حضن يضمنا كلنا كلنا: 6 أسئلة عن دور جامعة الدول العربية منذ التأسيس لليوم
سبق القمةَ التي تعقدها جامعة الدول العربية خلال شهر مارس 2017 في الأردن ما يقارب 40 قمة عادية واستثنائية على مستوى القادة، منذ القمة التأسيسية في محافظة الإسكندرية بمصر عام 1946، التي أقرَّت مساعدة الشعوب العربية المستعمَرة على نَيل استقلالها، ودعت إلى وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، حتى قمة نواكشوط في 2016 بعنوان «قمة الأمل»، التي شدَّدَت على رفض التدخُّلات الخارجية في الشؤون العربية.
فماذا قدَّمت جامعة الدول العربية لأعضائها وللعالم منذ إنشائها حتى اﻵن؟
1. كيف تأسست جامعة الدول العربية؟
تولى رئيس الوزراء المصري الأسبق مصطفى النحاس مهمة دعوة الدول العربية إلى تعميق التواصل بينها، ودعا رئيس الوزراء السورى جميل مردم، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري، إلى التباحث فى القاهرة حول فكرة «إقامة جامعة عربية للتوثيق بين البلدان العربية المنضمة إليها».
وفي عام 1944، اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن، في سبيل تحقيق وحدة بين الدول العربية المستقلة بما لا يمسُّ استقلالها وسيادتها، واتفقت على تسمية هذه الوحدة «جامعة الدول العربية».
حتى عام 2000، كانت قمم الجامعة تُعقد عند الحاجة، ثم صارت تُعقد بصفة دورية عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فانعقدت قمة غير عادية سُمِّيَت «مؤتمر قمة الأقصى»، لم تخرج توصياتها عن إدانة العدوان الإسرائيلي على فلسطين، وإنشاء صندوق لدعم الانتفاضة يحمل اسم «صندوق انتفاضة القدس» وآخر لحماية المسجد الأقصى سُمِّيَ «صندوق الأقصى».
قد يعجبك أيضًا: ما الذي نعرفه عن الأناشيد الوطنية العربية؟
2. كيف ينظر العالم إلى جامعة الدول العربية؟
لا تبدو نتائج القمم التي تعقدها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها ملائمة لحجم الضغوط التي تواجهها المجتمعات العربية منذ وقت طويل، وعلى الأخص الفترة الحالية، التي تتعدد فيها ساحات الاحتقان السياسي عبر المنطقة العربية، فتبدو كيانات أخرى أكثر تأثيرًا على القرار السياسي والعلاقات الدولية من الجامعة، التي أُسِّست لأغراض تتعلق بهذه المجالات، مثل مجلس الأمن ومجلس التعاون الخليجي، أو حتى نفوذ فردي لدول بعينها.
على سبيل المثال، حين قرر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما طمأنة العرب بشأن تمدُّد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في المنطقة، لم يتجه بحديثه إلى الجامعة التي يعاني أعضاؤها من مخاطر الإرهاب، بل تَوجَّه إلى دول مجلس التعاون الخليجي، على ما يبدو لحسابات سياسية أخرى تتعلق بدول الخليج بعينها لا بالدول العربية ككل، وليبدو أيضًا معها دور الجامعة العربية متقزِّمًا أمام الأزمات التي تواجه الدول الأعضاء.
اقرأ أيضًا: التدين ومعضلة «الدولة اليهودية» في إسرائيل
3. كيف ينظر العرب إلى جامعتهم؟
برز الصراع في الجامعة حين قرر أعضاؤها مقاطعة مصر بعد السلام مع إسرائيل.
على رأس القضايا التي انشغلت بها جامعة الدول العربية منذ تأسيسها كانت قضية فلسطين، إذ بدأت أولى قممها بتأكيد رفض محاولات تهويدها عام 1946، مرورًا بقمة «اللاءات الثلاث» في 1967 بعد هزيمة العرب أمام إسرائيل، التي أعلنت فيها أنه «لا صُلح ولا اعتراف ولا تفاوض» بشأن العدوان على الأراضي العربية، حتى قمة بيروت 2002، التي خرجت بمبادرة السلام السعودية الداعية إلى إنهاء النزاع العربي-الإسرائيلي على مبدأ الأرض مقابل السلام، دون نتائج ملموسة.
