ثورة الكوكب: لماذا تدعونا الأرض لإسقاط النظام؟

أيمن محمود
نشر في 2017/02/12

«لن يكون هناك بيزنس على كوكب ميت» - الصورة: Wesha

يهتم معظمنا بمطالعة درجات الحرارة لأخذ احتياطاتنا قبل الذهاب للعمل في الصباح، وربما يتابع بعضُنا حالة الطقس لأسبوع مقبل، لكن من منا يفكر في مناخ الأرض لعام أو عامين أو عشرة أعوام؟

إن كنت لا ترى الأمر مهمًّا، فالعلم يختلف معك. لا يطلب منا العلماء فقط اهتمامًا بمناخ الأرض؛ بل يطلبون ثورة على أنظمتنا الاقتصادية من أجل مصلحة الكوكب.

هل نغتصب الأرض؟

الصورة: adventurejay.com

عندما ألحَّ صحافي من أجل إجابة واضحة عن سؤال «هل نغتصب الأرض؟»، جاء الرد: «بشكلٍ ما».

أورد موقع (NewStatesman) تقريرًا بقلم الناشطة السياسية الكندية «ناعومي كلاين» (Naomi Klein)، تحكي فيه عن المؤتمر السنوي للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي (AGU) عام 2012، حين أثار الباحث «براد فيرنر» (Brad Werner) دهشة 24 ألف باحث شاركوا في المؤتمر، بمحاضرته المعنونة: «هل تُغتصب الأرض؟».

كان موضوع «فيرنر» الأساسي هو عدم جدوى الطرق التقليدية للتعامل مع القضايا البيئية العالمية، واقتراح وسائل بديلة لتحقيق تقدم في هذا المجال.

سلط الباحث الضوء في حديثه على استنزاف الرأسمالية العالمية لموارد الأرض بسرعة كبيرة وبدرجة مُقلقة، وعلى تهديد النظام الاقتصادي باستمرار للموارد المتاحة. وعندما ألحَّ أحد الصحافيين من أجل إجابة واضحة عن سؤال «هل نغتصب الأرض؟»، جاء رد «فيرنر»: «بشكلٍ ما».

أشار «فيرنر» خلال محاضرته إلى ضرورة التفات المهتمين بمستقبل المناخ على الكوكب لمفهوم «المقاومة»، لأنه لو كانت الاعتصامات والاحتجاجات السياسية تؤتي ثمارها بتغيير الأنظمة وثقافات الشعوب، فإن معظم الاحتجاجات السياسية الساعية للخروج عن إطار الرأسمالية وثقافتها تُؤدي إلى تعطيل الخراب البيئي الذي نتجه إليه.

وتأتي ضمن هذه الاحتجاجات حركات المقاومة من قبل نشطاء البيئة والسكان المحليين، الذين يتخذون خطوات جادة ومباشرة لحماية البيئة خارج الإطار الثقافي المعتاد.

قد يهمك أيضًا: كوكب الأرض يطلب منَّا التوقف عن الإنجاب

الأرض تريد إسقاط النظام

متظاهرون ضد تغيُّر المناخ في العاصمة الأمريكية واشنطن - الصورة: Jmcdaid

الاكتشافات التي توصل إليها العديد من الأطباء وعلماء الفلك والفيزيائيين أخرجتهم إلى الشوارع مناهضين للحرب والأسلحة والطاقة النووية والتلوث الكيميائي.

وفي شهر نوفمبر من عام 2012، دعت مجلة «nature» العلماء للخروج في تظاهرات لوقف العوامل المؤدية للتغير المناخي، حتى لو تسبب ذلك في إلقاء القبض عليهم، لأن قضية التغير المناخي لا تتعلق فقط بحياتنا في العصر الحالي، وإنما بالوجود البشري ككل.

بعض العلماء ليسوا بحاجة إلى إقناع للتحرك من أجل قضية المناخ، وعلى رأسهم الأب الروحي لعلوم المناخ «جيمس هانسن» (James Hansen)، الذي أُلقي القبض عليه عدة مرات لنشاطه ضد ممارسات صناعية ضارة بالبيئة، حتى إنه اضطر إلى ترك عمله في وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».

التقى «هانسن» خلال مظاهرة عند البيت الأبيض «جيسون بوكس» (Jason Box)، وهو «عالم جليد» يبحث آثار التغير المناخي على المناطق القطبية. أخبره «بوكس»، بعد أن ألقت الشرطة القبض عليهما معًا، أنه لن يحترم نفسه لو لم يدافع عن تلك القضايا، وأن التصويت في الاستفتاءات على وقف تلك الممارسات غير كافٍ أبدًا.

لم يعارض «فيرنر» النضال ضد الممارسات الخاطئة بحق البيئة، إلا أنه فضَّل مع ذلك تبني فكر مبايِن لغيره من نشطاء هذا المجال؛ فأرشدته أبحاثه إلى أهمية الثورة ضد الأنظمة الاقتصادية القائمة، وليس فقط ضد ممارسات الساسة.

