إلغاء الحدود بين الدول: لماذا يجب أن لا يستمر سجن العالم؟
تنُص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن عليهم معاملة بعضهم بعضًا بروح الإخاء.
تُقِر بنود هذا الإعلان، الذي صيغ ليشمل جميع أعضاء الأسرة البشرية ويكفل حقوقهم دون تمييز، مركزية الإنسان وضرورة صَوْن كرامته وحماية حياته، لكن يبدو أنه يتعارض كليًّا مع ما نصادفه في وسائل الإعلام من أخبار عن انتهاك حقوق الإنسان، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضية النازحين واللاجئين الذين تتزايد أعدادهم باستمرار، حتى بلغت أرقامًا لم يشهدها العالم من قبل.
في ظل ارتفاع الأصوات التي تعتبر المهاجرين خطرًا يهدد الاستقرار الداخلي للبلدان وأمنها، وبروز التيارات اليمينية المتطرفة التي ترى فيهم تهديدًا لنمط الحياة الأوروبي بقوة على الساحة السياسية في أوروبا، يصبح طلب اللجوء إلى هذه البلدان أمرًا صعبًا، ويتطلب قبل كل شيء اجتياز الحدود الجغرافية التي تفصل بين المهاجرين و«أرض الميعاد» التي يتطلعون إليها.
تدفعنا هذه الأوضاع للتساؤل بشأن أخلاقية الحدود، التي تجعل آلاف البشر يتحدون الموت طلبًا لحياة كريمة في مكان آخر، وكذلك عن جدواها اقتصاديًّا، وهو ما يحاول مقال على موقع «ذي أتلانتيك» أن يوضح جوانبه التي كثيرًا ما تخفى علينا.
الهجرة: فُرص اقتصادية للجميع
ليس كل مكان في العالم مناسبًا بنفس القدر للنشاط الاقتصادي، فهناك اختلافات لا يمكن إنكارها في قيمة الموارد الطبيعية بين منطقة وأخرى، تؤدي إلى تباين في توزيع الثروات والدخول حسب البلدان.
في المناطق التي لم تنل حظًّا من الموارد الطبيعية، وتخضع لحكم أفراد يتخذون القمع والتعصب والتمييز مبادئ لهم، ترسِّخ الحدود الظلم واللامساواة وتُحيي الشعوب في كنف الفقر والحاجة.
يدفع هذا الأفراد إلى هجرة أوطانهم بحثًا عن حياة أفضل لأنفسهم ولأسرهم، في بلدان توفر لهم فرصًا اقتصادية أكثر وإمكانيةً أفضل للعيش الكريم، مع أنهم غالبًا ما يلاقون هناك مشرِّعين وصانعي قرار يحاولون سحق هذه الأحلام، بإعادتهم قسرًا إلى أوطانهم أو احتجازهم رغمًا عنهم.
ليس اللاجئون فقط، بل حتى مواطنو الدول الجاذبة للمهاجرين يستفيدون اقتصاديًّا.
يتضح التمييز الذي تخلقه الحدود عند مقارنة أجور المهاجرين قبل الهجرة وبعدها، فعندما ينتقل عامل من بلد فقير إلى آخر أكثر ثراءً، قد يتضاعف أجره ثلاث مرات أو أربع، وربما يصل إلى عشرة أضعاف أجره السابق، حسب ما يورد المقال.
تتيح الفروق الجغرافية في الأجور فرصةً لتمكين المهاجرين ماليًّا، بالإضافة إلى زيادة الناتج العالمي الإجمالي، إذ إن تدفق المهاجرين، ولو بنِسَب صغيرة، يمكن أن تكون له فوائد اقتصادية جمة.
لو استقبل العالم المتقدم ما يكفي من المهاجرين لرفع نسبة اليد العاملة فيه بقدْر 1% فقط، فمن المتوقع أن تكون القيمة الاقتصادية لهذا الإجراء أعلى بالنسبة للمهاجرين من جميع المساعدات الخارجية التي تخصصها دول العالم لحل أزمتهم، أي أن الهجرة قد تكون فعلًا أنجح برنامج لمكافحة الفقر في العالم.
لا تؤثر فوائد هذا الانتقال في حياة المهاجرين فقط، فحتى مواطنو البلدان الجاذبة للمهاجرين يستفيدون كذلك من هذه الأوضاع، إذ ترتفع الأجور وتحصل استفادة من التنوع الذي يخلقه دمج الوافدين الجدد في الاقتصاد لتطوير قدراتهم وتبادل الخبرات معهم، وهو ما ينعكس إيجابًا على رفاهية الطرفين.
الحدود: أسوأ الإخفاقات الأخلاقية للعالم
لو أردنا مستقبلًا تُحترم فيه حقوق الإنسان، فلا مجال لبقاء نزعة الوطنية التي تُقصي الآخر.
بينما يمثل دمج المهاجرين في عجلة الاقتصاد العالمي فرصةً لا ينبغي تجاهلها، لا تزال الآراء التي تُنمِّطهم وتستقبلهم بأحكام مسبقة منتشرة في عديد من البلدان، وهو ما ينعكس على التعامل الذين يتلقونه في الدول التي يلجؤون إليها.
لا توجد نظرية أخلاقية تبرر استخدام الأسلاك الشائكة والجدران المحصنة والأسلحة لمنع الناس من الانتقال إلى حيث توجد فرصة عيش أفضل، بحسب ما يرى المقال، ولا يوجد معيار أخلاقي، سواءً كان نفعيًّا أو ليبراليًّا أو إسلاميًّا أو مسيحيًّا، يسوغ منع المهاجرين من ممارسة حقوقهم مثل غيرهم من البشر، فقط لأنهم وُلدوا في مكان غير مناسب ووقت غير مناسب.
الوطنية، بطبيعة الحال، تخفض القيمة الأخلاقية للآخَر وتنتهك حقوقه ومصالحه، وفي الإبادات الجماعية والتفرقة العنصرية التي شهدها القرن العشرون خير مثال على ذلك، لكن لو أردنا أن نتخطى الحدود نحو مستقبل تُحترم فيه حقوق الإنسان في كل مكان، فلا مجال لبقاء تلك النزعة التي تُقصي الآخر وتُشَيطنه.
اقرأ أيضًا: كيف تعني «الوطنية» كُره الآخر؟
حقوق الإنسان تتجاوز الحدود التي تقيمها الدول لمنع تدفق مزيد من الأفراد إليها، والمستقبل سيكون مع فتح الحدود لأنها، أولًا، واحدة من أسوأ الإخفاقات الأخلاقية في العالم، وثانيًا لأنها تمثل فرصة اقتصادية لا تتكرر.
يشير المقال إلى أن جُلَّ الثورات الأخلاقية في التاريخ، مثل إلغاء الرق وتأمين الحريات الدينية والاعتراف بحقوق المرأة، أفضت في نهاية الأمر إلى عالم أفضل، وأثبتت أن المخاوف التي أسهمت في استمرار هذه المظالم لا أساس لها من الصحة.
إدريس أمجيش