بيت من زجاج: هل تنقذ «الرأسمالية الخضراء» العالم؟
الحادي والعشرين من نوفمبر، أي مضى شهران على الاعتدال الخريفي ولم يبقَ سوى شهر على الانقلاب الشتوي، وما زلت أرتدي نفس ما كنت أرتديه من ملابس في ذروة الصيف، وكل ما حدث أني توقفت عن استخدام جهاز التكييف منذ أكتوبر.
وبرغم ذلك، يوجد أناس مثل ترامب، رئيس أمريكا القادم إلى العالم بالكوارث، يشككون في ظاهرة الاحتباس الحراري ولا ينوون أن يشاركوا في مواجهتها، ذلك الاحتباس الذي يتفاقم بسبب التلوث، الذي هو نتيجة للاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري، الفحم والغاز والبترول، في الصناعة ووسائل النقل والمواصلات.
أحد أسباب نجاح ترامب في الانتخابات وعوده بعودة الصناعات إلى الولايات المتحدة لزيادة فرص العمل وخفض العجز في الميزان التجاري، ومن ثَمّ رفض كل الاتفاقيات الدولية التي تحاول الحد من الاحتباس الحراري وأزمة البيئة، فحتى لو لم تنشب حرب عالمية ثالثة، سننقرض من الجفاف والتصحر والاختناق وارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى لا تتحمله الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، والمسألة ليست مرتقبة في المستقبل البعيد، فقد نشهد النهاية بأنفسنا.
في نهمنا الاستهلاكي، كما كتب «ويتش هازل» في مقاله «دفاعًا عن الزراعة»، نَطلب منتجًا حيويًّا في غير موسمه أو لا ينتجه إقليمنا الحيوي طبيعيًّا، فيُنقَل إلينا بما يملأ عشرات الآلاف من السفن والطائرات والقطارات والشاحنات في السنة، وكل وسائل النقل تلك تستعمل ما قيمته مليارات الدولارات من الوقود، وتتقيأ مليارات الأطنان من الملوثات إلى الهواء والماء والتربة.
يسافر الغذاء آلاف الكيلومترات مجمدًا ومحفوظًا ومصنعًا ومجففًا، مما ينتهي به ضارًّا بصحة المستهلك، أو نستعمل كميات كبيرة من الزيوت التي عُصرت من بذور مهندسة جينيًّا على بعد آلاف الكيلومترات.
نطلب أن نكون قادرين على طبخ الأرز في 10 دقائق، مما يتطلب معالجة صناعية تزيل كل المواد المغذية من الحبوب المركزة في القشور، ومن ثَمّ يصبح أقل فائدةً غذائية.
أما أكثر أَكَلة اللحم في المجتمع الحديث فلا يرون الحيوان أبدًا حتى ينتهي إلى رُزَم معلبة ومصنعة ومحفوظة ومجهزة في المحلات. كل ما يعتبره المستهلكون من وسائل الراحة ومعالم الرفاهية، برغم ما يشكله من خطر على صحتهم، يُعزز الأخطار البيئية والاجتماعية، ولا يستفيد منها سوى مصنعو ومنتجو الأغذية.
الرأسمالية: استهلاك دون حدود
يمكن أن يوفر البشر لأنفسهم مواصلات عامة مريحة عبر مد شبكة كافية من المواصلات العامة التي تعتمد على الكهرباء، كالمترو أو الترام، وأتوبيسات تحمل عددًا أكبر من البشر في مساحة أقل، وتحتل في نفس الوقت مساحة أقل من الطريق، لكن هذا الحل يُهمَل عمدًا، والذي يحدث هو إغراء المستهلكين بحلم السيارة الخاصة، فيفاجأ المستهلكون أنها صارت عبئًا اقتصاديًّا ومعنويًّا عليهم بدلًا من أن تكون وسيلة للراحة.
