ليس مجرد خيال علمي: هل يبدأ ترامب عصر حروب الفضاء؟
ربما تبدو الفكرة قادمة من فيلم خيال علمي، لكن أصبحت محل نقاش عالمي جاد بالفعل. فبعد اجتماعه بالمجلس الوطني للفضاء، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي، إصدار أوامره لوزارة الدفاع بالبدء في إنشاء فرع جديد للقوات المسلحة، وهو «القوة الفضائية»، كسادس فرع مستقل بعد القوات البرية والبحرية والجوية ومشاة البحرية وحرس السواحل.
كان من بين أبرز أعضاء المجلس، نائب رئيس الولايات المتحدة، «مايك بنس»، ومدير وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، «جيم بريدينستاين»، ورائد الفضاء الأمريكي السابق، «بز ألدرن»، مُتأهبين لإحياء برنامج الفضاء الأمريكي لاستعادة الريادة في المجال الفضائي، وتلبية رؤية الرئيس ترامب في التصدي للمخاوف الأمنية المتنامية عالميًّا.
لم تحمل تصريحات ترامب أي معلومات عن الميزانية المخصصة للفرع الجديد، ولا الجدول الزمني لتدشينه، ولا الخطة اللازمة لإنشائه، ولا حتى موعد عرض محدد على الكونغرس، لأن موافقته لازمة في حالة تكوين فرع جديد للقوات المسلحة الأمريكية.
بالرغم من أن فكرة تكوين القوة الفضائية قد تبدو هزلية، سواء في إجراءات تنفيذها، أو حتى بسبب غموض مهماتها، فإن الرئيس ترامب لم يكن رائدًا في خلق الفكرة. في أثناء قيادة جورج بوش الابن الإدارة الأمريكية، اقترح وزير الدفاع وقتها، «دونالد رامسفيلد»، في مستهل الألفية الثانية، تشكيل قوة مخصصة للفضاء في إطار لجنة الإصلاح العسكري، لكن سرعان ما تلاشت الفكرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
لم تكتفي الصين وروسيا بتطوير قدرات إطلاق الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية، بل حسنت القدرات المدارية لتصبح لها القدرة على التشويش والقرصنة.
منذ سنوات عدة، يرى عدد من القادة العسكريين في الجيش الأمريكي، أن بلادهم في أمسِّ الحاجة إلى التحضير من أجل المواجهة في حرب فضائية مُحتمَلة. وكان رئيس اللجنة الفرعية للقوات الاستراتيجية، «مايكل روجرز»، متحمسًا للفكرة نفسها، لكن القوات الجوية الأمريكية وأدتها يوم ولادتها، لأن القرار ينزع جزءًا أصيلًا من مهماتها في حمايتها للفضاء، ويترتب عنه استئصال الميزانية المطلوبة.
حينها صرح رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، «ديفيد غولدفين»، بأنه جاهز لقيادة القوات الفضائية، في إشارة إلى رفضه استقلاليتها، وتمزيق سلطاته، على أساس أن قيادة القوة الجوية الفضائية قسم فرعي استحدثته إدارة «رونالد ريغان» تحت مظلة القوات الجوية، داعمًا العمليات العسكرية من خلال استخدام الأقمار الصناعية في قيادة الأسلحة الأرضية ومراقبتها، والمركبات الفضائية، والعمليات السيبرانية. وأكد أن العمليات التي ينفذها قسم قيادة القوات الجوية المتفرع من القوات الجوية، متكاملة ومترابطة لأن كل العمليات العسكرية للولايات المتحدة تعتمد على الفضاء، وبالتالي، فإن استقلالها يصب في الاتجاه الخاطئ.
الغموض الذي يكتنف مهمات فرع القوات المسلحة الجديد، وتنازُع القوات الجوية من أجل الاستحواذ على حماية الفضاء، والحظر الذي تَفرِضه معاهدة «الفضاء الخارجي»، من إقامة قواعد عسكرية، أو اختبار أي نوع من الأسلحة، أو إجراء مناورات عسكرية، والبيروقراطية التي قد تعرقل عملية موافقة الكونغرس، سيزيد من صعوبة تنفيذ قرار الرئيس ترامب. بالرغم من أن المعاهدة لا تمانع إنشاء قوة فضائية، ما دامت أنشطتها لا تنتهك البنود المنصوص عليها، فإن التوجيهات التي وقَّع عليها ترامب، في آخر الاجتماع، لم يُذكَر فيها إنشاء قوة فضائية. وبالتالي يتحول الغموض إلى كلام هُلامي، قد يثير سخرية معارضيه واستنكارهم وتساؤلاتهم.
تصريح مدير وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، «جيم بريدينستاين»، بأن الصين وروسيا يطوران قدرتهما الفضائية لاستهداف الأقمار الصناعية الأمريكية، لا بد من أن يُؤخذ على محمل الجد. وإمعانًا في الجدية، أشار بريدينستاين إلى أن الخصمين الفضائيين لم يكتفيا بتطوير قدرات إطلاق الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية، بل بتحسين القدرات المدارية لها بوتيرة متسارعة لتصبح لها القدرة على التشويش والقرصنة.
