكن فيها إبعاد الأجنبي فقط إن كان يشكل تهديدًا جادًّا لعناصر محددة مثل الأمن العام».
ويضيف الفيلي أن «الوجه الآخر للخطورة في الموضوع أن هذه القرارات، وفق القانون الكويتي، لا تخضع لرقابة القضاء، فنحن أمام قرار إداري تُصدره الوزارة دون أن يكون أمام من صدر القرار في مواجهته إمكانية الطعن عليه أمام القاضي، لأن المُشرِّع استبعد هذه القرارات عن رقابة القاضي الإداري».
مجيء الوافدين لم يكن خطؤهم، بل بدعوة من أصحاب البلد.
وفي ظل تعاظم الموجة ضد الوافدين، تبرز تساؤلات بخصوص من سيؤدي الأعمال التي يقومون بها إذا رُحِّلوا كما يشتهي البعض؟ مَنْ مِن المواطنين على استعداد للعمل في الحرارة الشديدة لتنظيف الشوارع، أو تزويد السيارات بالبنزين في المحطات، أو أداء الأعمال المنزلية، حتى يحافظ على رفاهية العيش؟
والرد المبرمَج على هذا بأن الكويتيين قاموا بهذه الأمور إبان الغزو العراقي على الكويت لا ينقض الفكرة بل يؤيدها، إذ إن القيام بهذه الأعمال كان أمرًا طارئًا واضطراريًّا في حالة الحرب، ولم يكن خلال وضع مستقر.
إن مجيء الوافدين تم بدعوة من أصحاب البلد لأداء أعمال محددة، فليس خطأ من الوافدين أن أصحاب البلد لا يستطيعون إيقاف تُجَّار الإقامات، أو تعديل التركيبة السكانية، أو إيجاد مصادر بديلة للنفط، أو إصلاح التعليم بجميع مستوياته ليُخرج مواطنين قادرين على العمل في المجالات كافة، أو أن المخرجات التعليمية غير كافية لسوق العمل.
هذه جميعها أسئلة كبيرة بحاجة للعمل والتفكير وإيجاد الإجابات، لا أن نصب غضبنا على الوافدين.
شيخة البهاويد