بكثرة السيارات تزدحم الطرق، فالسيارة الخاصة تحمل عددًا أقل بالنسبة إلى مساحتها، وتشغل مساحات أكبر من الطريق من الأتوبيس قياسًا إلى ما تحمله من ركاب، فنبني طرقًا علوية وكباري نستنزف بها الحديد والإسمنت، ونحرق مزيدًا من النفط، وندفع إلى الجو مزيدًا من الملوِّثات.
تتطلب الرأسمالية إهدار موارد طبيعية وبشرية يمكن توفيرها، ولا يمكن أن تتواءم مع فكرة الإنتاج من أجل الاستعمال.
تحتاج الحذاء ليحمي قدمك خلال السير. وفي حدود المعرفة والتكنولوجيا المتاحة للبشر، يمكن أن تنتج لك المصانع حذاءً يستمر معك عقودًا من الزمن، لكن معنى هذا ببساطة أن تتوقف مصانع الأحذية عن العمل بعد إشباع هذا الاحتياج لدى كل البشر، ومن هنا ابتكرت الرأسمالية فكرة الموضة حتى تدفع البشر إلى تغيير ما يستهلكونه من سلع، حتى لو كانت لا تزال صالحة للاستعمال.
الطريقة الثانية هي استخدام مواد رديئة في الصناعة، برغم إمكانية استخدام مواد أكثر تحملًا، وهو ما تدّخره الرأسمالية لصناعات لا علاقة لها باحتياجات المستهلك العادي، فمعظم السلع التي يستهلكها سريعة التلف، ويضطر إلى استبدالها بسلعة جديدة، وتتراكم جبال المخلفات والنفايات والكراكيب، تعبيرًا عن الإهدار المجنون للموارد الطبيعية والبشرية.
يبدو أن الجشع الذي لا ينتهي للرأسماليين دفعهم مؤخرًا إلى التطرف في هذا السلوك، فقد كانت أول ثلاجة دخلت بيتنا في أوائل ستينيات القرن الماضي مستعملة، واستمرت معنا، ونحن أسرة كبيرة العدد، أكثر من 30 عامًا، ولما بلغت من العمر أرذله فقد توقفنا عن استخدامها رغم أنها كانت لا تزال تعمل لكن بشكل رديء، واشترينا ثلاجة جديدة في أواخر الثمانينيات، اضطررنا لإصلاحها عدة مرات حتى فقدت صلاحيتها بعد 10 سنوات فقط.
بالطبع، كل ما سبق من أمثله هو لُبُّ عملية الإنتاج والاستهلاك الرأسمالية، التي من غيرها لا يمكنها أن تستمر. فالرأسمالية تتطلب إهدار موارد طبيعية وبشرية يمكن توفيرها، ولا يمكن أن تتواءم مع فكرة الإنتاج من أجل الاستعمال، باعتبارها الأكثر منطقيةً وعقلانية، فهي لا تحيا سوى في ظل الإنتاج، والمزيد من الإنتاج الذي يحفزه الاستهلاك دون حدود.
اقرأ أيضًا: أزمة مياه: هل تتحول إيران إلى صحراء قريبًا؟
الغابات تتلاشى تدريجيًّا من أجل الصناعات المرتبطة بالخشب، وهذا يعني تدهورًا لا يمكن إصلاحه في البيئة، وتغيرات مناخية وتصحرًا واحتباسًا حراريًّا، وانعدام تدريجي لصلاحية الكوكب للحياة.
لكن، وبرغم كل التحذيرات، فالغالبية تسد آذانها وتعتبر أن كل تفكير في تغيير وتجاوز الوضع الحالي جنون وخيال، وكأن العقل أن نستسلم للواقع، ونتخيل أننا يمكن أن نستمر هكذا دون أن نصل إلى نهاية. بينما لا بد أن يتغير تفكيرنا وهدفنا من «الإنتاج من أجل الربح» إلى «الإنتاج من أجل الاستعمال»، من الكَمِّ الرديء إلى الكَيْف الجيد، وإلا فلن تجد الأجيال القادمة كوكبًا تعيش عليه.
