بهناز شفيعي تتحدى النظام الإيراني بدراجة نارية
في بلد تكثر فيه الممنوعات والمحظورات، خصوصًا على النساء، تأتي «بهناز شفيعي» لتكون أول امرأة إيرانية تحترف رياضة ركوب الدراجات النارية، متحديةً كل القيود والعادات والتقاليد وقوانين الجمهورية الإسلامية التي تمنع النساء من ركوب الدراجات النارية في الشوارع العامة.
الأمر ذاته حدث مع الدراجات الهوائية التي كانت قيادتها متاحة للنساء، لكن عندما رأى رجال الدين أن الأمر «زاد عن الحد» طلبوا من خامنئي إنهاء تلك «المهزلة»، فرؤية نساء يقُدن دراجات هوائية في الشوارع أمر مخالف لتعاليم الجمهورية الإسلامية، على حد تعبيرهم.
وقد كان، فأصدر خامنئي فتوى بعدم السماح للنساء بقيادة الدراجات، لكن نساء إيران لم يرضخن لأوامر المرشد الأعلى للبلاد واستمررن في قيادة دراجتهن.
في زنجان رأيتُ أول دراجة نارية
عندما كانت بهناز في الخامسة عشرة من عمرها، ذهبت في رحلة إلى قرية في محافظة زنجان شمالي غرب إيران، وهناك وقعت في غرام الدراجات النارية عندما رأت سيدة ريفية تقود واحدة، واكتشفت أن عددًا لا بأس به من نساء القرية يقُدن الدراجات لتساعدهن في إنجاز بعض الأمور. ظل الأمر عالقًا في ذهنها لمدة عامين، حتى اتخذت قرارها بشراء دراجة نارية.
تقول شفيعي في مقابلة صحفية مع وكالة «نمناك» الإيرانية إنها كانت تقود دراجتها في البداية في حديقة منزلها، وكانت تتعرض للسخرية من الجيران والمارة، إلا أن دعم والدتها جعلها تصمم على احتراف رياضة سباق الدراجات النارية.
اقرأ أيضًا: التمرد على التقاليد في إيران: رجال محجبون ونساء سافرات
إنها رياضة للرجال.. ليس لكِ فيها مكان
حاولت بهناز العثور على شخص يدربها أو يساعدها في بدء تلك الرياضة، لكنها فوجئت برفض تام من الجميع، فالاتحاد الوطني الإيراني لسباق السيارات والدراجات لا يعترف بعضوية النساء. حاولت أن تدرب نفسها بنفسها حتى تعرفت إلى المدرب «مهين»، الذي تحمس لها وأحبَّ شجاعتها وإقبالها على تحدي الظروف والقيود.
لم يكن ذلك أكثر من نصف حل، فهناك مأزق آخر هو أن كل مسارات التدريب ممنوعة على النساء ومتاحة للرجال فقط، لكن تصميم بهناز وإيمان مدربها بها جعلهما يلجآن إلى تأجير مكان خاص للتدريب، بشرط أن يكون بعيدًا عن المدينة كي لا يتعرضان لمضايقة السلطات.
يتحدثون عني في صُحُف العالم
ظلت بهناز تتدرب يوميًّا حتى لفتت أنظار وسائل الإعلام، وأصبحت صورها وهي تقود دراجتها النارية بالزي الرياضي حديث أغلب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، وسرعان ما انتشر الأمر ليصل إلى وسائل الإعلام الأجنبية، فوجهت إليها إيطاليا دعوة لحضور مسابقة دولية مخصصة لسائقات الدراجات النارية.
وقف القانون الإيراني عقبةً أمام الفتاة، إذ لم يسمح لها بالسفر دون موافقة ولي أمرها، ولم يسمح لها كذلك بتمثيل بلدها في تلك المسابقة، لأنه لا يعترف من الأساس بحق النساء في ركوب الدراجات النارية.
