أسلمة العلوم: مشروع الخميني الذي يثير ضجر روحاني
«وضعُك القرآن في السيارة لا يجعل منها سيارة إسلامية، والعلم لا يَعرف أيديولوجية معينة، فكل محاولات خلق فيزياء وكيمياء إسلامية انتهت بالفشل». بهذه الكلمات انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في الكلمة الختامية لمهرجان الخوارزمي (مهرجان علمي)، مشروع أسلَمَة العلوم المُتَّبَع في إيران منذ الثورة الإسلامية في 1979.
مجلس ثقافي ثوري
فوجئ الطلاب الإيرانيون بعد الثورة بأوامر من الخميني بإغلاق الجامعات والمدارس لفترة طويلة استمرت تسعة أشهر، وإنشاء مجلس ثقافي ثوري لإعادة تأليف مناهج دراسية جديدة، وتطهير الجامعات من الأساتذة والطلاب الذين لا يتبعون «نهجًا إسلاميًّا صحيحًا».
ضم المجلس الثقافي الجديد عددًا من رجال الدين فقط، وكانت أولى إنجازاتهم في ذلك الصدد طرد 250 أستاذًا جامعيًّا وعدد كبير من الطلاب.
عندما عاد الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم اكتشفوا أن أغلب مناهج الأدب والتاريخ الفارسي القديم ألغيت، وحلت محلها أجزاء ضخمة عن الثورة الإسلامية وعظمة الخميني الذي حرر البلاد من ملك فاسد.
يقول محمد خليلي، أستاذ العلوم السياسة المحسوب على التيار المحافظ، إن «الخميني أراد تنظيف المناهج الدراسية من كل آثار الثقافة الغربية الشيطانية، وخلق مناهج دراسية إسلامية تعزز الثقافة الإيرانية ومبادئ الثورة لدى الطلاب»، موضحًا لـ«منشور» أن «هذه الخطوات أسفرت عن نتائج رائعة»، فاستطاعت إيران، في رأيه، أن تحقق مزيدًا من النجاح والتقدم العلمي في ظل مناخ إسلامي صحيح.
قد يهمك أيضًا: هل تنتهي هيمنة الإنجليزية على العلوم؟
فررنا من الثورة الثقافية الإسلامية
بعد الثورة زادت خيبة أمل العلماء والأساتذة الذين طالما عارضوا الشاه وكانو يتوسمون التغيير في الثورة والخميني، فتركوا بلادهم بعد أن أيقنوا أن الثورة ستقضي عليهم.
علي محمدي، أستاذ الكيمياء المتقاعد، يحكي لـ«منشور» أن «الثورة خيَّبَت آمالنا، وبدلًا من أن تقف بجوار الأساتذة والعلماء عاملتنا كأعداء. هاجر أغلب زملائي إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية».
محمدي كان ضمن أساتذة الجامعة المفصولين بأمر من المجلس الثقافي الثوري لأنه، في نظر السلطة، كان يتبنَّى أفكارًا علمانية من شأنها الإضرار بمصالح الثورة.
بعد مرور كل تلك السنوات يشعر محمدي بالندم لعدم تركه إيران حينها، لكنه يُعزِّي نفسه بأن مكوثه هناك كان نوعًا من المقاومة، فلعله وزملاءه مِمَّن قرروا البقاء في إيران يحصلون على قسط، ولو بسيط، من الحرية التي طالما عارضوا الشاه من أجلها.
لم يكن الأساتذة والمعلمون فقط من أرادوا مغادرة إيران، بل حاول حتى بعض الطلبة السفر إلى أوروبا لاستكمال تعليمهم، لكن الحكومة منعتهم.
اقرأ أيضًا: العلم والتعليم كأداتي سيطرة على الإنسان
الأسلمة: القرآن أساس كل العلوم
جاءت الأوامر بأن كل من يعارض نهج الإسلام في المناهج الدراسية يعادي الثورة، وقد تصل عقوبته إلى الإعدام شنقًا أمام الناس.
بمرور السنوات تطور المجلس الثقافي الإسلامي إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، التي تشرف على الحياة الثقافية في إيران. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد لتشمل الثورة الثقافية الإسلامية وزارة التعليم، التي تبنَّت هي الأخرى مبدأ أن القرآن الكريم أساس كل العلوم، وبدأ مشروع أسلمة علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات.