تأثير البيت الزجاجي
يؤدي الاحتباس الحراري لذوبان طبقات الجليد وارتفاع مستويات البحر، مما سيهدد التجمعات السكانية الساحلية.
عُرِف تأثير البيت الزجاجي علميًّا منذ أوائل القرن التاسع عشر، وهو ناتج عن غازات في الجو، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء، تعيق تسرب الحرارة الهابطة من الشمس إلى الأرض، وتسبب سخونة مناخ الكوكب بمرور الوقت. والمثال المعروف الأكثر إثارةً للدهشة لتأثير هذا الفعل هو كوكب الزهرة.
كانت هناك فكرة بأن الزهرة ربما يكون له مناخ يمكن أن يدعم الحياة حتى عام 1962، حين قاس مسبار فضائي أمريكي درجة حرارة سطحة فوجدها 425 مئوية. مرت مليارات السنوات على ذلك الوقت الذي كان للكوكب مناخ مشابه للذي على الأرض اليوم، لكن تأثير البيت الزجاجي الحاسم حوّله إلى كرة نار.
يسخن المناخ العالمي بشكل ملحوظ بسبب النشاط البشري، وفي أثناء رصد درجات حرارة القرن الحادي والعشرين، وُجِد أنها سترتفع على الأقل درجة مئوية أكثر، وربما بقدر 6.5 درجة، وقد يكون لهذا تأثير كارثي على الحضارة الإنسانية.
سيؤدي الاحتباس الحراري إلى ذوبان طبقات الجليد، ثم إلى ارتفاعات في مستويات البحر بشكل مخيف، الأمر الذي سيهدد التجمعات السكانية الساحلية ودلتا الأنهار، لكن ذلك ليس الخطر الوحيد، فمن المؤكد أن أي عدم ثبات متزايد في مناخنا سيجعل مقدرة مليارات البشر على تحمل الحياة أقل بكثير.
اقرأ أيضًا: نعم، تغير المناخ يؤثر في البيئة، لكن كيف سيغير سوق العمل؟
يهدد تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، من غير الاجتماع على حلول عالمية وسريعة وصارمة وجذرية، وجود أي مظاهر للحياة في المناطق الاستوائية والمدارية الحارة خلال العقود القليلة المقبلة، بحيث يمكن لأطفالنا أن يشهدوا الانقراض المروع للحياة في تلك المناطق بأنفسهم.
الحياة ستبقى محصورة في المناطق المعتدلة بالقرب من القطبين، في أوروبا وشمال آسيا وشمال أمريكا الشمالية وجنوب إفريقيا وأستراليا وجنوب أمريكا اللاتينية نهاية هذا القرن، وهي تنبؤات علمية قائمة على رصد بأدوات علمية منضبطة.
في أوائل القرن التاسع عشر، لم يكن هناك دول لديها مصانع تنتج سلعًا محدودة الكم والنوع، كالغزل والنسيج والآلات، وبعض خطوط السكك الحديدية، وتستخدم الفحم في توليد البخار، مثل إنجلترا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، ولم يكن قد مضى على الثورة الصناعية سوى 70 عامًا انطلاقًا من إنجلترا، ولم تكن دول كبرى أخرى قد دخلت حلبة التصنيع بكامل قدراتها.
أما الآن، فقد توسعت المصانع عبر العالم كله، وتنوعت ما تنتجه من سلع كانت بطبيعتها تُصنع في المنازل، أو بشكل حرفي يدوي في الوِرش، وتنوعت وسائل النقل والمواصلات برًّا وبحرًا وجوًّا.
وتخيل بناءً على ما سبق ما ستكون عليه حالة المناخ على الأرض بعد قرن من الآن، لتتأكد من صحة تنبؤات زوال الحياة من مناطق شاسعة من الأرض بنهاية القرن الحادي والعشرين.