شدد «فيرنر» على أهمية السعي لتغيير تلك الأنظمة بشتى الوسائل الممكنة؛ بالاحتجاجات أو بإنشاء الحركات المعارضة أو مجموعات الضغط. هذا هو الأمل الوحيد لتجنب الكارثة.

اقرأ أيضًا: كيف يعيد المال تشكيل معتقداتنا؟

للأرض ثوار يحموها

«أوقفوا تسييس المناخ» - الصورة: Takver

قضى «كيفن أندرسون» (Kevin Anderson)، نائب مدير مركز «تيندال» لأبحاث تغير المناخ بالمملكة المتحدة، أكثر من عشر سنوات في ترجمة أحدث نتائج علوم المناخ وإيصالها للسياسيين والاقتصاديين والنشطاء.

انتهى «أندرسون» إلى إعداد خارطة طريق صارمة للحد من الانبعاثات الضارة، تساعد في السيطرة على زيادة درجات الحرارة العالمية لتظل دون الدرجتين المئويتين؛ وهو هدف معظم الحكومات التي تسعى لتفادي الكوارث الطبيعية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.

وكشف «أندرسون» مع زميلته «أليس لاركن» (Alice Bows-Larkin) أن حكومات العالم أهدرت الكثير من الوقت في اتباع سياسات ضعيفة، بينما تتفاقم مشكلة التغير المناخي على نحو مخيف.

لم يكن الهدف الذي وضعته الحكومات لتخفيض الانبعاثات من عام 1990 إلى عام 2050 بنسبة 80% موضوعًا على أسس علمية، وفقًا لـ«أندرسون»، بل وُضع بفكر سياسي بحت؛ وذلك لأن التغيرات المناخية لا تتوقف على انبعاثات اليوم وغدًا فقط، بل على تراكم الانبعاثات في فترات طويلة.

ويرى الخبراء ضرورة بدء الدول الصناعية السعي فورًا لتقليل حجم الانبعاثات بنسبة لا تقل عن 10% سنويًّا، إذا أردنا المحافظة على زيادة درجات الحرارة العالمية دون الدرجتين. وحتى مع كل ذلك، يقترب احتمال النجاح من 50% فقط.

في 2012، طاردت الحكومة الكندية العلماء القائمين على مشروعات البحث العلمي في مجال المناخ.

يتفق «أندرسون» و«لاركن» على أن تقليل الانبعاثات بهذه النسبة غير مسبوق، لكنه مستحيل لو اقتصر العمل على السياسات التقليدية؛ كإعادة تسعير الوقود أو تطوير تكنولوجيا صديقة للبيئة.

وأكد الاقتصادي «نيكولاس شتيرن» (Nicholas Stern) الأمر نفسه في تقرير قدمه للحكومة البريطانية عام 2006، ذكر فيه أن انخفاض حد الانبعاثات لأكثر من 1% ارتبط على مر التاريخ بالركود والاضطرابات الاقتصادية، لكن نسبة الانخفاض لم تصل أبدًا إلى 10%، حتى إثر سقوط الاتحاد السوفييتي أو انهيار بورصات «وول ستريت».

قد يعجبك أيضًا: الصلاة تواجه البيزنس: قصة بترول داكوتا كما يرويها أحد السكان الأصليين

الداء والدواء عند الدول الصناعية

الصورة: Shubert Ciencia

إن كانت المشكلة نابعة بالأساس من الدول الصناعية، فلا بد أن يخرج الحل منها أيضًا، وهو ما جعل «أندرسون» و«لاركن» يلخصان الحل في «استراتيجيات جِذرية وفورية لخفض معدلات النمو في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول المتقدمة».

لكن العقبة التي تواجه تلك الرؤية أننا أصبحنا في عالم يقدس الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي ويضعها فوق كل اعتبار، حتى لو كان الثمن حياة الإنسان وسلامة بيئته.

وتسعى بعض الدول لإسكات صوت العلم كي تُخفي التعارض بين لهاثها وراء النمو الاقتصادي وسلامة البيئة، كما حدث في كندا عام 2012، عندما طاردت الحكومة العلماء القائمين على مشروعات البحث العلمي في مجال المناخ، لكن نحو ألفي عالِم أسسوا موقعًا أسموه «حدادًا على الأدلة العلمية»، وتظاهروا أمام البرلمان مع لافتات تقول: «لا علم = لا دليل = لا حقيقة».

إلا أن الحقيقة ستظهر على كل حال، فلم نعد بحاجة في الوقت الحالي لأن تخبرنا الصحف عن زعزعة التقدم الاقتصادي لاستقرار حياتنا على الكوكب، لأننا نعرف هذا جيدًا. ومع أن النشطاء والمدافعين عن حق كوكبنا في الحياة ربما لم يقوموا بثورة حقيقية بعد، لكنها البداية بكل تأكيد.

أيمن محمود