بلد الكرام: كيف استغلت بريطانيا موارد البحرين وتخلَّت عن البحارنة؟
في عام 1783، استولت عائلة آل خليفة، التي تعود أصولها إلى منطقة نجد الواقعة الآن في المملكة العربية السعودية، على جُزُر البحرين من الشيخ نصر آل مذكور، الذي حكمها نيابةً عن أسرة قاجار الفارسية، وبعد ما يقرب من 150 عامًا، في 1926، كان وضع سيادة البحرين على الجُزُر لايزال محل خلاف.
في العام ذاته، كتب الدبلوماسي البريطاني «ستيوارت وارنر» يؤكد لزميل له في الهند أنه «لأسباب سياسية، ثمة أهمية كبيرة لتجنب أي عمل من شأنه أن يعيد الجدل حول سيادة البحرين»، لأن الحكومة الفارسية رفضت الاعتراف باستقلال البحرين وادَّعت أنها مقاطعة فارسية.
وعلى الرغم من أن البحرين كانت مستقلة اسمًا في هذا الوقت، فإنها كانت تابعة للحماية البريطانية، وكانت بريطانيا تسيطر على علاقاتها الخارجية منذ القرن التاسع عشر. وتوفر الطريقة التي تعامل بها المسؤولون الإنجليز مع التوتر في المنطقة نظرةً كاشفة لطبيعة دور بريطانيا في البحرين في ذلك الوقت، بحسب ما كشفته وثائق المكتبة البريطانية، وما أكده الباحث المتخصص في شؤون الخليج والعالم العربي، «لوي أولداي».
مضايقة البحارنة
خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، تَعرَّض المواطنون البحرينيون المقيمون في مدينة المحمرة (أو خرمشهر، جنوب غربي إيران) لمضايقات وترهيب من السلطات المحلية، ومعظمهم كانوا من «البحارنة»، الطائفة الشيعية العربية الأصلية في البحرين، وأُجبروا على التجنُّس بالفارسية.
ردًّا على ذلك، استنجد البحارنة بحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وكذلك بالمسؤولين البريطانيين الذين تعاقبوا على شَغلِ منصب الوكيل السياسي في البحرين خلال هذه الحقبة، لكن الإنجليز القلقين من تزايد التوترات مع بلاد فارس بشأن البحرين ترددوا في وضع حدٍّ لتصرفات الحكومة الفارسية.
اقرأ أيضًا: بين المنح والسحب.. هل الجنسية حق المواطن أم الدولة؟
بريطانيا تتلاعب بموارد البحرين
رغم عرائض الالتماس المتكررة التي تدعو إلى المساعدة، استمرت مضايقة البحرينيين في بلاد فارس، وأدى عجز بريطانيا أو عدم رغبتها في تقديم المساعدة لمواطني بلد يقع تحت حمايتها ظاهريًّا إلى إثارة الذعر بين البحارنة.
فكرة أن البحرين كانت دولة مستقلة محض «خيال قانوني».
في عام 1923، أجبر البريطانيون حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة على التنازل عن العرش، وحلَّ محلَّه ابنه الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وفي أعقاب ذلك، أجرى المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، «كلايف كيركباتريك دالي»، سلسلة من «الإصلاحات» واسعة النطاق في البلاد.
وفي هذا السياق، قدَّم المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي، «سيريل تشارلز جونسون باريت»، ملاحظة صريحة في رسالة إلى مكتب الانتداب البريطاني في طهران في أغسطس 1929، كتب فيها: «ما يثير تعجُّب المقيمين في البحرين أن حماية بريطانيا لجزيرتهم تمتد إلى خلع حاكمهم وتنفيذ سلسلة من الإصلاحات وصناعة طائرة مائية وقاعدة جوية لنفسها، لكنها ليست ذات قيمة في التقليل من وطأة المؤامرة ضد البحارنة في بلاد فارس».
فسَّر المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، «تشارلز جيفري برايور»، هذا التناقض في سبتمبر 1929، خلال فقرة صريحة من رسالته إلى جونسون باريت، رئيسه في مدينة بوشهر الفارسية، وصف فيها فكرة أن البحرين كانت دولة مستقلة بأنها محض «خيال قانوني»، وقال إنه يعتقد أنه ليس هناك أي عربي خُدع لحظةً بالسياسة التي تتلاعب بموارد البحرين من أجل مصلحة بريطانيا، وفي الوقت نفسه تتقاعس عن حماية رعاياها.