مشكلة البيئة ليست فقط في جشع الشركات الرأسمالية، ولا في تلك القلة من الباحثين العلميين المأجورين الذين يدافعون عن مصالحها، فيزوِّرون الحقائق والوقائع ويُعفونها من المسؤولية، ولا في الحكومات التي تعبِّر عن مصالحهم.
المشكلة أن هناك كثيرًا من مُدّعي التفكير المادي لا يقدرون على الاعتراف بمادية البيئة، وأنها حيز مكاني طبيعي لا يسمح سوى لعدد معين من الكائنات الحية بالحياة فيه، باستهلاك محدد، ومن الطبيعي أن زيادة هذا العدد ستزيد استهلاكه للموارد المحدودة مهما تعاظمت كميتها، ومن ثَمّ يصبح المصير المحتوم هو انهيار البيئة، إلا إذا انتبهنا إلى ترشيد الاستهلاك من البداية.
قد تكون لدينا كمية خيالية من الحديد أو أي معدن آخر، وتكفي نظريًّا أضعاف أضعاف احتياجاتنا، لكن قدرتنا على الاستفادة منها اقتصاديًّا محدودة، وبالتالي يمكن أن نعاني من ندرتها العملية رغم وفرتها الممكنة.
قلب الأرض نفسه ما هو إلا حديد ونيكل مصهور، لكن كي نستخرجه نحتاج إلى حفر آلاف الكيلومترات، في حين أن أقصى مدى يمكن أن نحفره في قشرة الأرض السطحية لا يتعدى خمسة أو ستة كيلومترات، تتضمن كل ما يمكن استخراجه اقتصاديًّا من معادن وبترول وغاز.
فهل يمكن لكلٍّ من النفط والغاز الكامنَين في تلك القشرة الرقيقة محدودة الحجم تمويل سيارة لكل إنسان على الأرض، تقليدًا للنمط الأمريكي في الحياة؟ وما تأثير عوادم كل تلك السيارات على الغلاف الجوي للأرض؟
لا بد أن نعرف أننا مثلما آذينا الطبيعة كثيرًا، وأهدرنا وما زلنا نُهدر مواردها المحدودة إشباعًا لأنماط من الاستهلاك السفيه، حان وقت انتقامها المروع.
الصفقة الخضراء الجديدة
تهز الأزمة الحيوية العالم، وهي ناتجة عن التناقضات بين جهاز الإنعاش البيئي من جهة، المتمثل في الغطاء الخضري من الغابات والمراعي الطبيعية، الذي يضخ الأكسجين للهواء، والذي يتلاشي تدريجيًّا بموجات الجفاف المتلاحقة والتوازن الدقيق بين الكائنات الحية المختلفةالذي يضمن بقاءنا الإنساني الجماعي، وبين حاجة الرأسمال إلى النمو الثابت والإنتاج والاستهلاك دون توقف، وبما يفوق الاحتياجات البشرية حتى لو على حساب استنزاف الموارد الطبيعية والبشرية دون فائدة.
من بين الاقتراحات التي قدمتها النخب العالمية، يبرز الاقتراح الوحيد الذي يَعِد بمعالجة كل هذه الأزمات، وهو ما يسمى «الصفقة الجديدة الخضراء». وهو تعبير يُستعمل لوصف حزمة إجراءات تحفيزية تهدف لحل كل الأزمات والقضايا البيئية مثل تغيير المناخ.
يرجع تعبير «الصفقة الجديدة» إلى حزمة الإجراءات المحفزة اجتماعيًّا واقتصاديًّا التي نفذها الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت»، ردًّا على «الكساد العظيم»، فمَن يدعم الصفقة الجديدة الخضراء يدعو على الأغلب إلى تطبيق نماذج روزفلت المالية بنظرة أكثر معاصرةً، مثل الاستثمار في الطاقات القابلة للتجديد، ورفع كفاءة المصدر الأعظم للطاقة.