لم تقف بهناز مكتوفة اليدين، فحاولت التواصل مع الاتحاد الرياضي النسائي في إيران لإقناعه بالسماح للنساء بممارسة رياضة ركوب الدراجات النارية.
قد يعجبك أيضًا: ماذا يريد الإيرانيون من رئيسهم؟
لستُ الأولى.. نقود الدراجات النارية منذ 40 عامًا
خلال المقابلة، أكدت شفيعي أنها ليست أول امرأة تقود دراجة نارية، بل إن الإيرانيات يقُدنها منذ 40 عامًا، لكن في وقتهن لم يكن هناك تصوير ومواقع تواصل اجتماعي ومحطات أجنبية تساعدهن في الظهور.
وصفت بهناز نفسها بأنها محظوظة لوجود كل تلك الوسائل التي عرفها الناس عن طريقها داخل وخارج إيران، واعترفت بأن ظهورها شجع نساءً كُثْر على خوض غمار تلك الرياضة، وكانت النتيجة أن صار عدد المحترفات الآن عشرة نساء، بجانب 60 سيدة يمارسنها كهواية.
اتهامات وسخرية.. هل ركوب الدراجات مؤامرة من الغرب؟
على غير المتوقع، دعم بهناز شفيعي عددٌ من الرجال في معركتها.
واجهت بهناز شفيعي كثيرًا من الاتهامات والسخرية، فهناك من اتهمها بأنها خارجة عن القانون وتعليمات الإسلام، وأنها مثال للمرأة الفاسدة وجزء من مؤامرة الغرب على إيران، وهناك من سخر منها واعتبرها تفعل شيئًا لا فائدة منه، فما النفع من ممارسة رياضة ليست لها مسابقات رسمية وغير مسموح أصلًا بممارستها؟
لم يُبعد ذلك بهناز عن هدفها الأكبر، وهو جعل السلطات تعترف بحق النساء في قيادة الدراجات النارية، أو على الأقل إتاحة مسارات للتدريب.
قد يهمك أيضًا: لماذا يعتقد الرجال أنهم يعرفون أكثر من النساء؟
على غير المتوقع، دعم شفيعي عددٌ قليلٌ من الرجال في معركتها، مثل مدربها مهين واللاعب السابق «جواد زنجاني»، الذي حاول أن يساعد بهناز وبقية اللاعبات في إيجاد أماكن جيدة للتدريب، ولم يبخل عليهن بأي معلومات يحتجنها، وكذلك ساعدهن الرئيس السابق لاتحاد سباقات السيارات والدراجات، السيد «صيدانلو».
رغم كل شيء.. حققتُ انتصارات صغيرة
تحلم بهناز بالسير في شوارع طهران بالدراجة النارية دون خوف.
حاربت بهناز كثيرًا من أجل حلمها، ورفضت الاستسلام حتى بعد أن فقدت وظيفتها بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين العمل وأوقات التدريب، رغم علمها بأنها ليس لها مكان في أي مسابقة محلية أو دولية.
تمسكت شفيعي بالأمل حتى استطاعت بشِق الأنفس الحصول على موافقة لتنظيم مسابقات «غير رسمية» للنساء فقط، وهو انتصار على نظام يمنع المرأة من ممارسة أغلب حقوقها، ويصل إلى حدِّ التدخل في طريقة ارتدائها للملابس.
اقرأ أيضًا: حكاية السعودية التي هزمت أعلى جبل في العالم
هل سأحقق حلمي؟
تحلم بهناز شفيعي باليوم الذي تعترف فيه السُّلطات بحق النساء في تنظيم مسابقات رسمية وتمثيل إيران في المسابقات الدولية، كما تحلم بالسير في شوارع طهران بالدراجة النارية دون خوف، فهل تستطيع بهناز ونساء إيران تحقيق أحلامهن في العيش بحرية وممارسة أي رياضة مهما كان نوعها؟ أم أنه لا يزال عليهن خوض كثير من المعارك لانتزاع حقوقهن؟
شيماء محمد