على العكس، وصف رائد الفضاء الأمريكي، «مارك كيلي»، فكرة ترامب بإنشاء فرع جديد للجيش الأمريكي مخصص للفضاء بأنها «غبية»، لأن نفس المهمات جزء من عمل القوات الجوية، وبتلك العقلية سيكون الفرع التالي هو قوات تحت البحر. والخطر القادم يكمن في أن تَسارُع القوى العالمية الكبرى إلى سباق التسليح في الفضاء، سيخلق فوضى من الحطام الفضائي الذي لا يمكن السيطرة عليه، ليؤدي في النهاية إلى الحؤول دون وصول البشر إلى الفضاء لعقود، إن لم يكن لقرون. ففي تلك اللحظة، تحول ما يقرب من نصف مليون قطعة من النفايات الفضائية تدور حول مدار الأرض.
اقرأ أيضًا: سياسة ترامب الخارجية: هل تعود أمريكا للتورط العسكري المباشر؟
الاستعداد لحروب الفضاء
وضعت روسيا نصب أعينها إعادة بناء برامجها الفضائية بعد نهاية الحرب الباردة، ما نتج عنه تخلف أمريكا عن سيطرتها على الفضاء.
وفقًا لرأي المفكر السياسي الصيني «وانغ شن»، فلا مفر من اتخاذ الفضاء ساحة للمعركة، لأن الدول المتصارعة لديها نية مُبيَّتة لمهاجمة النظام الفضائي الأمريكي في حالة الحرب، ويبدو سيناريو أقرب وخيارًا أوقع باعتباره «الضلع الأضعف» للجيش الأمريكي، بسبب استحالة هزيمة الولايات المتحدة باستخدام الأسلحة التقليدية من دبابات وطيارات. استثمرت الصين وروسيا، بشكل واسع، في تطوير الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية لسنوات، وبالتالي تحول الفضاء إلى ما يشبه «كعب آخيل» للولايات المتحدة.
منذ سنوات، يسعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تنشيط القوات الفضائية الروسية لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي السابق، ويرى في الفضاء فرصة عظيمة لتحسينات عسكرية واسعة. يشاركه الرؤية الرئيس الصيني «شي جين بينغ» الذي يرأس أكبر جيش في العالم، ويضم قوات الدعم الاستراتيجية المسؤولة عن العمليات العسكرية والفضائية والإلكترونية.
وبإعلان ترامب دخوله الفضاء، بقوانين جديدة، لتحدي «المخاطر والتهديدات التي تمثلها دول أخرى»، أصبح مرتعًا لتجاذبات المصالح، ومصدرًا جديدًا لسباق التسليح، وتبادل الاتهامات. فقد سارعت الصين وروسيا إلى اتهام الولايات المتحدة بعسكرة الفضاء، وتحذيرها من الاستخدام غير السلمي للفضاء الخارجي، ودعوتها إلى عدم تحويله إلى ساحة معركة.
لكن بالرغم من التحذيرات والترقٌّب الحَذِر بين الدول المتنافسة في مجال الفضاء، فإن محللين يؤكدون أن الفضاء ساحة المعركة المستقبلة دون أدنى شك. وبالتالي كان على الرئيس ترامب تنفيذ وعده باستعادة أمجاد أمريكا على الأصعدة كافة. فقد شهدت الولايات المتحدة طفرة في التكنولوجيا المضادة للصواريخ، في عهد الرئيس الأمريكي «جون كينيدي»، ثم تلاشى شيئا فشيئًا وهم سيطرة أمريكا على الفضاء، بينما وضعت روسيا نصب أعينها إعادة بناء برامجها الفضائية بعد نهاية الحرب الباردة، ما نتج عنه تخلف الولايات المتحدة عن تلك السيطرة.
وإذا كانت معاهدة الفضاء الخارجي تُجرِّم استخدام الأسلحة النووية في الفضاء الخارجي، فهي في المقابل، لم تَحرِم الدول استخدام أسلحة من نوع آخر. وبالرغم من اقتراح معاهدة جديدة للحد من سباق التسلح في الفضاء، فإن الولايات المتحدة رفضت الدخول في محادثات ضمن إطارها. وعدم الاتفاق على كيفية استخدام الأسلحة سيُحدِث ارتباكًا عالميًّا.
ليس بالضرورة أن حربًا باردة تلوح في الأفق. لكن التصريحات العدوانية الأمريكية بالتحدي قد تبعث برسالة خوف للمنافسين، أو قد تكون بداية دخول دول أخرى في دائرة المنافسة. وقد تكون التصريحات الأمريكية في النهاية محاولة كلاسيكية من السلطة للتفاخر بالقوة أمام شعبها بدلًا من تحقيق مطالبه، ما قد يتسق مع رؤية ترامب نفسه عن «مجد أمريكا»، المجد الذي تكون فيه سيطرتها العسكرية مقدمة على أي شيء آخر.
محمود سعيد موسى