في مقالهما المشترك «20 مفهومًا ضد الرأسمالية الخضراء»، يرى «أليكسيس باساداكيس» و«تادزيو ميلر» أن تلك الصفقة محض اقتراح لمرحلة «خضراء» جديدة من الرأسمالية، التي تريد توليد الأرباح من التحديث البيئي التدريجي لبعض المجالات الرئيسية من الإنتاج (السيارات، والطاقة المسؤولة عن غازات البيت الزجاجي، إلخ).
ربما لن تستطيع الصفقة الخضراء الجديدة التي تتبناها الأحزاب والتيارات الرأسمالية الخضراء، في الحفاظ على الرأسمالية وإنقاذ البيئة الحيوية من الانهيار في نفس الوقت، لكن محاولاتها تهدف بالأحرى إلى الربح من الأزمة وليس إنهاءها. وهي لذلك لا تغير جوهريًّا طريق الاصطدام المحتوم، بين بقاء الإنسانية والمحيط الحيوي، وبين أي اقتصاد متأثر بالسوق ويضع الأرباح قبل البشر.
المجموعات البيئية التي تبشر بالرأسمالية الخضراء تعمل كصمامات أمان لمنع أي مَطالب جذرية للتغير الاجتماعي.
الرأسمالية الخضراء لا تتحدى قوة أولئك الذين يُنتجون أكثر الغازات التي تسبب ظاهرة البيت الزجاجي في الأرض، أو ما يسمى الاحتباس الحراري، مثل شركات الطاقة الأحفورية والطيران وصنع السيارات، لكنها تمطرهم ببساطة بأموال زيادة لمساعدتها على إبقاء نِسب ربحها العالية، عن طريق إدخال بعض التحسينات الضئيلة جدًّا، والتي ستكون متأخرة على إنقاذ البيئة.
فقدت العمالة المأجورة عالميًّا قدرتها على المساومة والمطالبة بالحقوق والأجور الجيدة، وتحسين شروط عملها وحياتها، لذلك فعند تنفيذ برامج الرأسمالية الخضراء، من المحتمل أن يحدث مزيد من الركود في الأجور، أو تُرفَض الموازنات العامة أو موازنات الشركات، نظرًا للتكاليف المتصاعدة بسبب التحديث البيئي والتقليل من عوامل التلوث.
ولأن الرأسمالية ذاتها السبب الرئيسي للتلوث البيئي، فطبقة صغيرة من المُلاك أو المتحكمين لديهم الثروة والسلطة لتفادي أسوأ تداعيات التلوث في الهواء والماء والغذاء، في مقابل فئة أكبر من ذلك بكثير جدًّا من العمال دون هذه الثروة، وليس لهم أي رأي في تسيير العمل، ومن ثَمّ سيدفعون ثمن تلك التداعيات البيئية من صحتهم وصحة أُسرهم.
هكذا، في ظل الرأسمالية، من يسيطرون على أماكن العمل أيضًا هم أنفسهم أولئك الذين يجنون أقل فائدة من الحد من التلوث.
التدابير الأكثر مكافحةً للتلوث تُضاف إلى تكاليف تلك الطبقة العليا، ومن ثَمّ ستكون لها مصلحة في التقليل من مثل هذه التدابير، حتى ولو حساب سلامة البيئة وصحة البشر. فالتلوث غالبًا ما يكون ناتج تقليص التكاليف لزيادة الربح، مثل التخلص من الملوثات في الأنهار، وتحويل تكلفة التخلص من النفايات من صاحب الشركة إلى المجتمع ككل.
تلعب المجموعات البيئية السائدة، التي تبشر بالرأسمالية الخضراء في ظل الصفقة الخضراء الجديدة، نفس الدور الذي لعبته اتحادات العمال في عصر الفوردية والتيلورية كأساليب للعمل في المصانع منذ بدايات القرن العشرين، وهو العمل كصمامات أمان لمنع أي مَطالب جذرية للتغير الاجتماعي، وتفريغ الغضب في طرق لا تؤدي إلى انعطافات جادة، فيظل غضبنا الجماعي محصورًا ضمن الحدود التي تلبي حاجات الرأسمال والحكومات في البقاء والربح.
