الأرض لو عطشانة: ما علاقة الأزمات البيئية في سوريا والعراق بظهور داعش؟
يُرجع كثير من الباحثين ظهور تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» إلى دمار المجتمع العراقي بعد الغزو، بالإضافة إلى الحرب في سوريا وتدمير بشار الأسد للمجتمع المدني، مع دعم دول الخليج وتركيا للحركات المتطرفة.
لكن وفقًا للصحفي وباحث الأمن الدولي «نفيز أحمد»، في دراسة له بعنوان «سقوط الدول، وانهيار الأنظمة، وتأثر الموارد الطبيعية بالعنف السياسي»، فإن أحد العوامل التي عملت على تسريع هذه الصراعات ولم تلقَ الاهتمام الكافي كان نقص الموارد الطبيعية في المنطقة، لذا حاول إلقاء الضوء على هذا العامل وبحث أثره على التطورات السياسية، وعرض نتائج دراسته في مقال على موقع «Middle East Eye».
كيف يرتبط داعش بالجفاف؟
الجفاف في العراق وسوريا أفسد المحاصيل وخفَّض مستوى معيشة المزارعين، ممَّا أدى إلى التوترات الطائفية.
وصل الكاتب في دراسته إلى أن قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» مرتبط بعملية طويلة المدى من الأزمات البيئية، فالعراق وسوريا تواجهان نقصًا حادًّا في مصادر المياه، وأشارت بعض الدراسات العلمية إلى أن الجفاف في سوريا (بسبب التغير المناخي) على مدى عقد تسبب في قطع سُبُل عيش آلاف المزارعين من السُّنة في الجنوب، نظرًا لفساد المحاصيل، وهو ما تسبب في هجرتهم إلى العاصمة والمدن الساحلية التي يسيطر عليها العلويون.
وفي عام 1996، بدأت مصادر الدخل السورية في التقلص بسبب زيادة الاستهلاك المحلي للنفط، وبالتالي قلَّ تصديره بشكل تدريجي، ممَّا أدى إلى رفع الدعم المحلي عن الطعام والوقود قبل الثورة عام 2011. أما إنتاج النفط في العراق فكان ثابتًا منذ 2001 رغم توقعات انهياره، إلا أن النمو الاقتصادي الضعيف أدى إلى فشل الدولة في مواكبة الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
يرى نفيز أحمد أن الجفاف في العراق وسوريا أفسد المحاصيل وخفَّض مستوى معيشة المزارعين، ممَّا أدى إلى التوترات الطائفية. وعلى المستوى العالمي كانت الكوارث المناخية التي ضربت المناطق الرئيسية المنتجة للطعام سببًا في زيادة الأسعار، وأدى كل ذلك إلى تأزُّم الأوضاع الاقتصادية لطبقة كبيرة من سكان العراق وسوريا.
عقب تحول الثورة في سوريا إلى «حرب أهلية»، رأت القوى الخارجية (الولايات المتحدة وروسيا ودول الخليج وتركيا وإيران) الأزمة كفرصة لبسط النفوذ في المنطقة، فتطرَّف الصراع وسرَّع ذلك من انهيار سوريا، بسبب الدعم الذي تلقته الفصائل السنية والشيعية من مختلف الجهات. وأدى ضخ دول الخليج وتركيا مليارات الدولارات لدعم المسلحين إلى تقوية أكثر الفصائل تطرفًا، وظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية.
اقرأ أيضًا: كيف حاول الاتحاد السوفييتي التضييق على الإسلام فأخرج جيلًا من المتطرفين
الحرب مشكلة وهمية
يشير الكاتب إلى أن التوترات في العراق تفاقمت جنبًا إلى جنب مع الجفاف، إذ يمكن ملاحظة ارتباط الانتشار السريع لداعش وتصاعد أزمة الجفاف، التي يُتوقع زيادتها بدرجة أكبر في العقود القادمة.
