بين أوباما وترامب: رئيس وزراء تركيا السابق يحلل البدايات ويخمن النتائج
اعتلى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قمة أكبر قوة عظمى في العالم مطلع 2009، وارتفعت وقتها طموحات كثير من الأقليات والمستضعفين بهذا الحدث، إذ علقوا عليه آمالًا عريضة، وترقبوا انتهاء عصور الظلم والعنصرية والاستبداد، لكن على قَدْرِ ضخامة حجم الأمل في البداية جاءت الخيبة بعد ذلك.
أما الرئيس الحالي دونالد ترامب فكانت بدايته مغايرة تمامًا، إذ بعث رسائل عنصرية مفزعة، رأى البعض أنها ستشكل ملامح فترة حكمه كلها. وبما أن مقدمات عهد الرئيسين كانت متناقضة، فربما يعتقد بعض المحللين أن فترتي حكمهما ستختلفان كذلك، لكن المسألة ليست بهذه البساطة.
حاول رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو في مقال له على موقع «ميدل إيست آي» أن يحلل أسباب الخذلان الذي انتهت إليه رئاسة أوباما، ويستشرف مستقبل السياسة الأمريكية في عهد ترامب.
باراك أوباما: أملٌ كاذب
يرى أوغلو أن هناك ثلاثة عوامل منحتنا أملًا كبيرًا في فترة رئاسة أوباما، وجعلتنا نتفاءل بشأن مستقبل سياسته الخارجية:
- كان انتخاب رئيس أسود خبرًا سارًّا للمؤمنين بالمساواة داخل وخارج الولايات المتحدة، إذ كان بمثابة إعلاء لقيم التعددية في مختلف أنحاء العالم.
- أوحى فوز أوباما بانتهاء عهد سياسة الحكم المنفرد والتدخل في شؤون الدول الأخرى التي كانت تمارسها إدارة جورج بوش الابن، وبأن عهدًا جديدًا من التعددية السياسية قد أتى، وهو ما جعل المحللين حول العالم يستبقون الأحداث بتوقُّع ممارسات سياسية مسؤولة، لا مجرد دبلوماسية سلبية غير مُجدية كما ظهر لاحقًا.
- احتفى أوباما في خُطَبه بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية، الأمر الذي جعل العالم يتوقع تجاوز الخطب الحماسية لتصبح هذه القيم جزءًا من السياسة الأمريكية، خصوصًا في ما يتعلق بالتعامل مع قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الخطأ الأول: إقصاء الحلفاء وتشجيع الخصوم
طغى الفشل وخيبة الأمل على الأحلام الكبيرة في رأي أوغلو، وكان أبرز ملامح هذا الفشل أن عملت إدارة أوباما على إقصاء حلفائها التقليديين، بينما شجَّعت خصومها على تحديها، ولم تُفَعِّل مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية والكرامة الإنسانية على نحوٍ حقيقي.
رغم أن أوباما كان على الطريق الصحيح في البداية إلا أنه لم يستمر فيه، ولم تُقابِل تصريحاته الطَّموح في بداية فترته أفعالٌ على أرض الواقع، بل كانت هناك، بحسب أوغلو، فجوة واضحة بين الأفعال والأقوال.
لم تسعَ إدارة أوباما مثلًا إلى بذل جهد كبير لإحداث نقلة نوعية في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، ورغم التقدم الذي يرى أوغلو أن تركيا أحرزته في أربع جولات من محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل بين عامي 2007 و2008، والتي انتهت بتوقعات لاتفاق سلام، عرقل الجانب الإسرائيلي الاتفاق بنهاية 2008 عندما شن حربًا على قطاع غزة، وكان موقف الولايات المتحدة الأمريكية سلبيًّا.
كان هذا في بداية فترة أوباما، وتقاعست الإدارة الأمريكية عن استثمار جهدها في دفع عملية سلام كان من شأنها، في رأي أوغلو، أن تبدأ صفحة جديدة في تاريخ علاقات الولايات المتحدة بمنطقة الشام والإقليم بأسره.
الخطأ الثاني: حين خرقت واشنطن السفينة السورية
يرى أوغلو أن تركيا واجهت تحديات ضخمة بسبب السلوك الأمريكي «الأرعن».
في أغسطس 2011، عقد داوود أوغلو جلسة محادثات مطولة مع الرئيس السوري بشار الأسد، اتفقا خلالها على خريطة طريق من أجل انتقال سلمي للسلطة، لكن فوجئ الجميع بعد أسبوع واحد من إتمام الاتفاق بإعلان الإدارة الأمريكية فقدان الأسد شرعيته كرئيس للبلاد، وهو الأمر الذي أدى إلى فشل الانتقال السلمي.
هذا الإعلان دفع الأسد إلى خرق بنود الاتفاق عدة مرات، وردت الحكومة التركية بقطع جميع قنوات الاتصال مع النظام السوري، بينما استمرت إدارة أوباما في إدانة بشار وممارساته الوحشية، حتى أنها دعت صراحةً لإسقاط النظام.
اقرأ أيضًا: بين العدمية وحروب الهاردكور.. هنا ترقد أجيال الربيع العربي
يرى أوغلو أن تركيا واجهت تحديات ضخمة بسبب السلوك الأمريكي «الأرعن»، إذ أدى تفاقم الأزمة السورية إلى زيادة أعداد اللاجئين إلى تركيا، بالإضافة إلى انتشار سيطرة «داعش» على مساحات واسعة من البلاد، كما عانت تركيا من ممارسات حزب العمال الكردستاني التي يصفها أوغلو بالإرهابية.
