أعطني ممَّا أعطاك الله: نصف ثروات الأرض بين أيدي 8 رجال
ينام ملايين البشر ليلًا والجوع ينهش بطونهم، ثم يستيقظون صباحًا مُثقلين بالتفكير: هل سيأكلون اليوم أم لا؟ وهل سيعثرون على عمل يمكِّنهم من شراء كسرة خبز؟ وإذا مرضوا، كيف سيوفرون ثمن الدواء؟ وخلال استغراقهم في هذه الدوامة من الأسئلة، تزداد ثروات ثمانية رجال آخرين بطريقة جنونية حتى خلال نومهم، فكيف وصل العالم إلى هذا الوضع؟ وكيف يخرج منه؟
وباء الفقر يغزو العالم
فجَّرت منظمة «أوكسفام» المعنيَّة بأحوال الفقراء مفاجأةً صادمةً في منتدي دافوس الاقتصادي، الذي انطلقت أعماله في يناير 2017 بسويسرا، عندما أعلنت إحصائية جديدة عن الفجوة بين الأغنياء فاحشي الثراء والفقراء، أكدت أن ثروة أغني ثمانية أشخاص في العالم تُعادل ما يملكه 3.6 مليار إنسان، أي نصف البشر. وكان التقرير نفسه قد صدر عام 2015 ليؤكد أن ثروات 62 شخصًا تساوي النقود التي يجنيها نصف سكان العالم مجتمعين.
اعتمدت «أوكسفام» في التحليل على قائمة أثرياء العالم لعام 2016، التي نشرتها مجلة «فوربس» الاقتصادية الشهيرة. ويأتي على رأس القائمة بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، بثروة تقدر بـ75 مليار دولار، ثم الإسباني «أمانسيو أورتيغا» مؤسس بيت الأزياء «إنديتكس»، الذي يملك 67 مليار دولار، بالإضافة إلى الاقتصادي الأمريكي «وارن بافت»، ورائد الأعمال المكسيكي «كارلوس سليم الحلو».
يأتي في القائمة بعد ذلك رئيس شركة أمازون «جيف بيزوس»، ومؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ، والرئيس التنفيذي لشركة أوراكل «لاري إليسون»،، ثم عمدة نيويورك السابق «مايكل بلومبرغ».
سر أزمة الثروة: التهرب الضريبي
تفشل الحكومات في منع الشركات الكبيرة من دفع الضرائب، لكنها تضيق الخناق على المشاريع الصغيرة.
لا نستطيع بالتأكيد طرق أبواب هؤلاء الأثرياء ومطالبتهم بتغيير نشاطهم الاقتصادي الذي يُدِرُّ عليهم أرباحًا بالملايين، ولا يمكننا كذلك تكرار ما حدث مع الإقطاعيين ومصادرة أملاكهم ثم منحها للفقراء. يتطلب حل هذه المشكلة تطبيق منهج اقتصادي إنساني، لا يضع ثروات العالم بين يدي 1% من السكان ويحرم الباقين منها، ويشجع على الابتكار وإقامة المشاريع الصغيرة، ويمنح الكل فرصًا متساوية بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية.
في الوقت الحالي، تُكافئ الدول الممارسات الاقتصادية الخاطئة بدلًا من ردعها، ويتسبب التهرب الضريبي وحده في خسارة الدول الفقيرة أكثر من 10 مليارات دولار كان من الممكن استغلالها في توفير المياه النظيفة للبيوت، والأدوية لإنقاذ حياة المرضى، والتعليم للارتقاء بوعي الأفراد، حتى أن الدول الغنية نفسها تخسر ما يزيد عن هذا المبلغ بمليارات لا حصر لها.
تفشل الحكومات في التصدي للثغرات التي تستخدمها الشركات لتجنب دفع الضرائب المفروضة عليها، لكنها تضيق الخناق على المشاريع الصغيرة الملتزمة بدفع مستحقات الدولة، وتدفعها إلى العمل في مناخ تنافسي غير عادل، تميل كَفَّته لصالح الشركات العملاقة.
نلاحظ هذا التفاوت في توزيع الثروات بدءًا من الهيكل الوظيفي للعاملين في الشركات الكبيرة، فعلى سبيل المثال، يصل راتب مدير مؤشر «فوتسي 100» الاقتصادي، الذي يقيس أداء أكبر مئة شركة في بورصة لندن، إلى 5.5 مليون يورو في العام، ويحصد بعض المديرين التنفيذيين في بريطانيا 130 ضعف ما يتقاضاه الموظف المتوسط شهريًّا.
اقرأ أيضًا: كيف تولِّد الأزمات الاقتصادية حلولًا مجتمعية مبتكرة؟
بين الأثرياء والفقراء: أزمة ثقة
انهارث ثقة الناس في المؤسسات التي فشلت في التعامل مع كارثة الأزمة الاقتصادية عام 2008.
لن تمر هذه الفجوة التي خلقها النظام الاقتصادي العالمي بين الأثرياء والفقراء مرور الكرام، فلكل نظام غير عادل تبعاته الاجتماعية، وقد دفع الغضب والشعور بعدم المساواة بعض الشعوب بالفعل إلى اتخاذ قرارات سياسية جذرية أملًا في تغيير الواقع.
يمكن النظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وتصاعد النبرة العنصرية في أوروبا وأمريكا، باعتبارها مؤشرات لعدم رغبة مواطني تلك الدول في تقبل الوضع الراهن، ورفضهم السياسات المتَّبعة منذ عقود، وبحثهم عن حلول جديدة أيًّا كانت.
منذ الأزمة الاقتصادية عام 2008، انهارت ثقة الناس في المؤسسات التي أثبتت فشلها في التعامل مع الكارثة، وتعززت الروح القومية والنزعة الشعبوية لدى الناس نتيجةً لضياع الثقة، وكانت تداعيات هذه الأزمة عميقة ومؤثرة للغاية.
اقرأ أيضًا: كيف أدت سياسات صندوق النقد لتفاقم الأزمات الاقتصادية في العالم؟
ماذا لو فاض الكيل بالفقراء؟
ماذا سيحدث لو فاض الكيل بهذا الكم الهائل من الفقراء؟
يمكن للشركات أن تلعب دورًا ملحوظًا لاستعادة الثقة المفقودة بسبب تفشي عدم المساواة، إذا لجأت إلى مزيد من الشفافية مع موظفيها في ما يخص التغييرات التي تقوم بها في مقار العمل، وتقدير رواتبهم على نحو عادل، وكذلك تحسين مهاراتهم باستمرار.
تقع المسؤولية على الحكومة كذلك، لذا أوصت منظمة «أوكسفام» المسؤولين بفرض مزيد من الضرائب على الثروة وإجمالي الدخل، لضمان عدالة المنافسة وتمويل الاستثمارات في الخدمات العامة والوظائف. ولا ينبغي إغفال ضرورة التعاون بين الحكومات المختلفة، من أجل سد الثغرات التي يلجأ إليها الأغنياء للتهرب من الضرائب.
في الوقت الحالي، أصبح الفقر وباءً ينتشر بسرعة ويفتك بالناس ويبتلع المزيد من الطبقات الاجتماعية، مثل الطبقة المتوسطة التى أوشكت على التلاشي.
يمتلئ القاع بمليارات الفقراء، بينما يجلس ثمانية رجال فقط على قمة هرم الثروة، فماذا سيحدث في المستقبل إذا فاض الكيل بهذا الكم الهائل من الفقراء؟ وهل يمكن لنظام كهذا أن يستمر؟
ندى حنان