كذلك، تروج اتفاقيات المناخ الدولية للحلول الخاطئة، التي في أغلب الأحيان تهتم أكثر بتأمين الطاقة، لكنها توفر الحد الأدنى من الإجراءات ولا تحل الأزمة، بل تزود الشركات بدرع سياسية للإنتاج المستمر لغازات البيت الزجاجي، لأنها تصورها كأنها بالفعل تحاول حل المشكلة.
خلال العقد الثاني من القرن الحالي، ورغم اتفاقية كيوتو، لم يزدد تركيز غازات البيت الزجاجي في الجو فقط، بل أيضًا ازدادت معدلات زيادتها. وتشكل مثل هذه الحلول الخاطئة (الوقود الزراعي) تهديدًا أعظم للمناخ الذي يُغير نفسه.
اقرأ أيضًا: ما علاقة الأزمات البيئية في سوريا والعراق بظهور داعش؟
لماذا تستمر أزمة البيئة دون حل؟
تواجه أزمة البيئة ثلاث مشكلات، الأولى أن الاقتصاديات الإنسانية الحديثة متمحورة حول فكرة المنافسة والسوق وتحقيق الأرباح، ومن ثَمّ تبقى وتزدهر الأعمال التجارية بقدر ما يمكن لها أن تحصد الفوائد من المنافسين الآخرين في السوق. كذلك، يعتمد جزء كبير جدًّا من اقتصادنا في النهاية على الوقود الأحفوري لتزويد العالم بالطاقة، وهو المسؤول عن جزء كبير من إنتاج غازات بيتنا الزجاجي.
أي نقص في استعمال الوقود المستخرج سيزيل المزايا التنافسية لعدد عظيم من الشركات الأقوي اقتصاديًّا، مثل شركات النفط والسيارات والطائرات، وكل أنواع الصناعات القوية المرتبطة بالنقل والمواصلات، كالسياحة والتجارة. وهكذا، بدلًا من محاولة فهم كيف يحلون المشكلة، يركز عديد من ممثلي المصالح الاقتصادية الأقوى في العالم على محاولة إما إنكار وجود المشكلة، أو عرقلة أي محاولات أو إجراءات جذرية لحلها.
المشكلة الرئيسية الثانية أن العالم، على المستوي السياسي، منقسم إلى دول تتنافس في ما بينها عمومًا على القوة والتأثير، وسوف تتسبب كل الحلول المقترحة لحل مشكلة إنتاج غازات البيت الزجاجي في انخفاض محتوم في قوتها الاقتصادية.
أي بلد سيفرض تدابير صارمة لمعالجة المشكلة البيئية سيخاطر بالتخلف عن منافسيه اقتصاديًّا وسياسيًّا. لذلك، فاتفاقيات دولية مثل معاهدة كيوتو أهملتها البلدان القوية لأن حكوماتها تعتقد أنها تضر بموقعها، مقارنةً بمنافسيها الذين لا يتخذون نفس الإجراءات.
أخيرًا، المشكلة الرئيسية الثالثة أنه بينما تنجح الدول الكبيرة في التهرب من اتفاقيات حماية البيئة، فإنه يُمارَس ضغط على الدول الفقيرة للالتزام نفس المعاير، ومن ثَمّ يُستثنى الفقراء من الاستهلاك بتحميلهم عبء مقاومة التلوث بمزيد من التقشف، ومطالبتهم بترشيد الاستهلاك حفاظًا على الموارد، وبالتالي يُدفعون إلى هوامش الحياة، بينما الأغنياء لا يقبلون أبدًا تعديل سلوكهم المدمر.
سامح عبود