قد يهمك أيضًا: ما الذي يحدد تعاطف العرب السياسي؟
لا يمكن إنكار دور الجامعة في عدد من القضايا العربية-العربية في فترات محدَّدة من تاريخها، فمثلًا تمكنت من تحقيق المصالحة بين عاهل الأردن الراحل الملك حسين والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، إثر المواجهات بين السلطات الأردنية والفلسطينيين بعد أزمة اللاجئين الفلسطينيين، فعقدت قمة استثنائية في القاهرة عام 1970 دفع إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتقرر تشكيل لجنة رباعية لحلِّ الخلاف.
لكن القمة الطارئة للجامعة العربية في أغسطس 1990 عبَّرت عن الانقسام الدائم المسيطر على العرب، إذ كان الهدف منها بحث حلول أزمة غزو العراق للكويت واقتراح إرسال قوات عربية مشتركة مدعومة بقوات أمريكية وأوروبية، لكن مواقف الدول العربية تباينت، فأعلن الأردن واليمن رسميًّا تأييد العراق، في حين تحفظت الجزائر وتونس والسودان وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية، أما الدول التي ساندت الكويت فكانت السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان ومصر وسوريا والمغرب.
لم يكن الأمر شبيهًا بما حدث إبان أزمات أخرى كغزو العراق عام 2003، ففي مارس من ذلك العام عُقدت قمة عربية في شرم الشيخ بمصر، اتفقت فيها الدول العربية على رفض ضرب العراق والتمسك بالحل السلمي للأزمة، إلا أن هذا الاتفاق لم يحُلْ دون ضرب العراق بتسهيل من دول أعضاء في الجامعة العربية، ثم إسقاط عاصمتها بغداد بعد شهر من انعقاد القمة.
4. ماذا عن الصراع على السلطة؟
عاشت جامعة الدول العربية طوال تاريخها صراع هيمنة بين الدول الأعضاء، فبسطت مصر نفوذها باحتضانها المقر الدائم، وعزز ذلك التوجه القومي العروبي الذي قاده عبد الناصر، في حين كان للسعودية هواها الإسلامي ورغبتها في تنمية مصالحها العربية، وكان قادة العراق وسوريا يرون في دولتيهما، صاحبتَي التوجه البعثي العربي المنافس للقومية، مركزَي قوى عربية لا تقلُّ عن القاهرة.
وبرز هذا الصراع على السطح حين قررت الدول الأعضاء مقاطعة مصر ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، إثر معاهدة السلام مع إسرائيل.
ولعل آخر هذه المناكفات العربية-العربية الدالة على ضعف دور الجامعة في «جمع» العرب، إعلان السعودية تشكيل تحالف «عسكري إسلامي» في ديسمبر 2015 يضمُّ أكثر من 30 دولة ويكون مركزه الرياض، بهدف محاربة التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على مناطق شاسعة في الدول العربية، في الوقت الذي تنُصُّ فيه معاهدة الدفاع العربي المشترك الصادرة عام 1950 على التعاون العسكري بين أعضاء جامعة الدول العربية في حال تَعرُّض أيٍّ منها للاعتداء المسلَّح، وأن تلتزم الدول بتقديم المعونة العسكرية والمعنوية للدول المُعتدَى عليها.
أثار إعلان السعودية حفيظة مصر، التي لا تزال تحمل لواء القومية العربية رغم تقلبات التاريخ، فدعا رئيسها عبد الفتاح السيسي إلى إقامة تحالف عسكري عربي مشترك لمحاربة التنظيمات ذاتها، إلا أن الفكرتين باءتا بالفشل، في إشارة إلى مدى التفكك الذي آل إليه التعاون العربي.