أصبحت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي مسؤولة عن الإشراف على الجامعات، وتطوير العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تُدرس فيها إلى علوم مبنية على أساس إسلامي، وخالية من كل مظاهر الثقافة الغربية.
عندما اعترض العلماء والأساتذة الإيرانيون على تلك السياسة جاءهم الرد من رجال الدين القائمين على وزارة الثقافة وعلى مشروع أسلمة العلوم، بأن القرآن يتناول كل مناحي الحياة من كبيرها إلى صغيرها، وحتى كل تلك العلوم التي يدَّعي الغرب اختراعها، فإن أصلها ومصدرها من القرآن.
لم يكتفِ رجال الدين بذلك، بل جاءت الأوامر من الخميني، ثم من علي خامنئي بعده، بأن كل من يعارض نهج الإسلام في المناهج الدراسية يعادي الثورة، ويُساءَل أمام المحاكم الثورية، وقد تصل عقوبته إلى الإعدام شنقًا أمام الناس.
«العلوم الإنسانية تدعو للكفر».. حقًّا؟
اعترض خامنئي على تدريس اللغة الإنجليزية، وانتقد تهافت الإيرانيين على تلك اللغة.
لم يتوقف الأمر عند صبغ العلوم الإنسانية بصبغة إسلامية فقط، بل عارض رجال الدين تدريسها من الأساس، وعلى رأسهم المرشد الأعلى لإيران. ففي إحدى المناسبات الدينية قال خامنئي: «أخشى على طلابنا دراسة تلك العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تكون نتيجتها التشكيك في العقيدة، وكنت أفضِّل إلغاءها، ودراسة العلوم الإسلامية بدلًا منها».
علن رجال الدين أن العلوم الإنسانية والاجتماعية جعلت الإيرانيين ينشغلون بها عن دراسة العلوم الفقهية والشرعية، لذلك صدر قانون يُلزِم الطلاب بدراسة بعضٍ من علوم الدين مهما يكن تخصصهم، كشرط للتخرج في الجامعة.
اعترض خامنئي أيضًا على تدريس اللغة الإنجليزية، وانتقد تهافت الإيرانيين على تعلُّم تلك اللغة التي تدفع الحكومتان البريطانية والأمريكية كثيرًا من الأموال لنشرها، كي «تسيطر الثقافة الغربية على أبناء الشعوب التي يراها الغرب أناسًا من الدرجة الثانية»، على حد تعبيره.
في بداية 2018 أكد مهدي أدهم، الأمين العام للمجلس الأعلى للتعليم في إيران، أنه وفقًا لأوامر المرشد حُظِرَ تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية والإعدادية. وقال أدهم للتلفزيون الإيراني الرسمي إن الغرض من هذه الخطوة تعزيز الثقافة الإيرانية واللغة الفارسية، وإن خبراء التعليم أوصوا بعدم تعليم الأطفال في ذلك السن أكثر من لغة.
بالعودة إلى انتقاد الرئيس روحاني مشروع أسلمة العلوم، فقد أعلن بأن كل تلك السنوات والأموال التي بُذِلَت من أجل جعل العلوم إسلامية لم تأتِ بنتيجة، ولم يحصل الإيرانيون على أي فائدة من هذا المشروع.
وأكد روحاني أن ذلك المشروع زاد من عزلة إيران العلمية، وجعل العلماء والطلاب الإيرانيين محط شك وإهانات طوال الوقت: «إذا كان الطالب يريد أن يحضر ندوة علمية في أي بلد غربي، فلا ينبغي استجوابه قبل سفره وبعده، لأنه لا يوجد شيء مريب في طلب العلم».
روحاني انتقد أيضًا السيطرة الأمنية على الجامعات، واتهام العلماء الإيرانيين الذين أكملوا دراستهم في الخارج بالتجسس، ووصف رجال التيار المحافظ بأنهم لا يريدون جامعات ولا بحثًا علميًّا، بل يريدون فقط مدارس دينية وتعليم بدائيًّا تَجَاوزه العالم بأسره.
شيماء محمد