من ناحية أخرى، تسببت هذه السياسة في استمرار الأعمال الوحشية للنظام السوري، بدعم حلفائه على الأرض، الذين هم في الوقت نفسه خصوم تركيا.
2013: أخطاء بالجُملة تستغلها روسيا
فضَّل أوباما استثمار وقته وطاقته في قضايا أقل جلبًا للمشاكل.
ثلاثة عوامل كانت وراء تحول المشهد العربي بشكل جذري في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان في رأي أوغلو، وهي تحول الثورة السورية إلى مواجهات مسلحة، وعزل محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب، وصعود نجم تنظيم داعش الإرهابي، وكان عام 2013 نقطة تحول بسبب موقف إدارة أوباما تجاه تلك القضايا الثلاث.
أدى الموقف الأمريكي المبهم تجاه هذه المستجدات إلى ما يراه أوغلو خرقًا للخطوط الحمراء في مصر وسوريا، وتقويضًا لمبادئ الحرية والديمقراطية وكرامة الإنسان.
ولم تقف الآثار السلبية للموقف الأمريكي المتخاذل عند هذا الحد، بل كان بمثابة ضوء أخضر لخصوم الولايات المتحدة التقليديين للتحرك اعتمادًا على هذه الحالة السلبية، فوجدت روسيا مساحة للتدخل في شبه جزيرة القرم الأوكرانية، بالإضافة إلى حضورها العسكري في سوريا.
جائزة نوبل.. في السلبية الدبلوماسية
لا يرى أوغلو أن أخطاء أوباما كانت أقل فداحةً في العراق، حيث فضَّلت إدارته سحب القوات الأمريكية على الاهتمام بترك البلاد في حال أفضل، فجاء العلاج لسياسات جورج بوش الابن الاستعمارية في صورة انسحاب غير مدروس العواقب، فقط لأن أوباما أراد استثمار وقته وطاقته في قضايا أقل جلبًا للمشاكل.
حصول أوباما على جائزة نوبل للسلام زاد الطين بلة، فقد أضر بمستقبله السياسي وشجعه على سلبيته الدبلوماسية، وأثناه كذلك عن المخاطرة باتخاذ قرارات خارجية حاسمة قد تحتاج إلى اللجوء إلى القوة أحيانًا، وهذا لأن حصوله على الجائزة جاء في وقت مبكر من فترة رئاسته، دون أن يحقق إنجازًا حقيقيًّا.
كان هذا أوباما.. ماذا عن ترامب؟
نعيش في عالم مترابط، ومشكلة الشرق الأوسط ليست إقليمية بقدر ما هي عالمية.
وينبغي على ترامب لأجل هذا الغرض أن يبدأ في تحليل المشهد، وأن يضع في اعتباراته ثلاثة عوامل أساسية.
- أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي لا تزال قائمة، بل زادت عمقًا ووضوحًا.
- هناك وعي سياسي جديد ينمو بين شعوب الشرق الأوسط، من شأنه تشكيل مسارات السياسة في السنوات المقبلة، وهذا الوعي يشجع الشعوب على رفض الحكم الاستبدادي الذي واجهته في السابق.
- نعيش في عالم مترابط، ومشكلة الشرق الأوسط ليست إقليمية بقدر ما هي عالمية، ولها عواقب بعيدة المدى ستطول أوروبا وأمريكا كما ستطول دول الشرق الأوسط.
هل يتعلم ترامب من أخطاء أوباما؟
بدأت فترة حكم أوباما بالتفاؤل وانتهت بالخِذلان، فهل تنقلب الآية مع ترامب؟
ربما تفاجئنا فترة ترامب مثلما خالفت إدارة أوباما التوقعات، لكن لا شك أن كثيرًا من المخاوف أحاطت بصعود الرئيس الأمريكي الحالي، منذ فترة الدعاية الانتخابية وحتى اليوم، ويلخص أوغلو هذه المخاوف في أربع نقاط.
- النبرة الإقصائية التي أصبحت أهم معالم الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ جاءت تصريحات ترامب عن المهاجرين، المسلمين والمكسيكيين منهم خصوصًا، مقلقة للغاية، وتهدد بتشويه تام لصورة أمريكا أمام العالم، على النقيض من بداية أوباما.
- حلَّت القرارات أحادية الجانب في السياسة الخارجية محل التفاهم والاتفاق، وهو ما ظهر في عدد من القرارات الخطيرة، مثل حظر استقبال الوافدين من سبع دول ذات أغلبية إسلامية، وبناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك.
- تُعتبر نية ترامب نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس بداية مُزرية، ليس على المستوى الإسرائيلي-الفلسطيني فحسب، وإنما على مستوى علاقة الولايات المتحدة بالعرب كافة.
- التقليل من أهمية التعاون مع حزب شمال الأطلسي سيهز علاقته بأوروبا، ممَّا سينعكس في النهاية سلبًا على المصالح الأمريكية، بل يرى أوغلو علاوةً على ذلك أن التخلي عن مشروع الاندماج الأوروبي الأمريكي ربما يكون أحد أسوأ الأخطاء بعد الحرب العالمية الثانية.
لا يمكن الحكم على فترة ترامب بصورة نهائية في هذا التوقيت المبكر، فقد بدأت فترة حكم أوباما بالتفاؤل وانتهت بالخِذلان، فهل تنقلب الآية مع ترامب؟ أم أن بدايته السيئة تعني، ببساطة، خِذلانًا أكبر؟
أيمن محمود