قد يهمك أيضًا: ما الذي يحدد تعاطف العرب السياسي؟
لم تتحمل الحكومة البريطانية أي نفقات في البحرين على الإطلاق.
وضَّح برايور أنه لو تدخل البريطانيون في أي ولاية هندية مثلما تدخلوا في البحرين، لأحدث ذلك «عاصفة من الاحتجاج»، مشيرًا إلى أن «بريطانيا خلعت حاكم البحرين، ورحَّلت كل مَن له علاقة به، وحدَّدت التعريفة الجمركية لتناسب مصالحها، وأجبرت الدولة ضد إرادتها على منح خصم الجمارك لحليفنا ابن سعود (...) وحرمان جميع الأجانب من حق تولي منصب حاكم الولاية، كما قررت الوظائف التي ربما يتبوأها الأوروبيون».
ذهب جيفري برايور إلى القول بأن بلاده رفضت منح البحرين حرية التصرف في مواردها المعدنية، التي «سخرناها كلها لخدمة مصالحنا»، مشيرًا إلى أن حاكم البحرين كان ممنوعًا من التواصل مع شركة النفط إلا عن طريق المعتمد السياسي البريطاني، كما قدَّم اعترافًا مدهشًا بأنه بغض النظر عن المساهمة الصغيرة من الجمعيات الخيرية «التي لها قيمة سياسية كبيرة»، فإن الحكومة البريطانية لم تتحمل أي نفقات في البحرين على الإطلاق.
أصوات إنجليزية تدعو لحماية البحارنة
فضَّل البحارنة الموت على أن يصبحوا من رعايا الفُرس.
في تقييمه الذي يدين السياسة البريطانية في البحرين، قال جيفري برايور إنه يعتقد أن بلاده يجب أن تفي بالتزاماتها عن طريق بذل مزيد من الجهد لمساعدة البحارنة، مؤكدًا أن البحرين كانت دولة مستقلة، ومن أجل سُمعة بريطانيا بشأن «التعامل العادل»، ينبغي عدم التقصير في الالتزامات تجاه سُكَّانها.
كرَّر برايور هذا في رسالة كتبها بعد ذلك بسنتين في عام 1931، أوجز فيها مدى تورُّط بريطانيا، وشرح كيفية تلاعبها بشركة النفط بما يناسب مصالح الإمبراطورية، لفت إلى أنه «بما أننا تدخلنا في شؤون البحرين إلى حدٍّ لم يسبق له مثيل في الهند البريطانية، علينا منح هؤلاء الناس نفس الدعم والحماية التي نقدمها لسكان الولايات الهندية البريطانية».
قد يعجبك أيضًا: وجه غاندي القبيح: كره النساء والأفارقة وفرَّق بين أبناء جنسه
ومع ذلك، بعد ثلاث سنوات، لم تقِلَّ المضايقات التي يتعرض لها البحرينيون في بلاد فارس. وفي عام 1934، كتب مستشار حكومة البحرين، «تشارلز بلجريف»، أن الفُرس دمروا أوراق جنسيات البحارنة، وأجبروهم على توقيع أوراق الجنسية الفارسية، لكن البحارنة فضلوا الموت على أن يصبحوا من رعايا الفرس.
السياق الإمبريالي البريطاني
كانت البحرين قطعة شطرنج هدفها الحفاظ على موقف بريطانيا في الهند.
صراحة برايور المذهلة عند تقييم أنشطة الحكومة البريطانية في البحرين تُظهر بجلاء طبيعة دورها في البلاد، وهو الدور الذي كان، وفقًا لروايته، منسجمًا مع منطق الإمبراطورية والمصلحة الذاتية لبريطانيا، بحسب قوله، ولم تكن رفاهية المواطنين في البلاد مصدر اهتمام ثانوي في أحسن الأحوال.
في عام 1898، كتب الوالي والحاكم العام للهند آنذاك، «جورج كورزون»، أن «تركستان وأفغانستان وبلاد فارس كانت (...) بالنسبة لي مثل قطع على رقعة شطرنج، مورِسَت عليها لعبة من أجل السيطرة على العالم».
بغض النظر عن الهواجس الشخصية لبرايور، لم تكن البحرين استثناءً من النظرة الإمبريالية لجورج كورزون، وكانت مجرد قطعة أخرى على «رقعة الشطرنج»، مجرد وسيلة للحفاظ على موقف بريطانيا في الهند وتعزيز مصالح إمبراطورتيها العالمية.
Be Open