حين قرَّر مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات عسكرية إلى الأراضي البحرينية، ضمَّت أكثر من ألف جندي سعودي و800 جندي إماراتي وعدد من الزوارق البحرية الكويتية، لإنهاء الاحتجاجات الشعبية في الجزيرة التي يعتنق أغلب مسلميها المذهب الشيعي، كان هذا يمثِّل إعلان وفاة لجامعة الدول العربية، التي أُنشِئَت في الأصل للتنسيق وحل الأزمات بين الدول الأعضاء.
الأمر نفسه تَكرَّر في أزمة اليمن، حين أعلنت السعودية عملية عسكرية ضد حركة الحوثيين الموالين لإيران وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح باسم «عاصفة الحزم»، بمشاركة بلاد ليست أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وشاركت هذه الدول بقوات جوِّية وبحرية وبرية من قطر والكويت والبحرين ومصر والسودان والمغرب.
5. بالأرقام.. ماذا يعني أن تعمل في الجامعة العربية؟
تعاني جامعة الدول العربية كذلك أزمات أخرى في الكيان الإداري، برز ذلك حين استقال 15 موظفًا خشيةً من دراسة تُعِدُّها الجامعة لخفض رواتب المتعاقدين والخبراء ومكافأة نهاية الخدمة، نتيجة عدم تسديد بعض الدول حصتها في موازنة الجامعة، ويسعى أحمد أبو الغيط الأمين العام إلى حثِّ الدول العربية على الالتزام بسداد ما يقارب 60 مليون دولار.
في الوقت نفسه، يحصل الأمين العام للجامعة على 42 ألفًا و472 دولارًا راتبًا شهريًّا، وبدلات تقدر بـ10 آلاف دولار، وتُحسَب له مكافأة نهاية خدمة قدرها مليون دولار، حسب تقارير صحفية عن رواتب العاملين في جامعة الدول العربية.
ويبلغ راتب نائب الأمين العام 35 ألفًا و862 دولارًا في الشهر، كما يحصل على بدلات بنحو 4 آلاف دولار، وله الحقُّ في مكافأة نهاية الخدمة، مثله كمثل مستشار الأمين العام الذي يساوي مرتبه بالبدلات 20 ألف دولار، والسكرتير الأول الذي يبلغ مرتبه بالبدلات 4776 دولارًا.
قد يهمك أيضًا: كيف يعيد المال تشكيل معتقداتنا؟
6. كيف ترى الجامعة الربيع العربي؟
وضعت التغييرات السياسية في أثناء ثورات ما أُسمِيَ بالربيع العربي جامعة الدول العربية أمام موقف جديد في تاريخها، الذي لم يعتَد الحالة الثورية في البلدان العربية منذ تأسيسها، غير أن دورها كان أقلَّ بكثير من الدور الذي مارسته منظمات أخرى، كما حدث في اليمن والبحرين، أما في سوريا وليبيا، فكانت القرارات الأكثر تأثيرًا على الأرض في يد حلف الناتو وتحالفات دولية كبرى.
اقرأ أيضًا: بين العدمية وحروب الهاردكور.. هنا ترقد أجيال الربيع العربي
يبدو أن إحداث تجديد دوري للميثاق الذي تأسست بموجبه جامعة الدول عام 1945، والذي لا يزال يحكم حركتها حتى الآن، أصبح أمرًا لازمًا لتجديد روح الجامعة. وكانت تعديلات قد أُدخِلت على الميثاق في مارس 2016، ليركِّز على قضايا حفظ السلم والأمن وحماية حقوق الإنسان والمرأة، وليس فقط الاكتفاء بتعزيز علاقات التعاون بين الدول العربية كما كان في السابق.
قد يكون هنا المدخل الحقيقي لتفعيل دور منظمة مثل جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى ضروروة تغيير الأوضاع التي تحكم الدول الأعضاء، ليتغير معها أداء المنظمة نفسها، وتتعدى كونها مجرَّد ظاهرة صوتية لا تُسمِن ولا تُغنِي من جوع.
كريم كيلاني