لم يدرك نظام الأسد أن الثورة ضده كانت مؤشرًا لتحول كبير سببته أزمات بيئية واقتصادية.
ويضع الكاتب مصطلحًا هو «خلل النظام الأرضي» ليشير به إلى الأزمات البيئية والاقتصادية وأزمات الغذاء خصوصًا، التي تحدث نتيجة لعمليات طبيعية، بينما يستخدم مصطلح «خلل النظام الإنساني» للإشارة إلى فشل الدول في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
في الوقت الذي بدأ فيه سقوط سوريا والعراق بسبب تسارع «خلل النظام الأرضي»، لم تستطع ردود الأفعال، سواءً من النظام العراقي والسوري، أو القوى الخارجية، أو الفصائل المسلحة وممثلي المجتمع المدني، أن تفهم كيف حدث السقوط نتيجةً لفساد البنية التحتية، وركزت بدلًا من ذلك على الأعراض الظاهرية، لذا فشلت في بدء معالجة الأزمة.
لم يدرك نظام الأسد أن الثورة ضده كانت مؤشرًا لتحول كبير سببته أزمات بيئية واقتصادية، واختار أن يواجه الشعب الغاضب انطلاقًا من رؤية قاصرة. وبنفس الطريقة، حصرت المقاومة السورية المشكلة في فساد الأسد، ولم تلحظ أن تراجع نظام الأسد كان، كما يرى نفيز، نتيجةً لأزمات طبيعية.
النفط لن ينقذ أحدًا
بينما يواجه الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا تغيرات مناخية تشمل موجات حرارية وعواصف ترابية، طبقًا لتوقعات «معهد ماكس بلانك»، ممَّا قد يُفسد المحاصيل الزراعية، تتضاءل فرص النفط في إنقاذ المنطقة. ورغم تعليق المسؤولين آمالهم على زيادة إنتاج البترول في العراق لمواكبة معدل إنتاج السعودية، إلا أن هذا يُعَدُّ في نظر الكاتب محض أحلام.
قد يهمك أيضًا: لماذا تدعونا الأرض لإسقاط النظام؟
يتوقع نفيز أحمد بلوغ إنتاج النفط في العراق ذروته عام 2025 قبل أن يبدأ في الانحدار، ممَّا يعني نقص مصدر الدخل الرئيسي للحكومة، وفي حال عدم توفر مصدر بديل بصورة دائمة، لن يكون العراق قادرًا على مواكبة الاحتياجات الأساسية لمواطنيه، وسيصل إلى فشل تام في الإدارة بحلول عام 2040.
في حال استمرار نفس المنوال، قد تسقط دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تباعًا.
لا يقتصر ذلك على العراق وسوريا فحسب، بل إن دولًا أخرى تسير إلى نفس المصير، فاليمن على سبيل المثال بلغ إنتاج النفط فيه ذروته عام 2001، قبل أن تقل صادراته بحلول عام 2016، وواجه قبل ذلك أزمات اقتصادية ونقصًا في الطعام ومصادر الطاقة، الأمر الذي خلَّف ما يزيد على 12 مليون مواطن معرضين لخطر المجاعات.
نفس السيناريو قد ينطبق على دول الخليج، إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن بعض دول «الأوبك» (منظمة الدول المصدِّرة للبترول) تمتلك احتياطيًّا من النفط والغاز الطبيعي أقل من الأرقام المعلَنة.
في حال استمرار نفس المنوال، ومحاولة إيجاد حلول للأعراض (التمرد، والطائفية، والحرب) بدلًا من مواجهة المشكلة الأساسية (الكوارث الطبيعية والبيئية)، وعدم وجود آلية لمواكبة الأزمات، فإن ذلك قد يؤدي إلى سقوط دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تباعًا، وعلينا أن نتساءل بشأن الدولة التالية التي ستلقى مصير سوريا والعراق واليمن.
أحمد حمدي مسلَّم